تركيا وإيران تتقاسمان المنطقة… ولا تتصارعان عليها؟

الحرب المفتوحة التي يقول الرئيس السوري بشار الاسد، استناداً الى اصدقاء له صادقين، انه سيشنها في حال استمر التآمر العربي – التركي – الاميركي – الاسرائيلي – الدولي على نظامه لم يتحدث عنها تفصيلاً احد بعد، ولم يُحدَّد اطارها وساحتها وعنوانها وصفتها النهائية. لكن كل متمعّن في ما يجري داخل سوريا، ولا سيما منذ تحرّك مدينة حماه ضد النظام ومبادرة القوى الامنية والجيش الى تأديبها، يستنتج ان الحرب الاهلية قد تكون احد اوجه الحرب المذكورة وخصوصاً بعدما لم يعد هذا الموضوع مُحرَّماً إعلامياً. إذ باتت المعلومات عن التصفيات "الاهلية" اكثر انتشاراً وبات الحديث عنها امراً عادياً داخل سوريا وخارجها. إلا ان النظام السوري يرفض طبعاً ان يعتبر نفسه جزءاً من هذا النوع من الحروب، لا بل انه يعتبر نفسه مستهدفاً بها. ولذلك فإنه يرفض اتهامه بالاشتراك فيها، ويعترف فقط بقمع الذين يقومون بها من المسلحين والمخرِّبين لمصلحة الاجنبي.
طبعاً هناك اوجه اخرى للحرب المفتوحة يمكن الحديث عنها مثل مبادرة النظام السوري الى شن الحرب على تركيا إذا باشرت عملاً عسكرياً ضده وعلى ارضه (المناطق الآمنة عمل عسكري)، ومثل مبادرة حلف شمال الاطلسي مجتمعاً او ممثلاً بتركيا الى شن حرب عسكرية على نظام الاسد، ومثل مبادرة اسرائيل الى شن حرب على النظام نفسه. وفي حالات حربية كهذه فان الاسد يعتقد، واستناداً الى اصدقائه المشار اليهم اعلاه، ان زلزالاً سيحصل جراء عدم تخلي حلفائه عنه. وأبرزهم ايران الاسلامية و"حزب الله" اللبناني. والاثنان سينخرطان حتماً في الدفاع عنه وعن بلاده، بل عن استراتيجيتهما، بالوسائل العسكرية. ومن شأن ذلك ارباك المنطقة والمجتمع الدولي. هذا فضلاً عن ان التقاتل الاهلي الطابع والطائفي ايضاً يمكن ان يتجاوز حدود سوريا الى لبنان والى دول اخرى. والعجز عن وقف كل ذلك لا بد ان يوقع المنطقة في اتون حرب مذهبية شاملة لا تسلم منها الشعوب ولا الانظمة.
إلا ان السؤالين اللذين يُطرحان هنا هما: هل ينجح النظام السوري في معركته؟ وهل يستطيع نظام وحده تدمير المنطقة؟ الجواب عن الاول ويقدمه خبراء في المنطقة بعضهم غير معادٍ له، يستبعد نجاحه في النهاية، لكن موعد هذه النهاية غير محدد. وهو على الارجح سيتأخر كثيراً لأنه يمتلك القوة العسكرية ولأن الانقسام المذهبي الحاد يمكِّنه من "الصمود". وعندما يحين اوان الفشل فإنه سيدفع الثمن، ولكن ستدفعه معه سوريا بكل مكوناتها وربما جيران لها وآخرون. اما السؤال الثاني فان الجواب عنه، الذي يقدمه الخبراء انفسهم، فهو ان قرار سوريا تدمير المنطقة ليس سهلاً تنفيذه. ذلك ان القوى الاخرى في المنطقة والعالم وتحديداً التي منها تناصره بالمال او بالسلاح او بالعناصر او بـ"الفيتو" في مجلس الامن، لن تتصرف إلا وفقاً لما تمليه مصالحها. فهي لن تنتحر ولن تضحّي بمصالحها الحيوية والاستراتيجية من اجله. لكنها طبعاً لن تتخلى عنه بسهولة، وستبقى معه الى ان تتأكد انه لم يعد قادراً على الاستمرار، او الى ان تحصل على ما يحفظ مصالحها.
وفي هذا المجال يعتقد الكثيرون من مؤيدي النظام السوري ورئيسه بشار الاسد داخل بلاده وفي لبنان ان ما يجري في سوريا هو في احد وجوهه صراع عليها بين تركيا "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي الحاكم فيها وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية". ويعتقدون ايضاً ان اميركا توظف هذا الصراع في مواجهتها لطهران ودمشق، وذلك نظراً الى تحالفها المزمن مع تركيا وسياستها القديمة والمستمرة لإضعاف طهران او لتطويعها او لضربها. والاعتقادان قد لا يكونان بعيدين من الصحة. لكن متابعي حركة حكومة تركيا ونظام ايران، وهم للمناسبة خبراء في اوضاع كل منهما، يستبعدون الاصطدام التركي – الايراني. ويؤكدون ان "حواراً بناء" يجري بين انقرة وطهران رغم اختلافهما على امور كثيرة، وإن هناك تلاقياً للمصالح بينهما حول موضوعات عدة ابرزها المشكلة الكردية التي تؤرق الاثنتين. ويرجحون ان تبتعد طهران عن الضغط على انقرة كي "تطرِّي" موقفها من دمشق رغم حلفها الاستراتيجي معها واعتبارها سقوط نظام الاسد خسارة استراتيجية لها. وبدلاً من الاقتتال التركي – الايراني يطرح هؤلاء سيناريو آخر هو تقاسم المنطقة بينهما او بعضها، طبعاً بموافقة دولية عندما يحين الوقت. والتقاسم يعني بشيء من التبسيط العراق المحكوم شيعياً لايران وسوريا التي قد تُحكم سنياً لتركيا. في اختصار الانتظار لمعرفة صلابة كل هذه النظريات افضل من التبنّي المتسرِّع لاحداها.

السابق
مستشار وزير الزراعة محمد الخنسا: في انتظار تشريع القانون الخاص بالزراعات العضوية
التالي
رئيس المحكمة الخاصة بلبنان غداً في بيروت