الشرق : سليمان في رسالة الاستقلال: لتنفيذ التزاماتنا تجاه المحكمة الدولية

 دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اللبنانيين الى ان «لا يحيدوا عن الثوابت الوطنية الضامنة لاستقرار لبنان وعزته وازدهاره وأن يحيدوا أنفسهم عن كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وأحلامهم المشروعة بغد هانئ وآمن وواعدن ملتزمين دوما نهج الحوار والمنطق والاعتدال.
ورأى أن واقعنا الحالي يضع علينا جميعا مسؤولية مضاعفة، للبحث في الأسباب الحقيقية التي تعوق عمل المؤسسات وتفقد ثقة الناس بالدولة وببعضهم البعض، مشددا على ضرورة إعادة تفعيل وإستئناف أعمال هيئة الحوار الوطني «وعدم التباطؤ في تنفيذ ما سبق لنا أن اتفقنا عليه في مؤتمر الحوار الوطني، وبخاصة ما يتعلق منه بالسلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيمات، إضافة «لواجب الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وذلك توخيا للحقيقة المجردة والعدالة المجردة وحفاظا على مصداقيتنا وليس خشية من عقوبات يلوح بها

مواقف الرئيس سليمان جاءت في رسالة الاستقلال التي وجهها الثامنة مساء امس من قلعة راشيا بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لذكرى إستقلال لبنان، في حضور الوزير ابو فاعور وعدد من النواب الحاليين والسابقين،إضافة الى المطارنة منصور حبيقة، الياس كفوري، ومفتي راشيا أحمد اللدان، ورئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية الشيخ ابو وسيم صالح القضماني، والشيخ أسد الله الحرشي، ومحافظ البقاع أنطوان سليمان، وعدد من القائمقامين وقادة الاجهزة الامنية في منطقة البقاع وممثلين عن عائلات رجال الاستقلال: الوزيرة السابقة ليلى الصلح، والنائب دوري شمعون وكميل دوري شمعون، سالم عسيران، والنائب علي عسيران، والوزير السابق يوسف تقلا.
واكد سليمان في كلمته ان من أبرز شروط الاستقلال التحرر من أي احتلال أو انتداب أو وصاية،وفرض السيادة الشاملة والحصرية للدولة ومؤسساتها على كامل أراضيها،
والالتزام باستقلالية القرار السياسي الوطني، بعيدا عن أي تدخل أو ضغط خارجي،
ونجاح الدولة في إدارة الشأن العام بقدراتها الذاتية، من خلال مؤسسات ونظام ديموقراطي يحفظ الأمن والحريات وحقوق الإنسان، ويقيم العدل، ويسمح بالتداول الدوري للسلطة كنتيجة حتمية للديموقراطية.
ومن شروط الاستقلال كذلك، تحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة، ومحاربة الفقر والعوز والمرض، وتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين من ماء وكهرباء وطبابة واستشفاء وتعليم ونقل عام وبيئة نظيفة وغذاء سليم.
والواقع الحالي يشير إلى أنها المرة الأولى منذ العام 1975 التي لم يشهد فيها لبنان، لأكثر من ثلاث سنوات متتالية، حالة اقتتال داخلي، أو حربا عدوانيةإسرائيلية عليه، أو تواجدا لقوات عسكرية عدوة أو شقيقة على أراضيه، ما عدا الحاجة التي ما زالت قائمة لوجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان، سعيا لتنفيذ كامل مندرجات القرار 1701، بالتنسيق والتعاون مع الجيش اللبناني، الساهر على صيانة السلم الأهلي، ومحاربة الإرهاب، وحماية الديموقراطية، وهو المؤسسة التي تنعكس فيها الوحدة الوطنية بأبهى صورها.
انجازات وطنية
خلال هذه الفترة أقمنا علاقات ديبلوماسية ناجزة بين لبنان وسوريا طبعت تاريخ العلاقة بين البلدين، وتم احترام الاستحقاقات الدستورية من طريق إجراء انتخابات بلدية ونيابية أتسمت بالشفافية والهدوء، وباشرت الحكومة منذ الآن بمناقشة مشروع قانون جديد للانتخاب يضمن صحة التمثيل لكافة الشرائح وللمرأة بصورة جوهرية، ويسمح بعملية انتخابية حرة ونزيهة بعيدا عن أي ترغيب غير مشروع أو تهديد، ويعبر بصورة أفضل عن الميثاقية الدستورية وينسجم مع روح الطائف، كما باشرت مناقشة مشروع قانون استعادة الجنسية، وانطلقت مرحلة إيجاد الحلول لمشكلتي الكهرباء والمياه، وتم إقرار قانون النفط والغاز وتحديد المناطق البحرية، تمهيدا لإصدار المراسيم التطبيقية والمباشرة بعمليات التنقيب.
كما تم إقرار مشروع قانون دستوري يمنع الجمع بين النيابة وتولي الوزارة.
مخاطر الفتنة
أعلم أيها اللبنانيون أن كل ذلك لا يبدد مخاوفكم وقلقكم على المستقبل والمصير.
أعلم أنكم قلقون من عدم تمكن الدولة والمؤسسات من الاضطلاع بكامل مسؤولياتها على مساحة الوطن،
ومن مخاطر الفتنة والاحتكام إلى السلاح في ظرف من الظروف، ومن النوايا الإسرائيلية المبيتة، ومن صعوبة تنفيذ القانون وفرضه، في ظل تسلط أصحاب النفوذ، واستشراء الفساد وطغيان منطق المحاصصة والمحسوبيات، ومن التأخر في تنفيذ المشاريع التي بشرت بها البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، خاصة وأن عملية تشكيل حكومات ثلاث، خلال السنوات الثلاث الماضية، استغرقت أكثر من اثني عشر شهرا، وعطلت التجاذبات السياسية العمل الحكومي لأشهر عديدة أخرى.
إلا أن هذا الواقع المرير يجب ألا يشكل عامل إحباط أو يأس أو تسليم باستحالة الإصلاح والتقدم، ونحن شعب عرف بشجاعته وبحيويته الفكرية والسياسية، بل يضع علينا جميعا مسؤولية مضاعفة، كحكومة ومجلس نيابي وقوى حية وقادة فكر ورأي، للبحث في الأسباب الحقيقية التي تعوق عمل المؤسسات وتفقد ثقة الناس بالدولة وببعضهم البعض، وهل هي بنيوية تستوجب تعديلا في النظام، أم ناتجة عن سوء ممارسة وأداء يستوجب التطوير والتحسين، او عن الاثنين معا.
والإجابة عن هذه التساؤلات الجوهرية تستلزم بحد ذاتها ورشة حوار شامل وعميق على مساحة الوطن، داخل المؤسسات، وضمن الأطر البحثية المناسبة، وذلك بقطع النظر عن الجدل الظرفي القائم حول الجدوى من إعادة تفعيل هيئة الحوار الوطني، التي ما زلت أرى فائدة جمة في استئناف أعمالها في أقرب الآجال.
وبانتظار ذلك، حري بنا المضي قدما في عملية تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني في جميع بنودها، وصولا، في ضوء التجربة، إلى الدولة المدنية الجامعة، دولة المواطنة التي تطمح إليها أجيالنا الطالعة، من ضمن الروح الميثاقية نفسها التي أوجدت الاستقلال.
كما يجدر بنا عدم التباطؤ في تنفيذ ما سبق لنا أن اتفقنا عليه في مؤتمر الحوار الوطني، وبخاصة ما يتعلق منه بالسلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيمات، تدعيما للسيادة والاستقلال والاستقرار، إضافة لواجب الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وذلك توخيا
للعدالة والحقيقة المجردة وحفاظا
على مصداقيتنا وليس خشية من عقوبات يلوح بها.
كذلك يفترض المنطق والحاجة لتأمين حسن سير عمل المؤسسات، السعي بشكل حثيث لتوضيح الإشكاليات والثغرات الدستورية، التي أظهرت التجربة مدى إعاقتها، لا بل تعطيلها لعمل الدولة على أكثر من صعيد.
لقد بدت راشيا عام 1943 وما زالت، رمزا من رموز العيش الواحد الأبي الكريم، وهذا مثال يحتذى، ومدعاة اعتزاز وأمل.
أغتنمها مناسبة من هذا الموقع بالذات، كي أوجه عناية المسؤولين المعنيين إلى أهمية الإسراع بحسم خياراتهم بشأن مضامين مشروع القانون الخاص باللامركزية الإدارية، الذي يعمل على إعداده بشكل حثيث، وذلك تمهيدا لمناقشته وإقراره، وأنتم تعلمون أهمية هذا المشروع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق، وخلق فرص عمل، وربط اللبنانيين وأبنائهم، بأرضهم وجذورهم، وأنا أتحسس توق شاباتنا وشباننا إلى التقدم، وأعرف طاقاتهم واستعدادهم للمشاركة والبذل والعطاء.
في الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل تحتل أجزاء من أراضينا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وتتمادى في خروقاتها وتهديداتها، فإن الجميع يعون أهمية توحيد مجمل قدراتنا الوطنية المقاومة والرادعة، والاحتفاظ بحقنا في تحرير أو استرجاع هذه الأراضي بالطرق المتاحة والمشروعة، وهي قدرات تصونها وتحميها قبل كل شيء وحدتنا الوطنية وتماسك جبهتنا الداخلية.
وإذ يظهر اللبنانيون مقدرة على مواكبة التطورات الإقليمية المشوبة بالعنف، بكثير من الحكمة والوعي، حرصا على أمنهم واستقرارهم، المحصن بالدستور والميثاق الوطني وبآليات وتوازنات نظامهم الديموقراطي،
فإنهم على التزامهم، كما دائما، بكل إصلاح منفتح على الحرية والديموقراطية والحداثة، وبكل قضية عربية عادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين، التي دافع عنها لبنان هذا العام، من موقع عضويته ورئاسته لمجلس الأمن الدولي، مؤكدا على دوره ومكانته الخاصة بين الأمم، كحامل رسالة تعايش وتضامن وإخاء.
وفي مواجهة التعنت الإسرائيلي، والمعوقات التي ما زالت تحول دون تمكن الدول العربية والشعب الفلسطيني من استعادة كامل حقوقهم وأراضيهم المحتلة، تبرز الحاجة لمضاعفة الجهد والعمل، على الصعيدين العربي والدولي، من أجل خلق الظروف الضاغطة اللازمة لتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد والمبادرة العربية للسلام، بعيدا عن أي شكل من أشكال التوطين الذي يرفضه لبنان ولن يقبل به تحت أي ظرف من الظروف. 

السابق
اللواء : ميقاتي يدنو من الخيارات الصعبة: بروفة الأزمة الجُمعة!
التالي
المستقبل : سليمان يريد تفعيل الحوار “لتنفيذ ما اتفق عليه”