هل انطفأت حماسة الشباب؟

آلاف الحناجر صدحت بقوّة وغضب، وعشرات اللافتات حملت شعار "إسقاط النظام الطائفي ورموزه". لكن بعد خمس تظاهرات هدأت الحناجر وأنزلت اللافتات، وكأن تلك الحماسة ليست اكثر من صدى لثورات عربية بعضها حقق أهدافاً وبعضها الآخر ما زال في بداية الطريق. أين هو حراك "إسقاط النظام الطائفي ورموزه"؟ "نهار الشباب" يتابع الملف ويستطلع عدداً من الناشطين.

"توحدت النواة التي شاركت في التظاهرات، وإن كانت من احزاب مختلفة ومن مجموعات متباعدة، اضافة الى مستقلين، حول مبدأ الشعار"، تقول رجاء هاشم الناشطة في "حركة الشعب". لكن الخلاف برز في المسيرة الثانية "حين دخلت أحزاب تريد رفع شعاراتها الخاصة، ونحن رفضنا رفع اي شعار مغاير لشعار الحملة". وما كان من الناشطين لحماية حملتهم إلا اضافة كلمة "ورموزه" إلى الشعار، "وهي لا تعني الزعماء فحسب، إنما المؤسسات أيضاً"، تلفت هاشم مضيئة على الخطأ الذي ارتكبه الشباب نتيجة إندفاعهم. وتذكر: "هنا، ظهرت بعض المشكلات بعد نزول مجموعة "حلو عنا" إلى الشارع رافعة صورة الزعامات الطائفية، "وبما أتنا في بلد تشدّه العصبيات الطائفية، استفزت الصورة فئة من المتظاهرين".

وبدأت تظهر نقاط اختلاف أخرى حول آليات إسقاط النظام الطائفي "ففي حين يقوم عمل هيئات المجتمع المدني والجمعيات على مشاريع قوانين، اذ ترى تلك الهيئات ان التغيير يحصل ضمن النظام"، "رفضت أطراف ثورية أخرى هذا النوع من العمل، لأن المطالبة بالتغيير من ضمن النظام تعني، في رأيهم، أنها تعترف بالنظام، فظهرت تناقضات بين الاطراف". وكان خلاف حول محطة اخرى مصيرية مع بدء الثورة السورية، "فثمة مجموعات معها وأخرى ضدها". ونتيجة تلك الخلافات انقسمت المجموعة الواحدة إلى مجموعات عدّة تعمل كل منها على حدة "مما جعل حماسة المنظمين تخف رويداً رويداً". ورغم ان عدد المشاركين في النشاط الاخير لم يتجاوز الـ 600 أو 700 شخص حداً اقصى، إلا ان هاشم لا تعتبره فاشلاً. فالعدد في رأيها ليس مهماً "وهذه المجموعة ذات "النفس الطويل" لا تتأثر بنفس الشارع العربي، وتدرك ان المسيرة لا تزال في بداياتها". وارتأت أنه من الأجدى الخروج من الشارع لفترة، والمبادرة إلى تنظيم ورش عمل للبحث عن آليات للتغيير. نسقت في هذا الشأن مع بعض الأطراف في تموز الماضي بالتعاون مع مدربين حول آلية إيصال الخطاب وإسقاط النظام.  يؤيد الناشط "المستقل" موسى عاصي كلام هاشم ويعزو تراجع الحملة حتى التلاشي إلى عوامل عدة، منها انها "لم تكن تجري في مسار تاريخي صحيح، ولم نتمكن في نهاية التظاهرة الثالثة التي كانت أضخم تظاهرة، من بلورة المسيرة وتحويلها إعتصاماً دائماً مرتبطاً بالشارع بشكل مباشر".
إلى ذلك، ذهبت مجموعات في أفكارها نحو الثورية المطلقة، فيما كانت أفكار أخرى، وعاصي منها، مغايرة، لأن "نظامنا يختلف عن الأنظمة العربية التي تحكمها ديكتاتوريات مطلقة". فالسلطة عندنا "موزعة بين مجموعة طوائف فيها إرتباط عضوي بين السلطة وجمهور الطوائف، لذلك يصعب تحقيق ثورة شعبية، لأن غالبية الشعب تنتمي إلى الأحزاب الطائفية المرتبطة بمصالحها اليومية". ومع أن الناشطين تبنوا كامل شعار الحملة، لكن على مستوى الجمهور "كان الشعار يقلق البعض خوفاً من ضرب الإنتماء الطائفي للناس بشعائرهم وطقوسهم الدينية، وحصل تفسير ساذج للعلمانية ما آثار مخاوف البعض من شعارنا".

يرى عاصي ان المدخل الى اسقاط هذا النظام "يكون مثلاً في قانون الانتخاب أو قانون الأحوال الشخصية أو أي قانون يمكن تحقيقه يعيد إلى الدولة سلطتها بدل الطوائف، عندئذ تكون الخطوة متقدمة في عملية إسقاط النظام الطائفي".
من جهته لا يخفي الناشط في "المنتدى الإشتراكي" باسم شيت، ان عوامل عدّة أدت إلى تراجع الحملة، اسبابها الواقع السياسي في البلاد "وأنا في الأساس كنت وسائر منظمي الحملة نتوقع ان تصل إلى مكان تنطفىء فيه، لأن فكرة إسقاط النظام الطائفي في لبنان تتطلب إنتفاضة غالبية الشعب على ارتباطها المباشر بالزعامات والأحزاب السياسية الموجودة، ومن ثم يمكن أن ننتقل إلى حالة سياسية مختلفة". وهذا في رأي شيت يتطلب الكثير من الوقت لتحقيقه، "لقد هوجمنا من قوى 8 و14 آذار على السواء، ولم تملك الحملة خطاباً سياسياً قادراً على مواجهة الطرفين بموقف هجومي، بل كانت تكتفي بالدفاع".

وما حصل، يشرح شيت، هو ان "مجموعات دخلت لم تكن مع العلمانية ولا مع إسقاط النظام الطائفي، وكانت مندسة تتنكر بشعار الحملة وتحاول خفض السقف أو تحويل الحملة لخدمة طرف معيّن في قوى 8 أو 14 آذار". وكانت داخل الحراك أيضاً "أحزاب وأطراف لا مشكلة لديهم في التحالف مع اطراف في السلطة حفاظاً على مصالحها، مما أضعف استقلالية الحملة". "وهناك كثيرون مستعدون لسحب الشرعية من هذا النظام"، وفق شيت، "لكن غيرهم كثر لم يكونوا قادرين على التخلي عنه". وفي رأيه أن الخطأ كان بعد التظاهرة الثالثة "عند نزولنا إلى مجلس النواب، وحصول مناقشات طويلة أدت إلى الإنقسام" .
يتفق المسؤول الإعلامي للحزب الشيوعي اللبناني في جبيل وكسروان والمتن الشمالي ريمون ميشال هنود مع ما أشار إليه منظمو الحملة من عوامل حالت دون استمرارها. ويكمل: "عدم وجود برنامج موحد، ولا سيّما الخلافات التي طرأت ما بين أطراف تريد دولة مدنية وأخرى تنادي بالدولة العلمانية، في حين يفصل بين الدولتين خط واحد". فجماعة الدولة المدنية "أخطأت بالتعريف معتقدة أن الدولة العلمانية تدعو إلى الإلحاد وإلغاء الشعائر الدينية، بينما الحملة كانت تعمل على اساس أنها دولة علمانية غير ملحدة، تريد فصل الدين عن السياسة، ومنها إقرار قانون الزواج المدني الاختياري".

ومن الأخطاء التي حصلت أيضاً، على ما يعتقد هنود، دخول جهات حزبية على المظاهرة منضوية في اللعبة السياسية. "كل ذلك أجبر الحملة على أن تتوقف للملمة أفكارها وصوغ برنامج موحّد وترتيب أولوياتها ووضع آلية عمل لنشر الخطاب السياسي وإعادة النظر في شكل الحراك ومضمونه".
يبقى سؤال: هل كانت همروجة وانتهت، أم أن الخبرة التي اكتسبها الناشطون لا بد من أن تعيدهم إلى الميدان أكثر وعياً ونضجاً؟  

السابق
أنقذوا البحر
التالي
الاسد: لم نحاسب رامي مخلوف لاننا بحاجة الى رجل مخيف