لماذا قتل الأشقاء الخمسة 11 لبنانياً في ضاحية بيروت المسيحية؟

الخطة هي المنطقة، بهذه الجملة الغريبة أنهى خليل عبد النور، شقيق القتيل شاكر، حواره مع «الراي». هو الذي قتل شقيقه قبل أربعين يوما ولم تعرف والدته الثمانينية حتى اليوم لماذا قتل: «كلّ ما نريده أن نعرف ما السبب، فمن دون أن نعلم تأكلنا الحيرة ونعتبر أن شقيقنا قتل بلا سبب، ورمي تحت الجسر مثل حيوان».
خليل المتماسك يتحدث بغضب، ويقول إنّ الطريقة التي قتل فيها شقيقه تؤكّد أن القاتل محترف: «المجانين والمهووسون والمضطربون عقليا لا يرتكبون جرائم كهذه، فقد قتلوا11 شخصاً قبل أن يتمّ توقيفهم ولن نقبل أن يقول لنا أحد إنّ القاتل غير سويّ لتقفل القضية».

خليل واحد من11 عائلة لبنانية في منطقة المتن الشمالي ذات الغالبية المسيحية، فجعت بمقتل أحد أفرادها خلال الشهرين الفائتين، في سلسلة جرائم تركزت في منطقة واحدة في الضاحية الشمالية الشرقية للعاصمة اللبنانية، بين نهر بيروت شرقا ونهر الكلب شمالاً. القوى الأمنية أكّدت أنّها قبضت على «عائلة» كاملة مؤلفة من خمسة أشخاص متهمين بالتخطيط والتنفيذ، لكنّ المعلومات الأمنية لم تفصح عن مجرى التحقيقات الأولية. كلّ ما نشر أنّ المتهمين الخمسة ينتمون إلى الطائفة الأرمنية من عائلة تاكيليان ويلقّبون «أبو حنّا»، وهي عائلة سورية حصل ثلاثة منها على الجنسية اللبنانية في العام 1994. و«الجرأة» خلفيتها خوف غريب من التحدّث عن الاشقاء الخمسة في المنطقة التي سكنوها: النبعة، وهي منطقة في ضاحية بيروت الشرقية كانت تسكنها أكثرية شيعية قبل الحرب الأهلية، لكنّ الميليشيات المسيحية اقتحمتها وأسقطتها في العام 1976 وخلال الاعوام الثلاثين الماضية تحوّلت منطقة فقيرة جدا يسكنها مصريون وسوريون وفلسطينيون واجانب من هنود وباكستانيين وسريلانكيين، فضلاً عن بعض الأرمن والشيعة والسنة والموارنة من الفقراء، كون بدلات الإيجار فيها متدنية جداً نسبة إلى المناطق المجاورة لها مثل سنّ الفيل وبرج حمود.

يؤكد خليل ان أيّ جنوح للتحقيق صوب عدم إعدام القتلة بعد ان يعترفوا سيقابل بادّعاءات شخصية من أهالي الضحايا تمهيدا لمحاكمات جديدة. ويعتبر أنّ «القتل لا بدّ يخفي وراءه الكثير». لا يريد أن يغوص في التحليل لأنّه موظف في دائرة حكومية، «ولكن بالتأكيد هناك من دفع لهؤلاء كي يرتكبوا هذه الجرائم لترويع المنطقة وإقلاق سكانها وإخافتهم». ويضيف لـ«الراي»: «إنها فاجعة كبيرة علينا. شقيقي شاكر سعيد عبد النور عمره 48 عاماً وقد ترك خلفه شابا وصبية وطفلا»، اي ربيع (23 عاما) ونسرين (18) ورالف (تسعة اعوام).

كان شاكر حارسا أمنيا قبل الظهر لمصرف في منطقة الاشرفية (شرق بيروت)، ويعمل بعد الظهر سائقا لسيارة أجرة حتى وقت متأخر ليلا ليؤمن قوت أولاده الثلاثة.
يتمنى خليل «أن ينال كل إنسان عقابه، وإلا فإنّ الله يأخذ حقنا في النهاية»، ويضيف «لنفترض أنّ هناك سببا سياسيا لخلق بلبلة في المنطقة المسيحية، علما انني لا أحب الكلام الطائفي، الا ان مسلمين قتلوا معهم ايضا والضحايا كلهم أبرياء»، ويتابع: «التحقيق سيبين أنّ هناك من وراءهم وليسوا مجانين».
المتهمون الخمسة هم من الأرمن السوريين الذين نال بعضهم الجنسية اللبنانية في خمسينات وستينات القرن الماضي. وقد تجنّس منهم غابي وعزيز وموسى بخلاف ميشال وجورج الضالعين في الجرائم، بحسب ما دلّت التحقيقات.
بعض الجيران ذكروا لـ«الراي» إنّ «جورج وميشال يكثران من شرب الكحول ويشتهران بكثرة العراك وبأنّهما يتعاطيان مواد مخدّرة». لكنّ معظمهم رفض الحديث وقال كلاما عاما مثل أنّ «الاشقاء الخمسة أوادم ولا غبار عليهم».
وبعد جهد كبير وصلنا إلى منزل العائلة قرب مسجد الرضا في النبعة. هناك في الطبقة الأولى من مبنى متهالك، وجدنا والدة الاشقاء الخمسة التي فجعت باعتقال ابنائها.

على كنبة في المنزل المؤلف من ثلاث غرف، تحدثت زهرة تاكيليان مؤكدة أنّ أبناءها «مظلومون وبريئون ولا يفعلون شيئا كهذا. الشباب يظلون في المنزل 24 ساعة على 24 ولم يفعلوا شيئا».
أما كارول زوجة جورج التي لم يمض على ولادة طفلها ستة أيام حين اعتقل زوجها فهي بولندية، وتعترف بأنّ زوجها ليس لبنانيا: «معه جواز سفر سويدي، وهو يملك مطعما في السويد ويعمل هناك». روت الام ان «عزيز يعمل سائق سيارة أجرة، وغابي يقود حافلة، وموسى مريض لا يعمل، وميشال وجورج يعملان في السويد». هنا تعقدت القصة، فكيف يعملان في السويد والجيران قالوا ان افراد العائلة «يسكنون هنا منذ 20 عاماً؟». اما كارول فقالت «ميشال يعمل بائع خضر».
تمسك كارول رضيعها سمير وتدعونا للدخول إلى غرفة زوجها، لكنّ الوالدة ترفض وتطلب منا أن نتوقف عن التصوير ونخرج: «كل ما يحصل خطأ بخطأ، وأولادي سيخرجون بريئين».
حاولنا الوصول إلى آل النشار الذين قتل ابنهم ألبر الخمسيني. والدة الضحية وافقت على لقاء سريع، هي الباكية المنهارة التي لا تقول كلمة من دون شهقة ودموع غزيرة. انها مروة الياس ديب النشار، اصرّت على ذكر اسم عائلتها ووالدها وهي تضع امامها صورة ابنها الفقيد وتصرخ: «لم اعرف لماذا قتل ابني غدرا، السارق يقتل للسرقة لكن اموال البر وهاتفه بقيت في جيوبه».

روت أنّ ابنها الذي تأخّر كثيرا في الزواج كان سيعقد قرانه بعد شهرين: «كان يعمل في اذاعة صوت لبنان مسؤولا عن الأمن والحراس. قتلوه وسرقوه مني». الام الثكلى ربت ابناءها بـ«طلوع الروح» واضافت «ا بني الثاني تخصص مهندسا والراحل يحمل بكالوريا وانا تلميذة راهبات ونحن لا نسرق ولا ننهب»، ثم غرقت في نوبة بكاء جديدة: «آخ يا أمي… آخ يا ماما، يحبه الجميع، قالوا ليتنا لم نعرفه لئلا نحزن عليه. ابنتي مدرسة لغة فرنسية وابني الآخر موظف في مصرف ولديّ فتاة تتخصص في إدارة الأعمال».
 تحكي الوالدة المفجوعة بلا ترابط بين جملها، تريد التأكيد ان عائلة بهذا القدر من العلم والاستقامة لا تستحق ان يعاقبها القدر على هذا النحو، وتختم «ما عرفناه أنّ الأخوة الخمسة قتلة مأجورون، لكنّ ابني ذهب وذهب سره معه، المجنون لا يضرب ضربة قاتلة، ومن قتلوا ابني ليسوا مجانين بل عاقلون جدا».
القاسم المشترك بين الضحايا الـ11 كان طلقة نارية في الرأس، اضافة الى كون معظمهم سائقي سيارات أجرة، وفق ما اكد وزير الداخلية اللبناني مروان شربل، موضحا ان «قوى الأمن الداخلي، بفضل مثابرة فرع المعلومات، تمكنت من اقتحام منزلي المتهمين واعتقالهم».

وبحسب التقارير الأمنية، بدأ مسلسل القتل في التاسع من سبتمبر الفائت، فعند السابعة والنصف صباحاً، عثر على جثة رجل مجهول الهوية في العقد الخامس أو السادس ينزف من رأسه. وبعدما كشف الطبيب الشرعي على الضحية، أفاد بأن الوفاة ناتجة من طلق ناري فوق الأذن، وحدد ساعتها بين السادسة والسابعة صباحاً. نُقلت الجثة إلى مستشفى حكومي وكُلّفت الأدلة الجنائية رفع الأدلة إن وُجدت.
تلك الحادثة كانت الأولى وقيدت ضد مجهول، إذ لم يعثر المحققون على أي دليل قد يوصل إلى القاتل. وبعد يومين من الجريمة الأولى، عُثر على حسين ح. (مواليد 1975) مصاباً بطلق ناري في رأسه أثناء وجوده داخل سيارته من نوع «مرسيدس» ذات لوحة عمومية تحت احد الجسور في المتن. نُقل حسين إلى المستشفى ولم يلبث أن فارق الحياة.
وبعد ايام، وتحديدا في محلة البوشرية، عُثر على جثة شخص مجهول في العقد الخامس مصابة بطلق ناري في الرأس وطلق آخر في الرجل اليسرى، وبجانبها رصاصتان فارغتان من عيار 7 ملم. دُوّن في المحضر أن الأسباب مجهولة. وتبين أن الجثة تعود الى ألبر ن. (52 عاماً) من بلدة النفيسة في عكار (شمال).

فجر اليوم نفسه الذي كان جمعة، عُثر على جثة ثانية تعود الى شاكر ع. (مواليد 1963) في محلة سن الفيل مصابة بطلق ناري في الرأس ايضا وقربها رصاصة فارغة من العيار نفسه. وذكرت التحقيقات الأولية أن الضحية الذي يعمل سائقاً عمومياً قُتل بعد سلبه سيارته. وقد عثرت القوى الأمنية على هذه السيارة من نوع «رينو» رقم لوحتها 407859/م محترقة بالكامل تحت جسر منطقة برج حمود.
ويوم الجمعة في 2011/11/11، عُثر على جثة رجل في العقد الخامس مصاباً بثقب في رأسه ومرميا على الطريق في محلة الدورة. وقد تعرّفت سوزان ك. إلى جثة شقيقها هاكوب الذي يعمل سائقاً عمومياً وتعرفت أيضاً على أمتعته الخاصة. ثم عثرت دورية من فرع المعلومات على سيارته في سد البوشرية وكلفت الأدلة الجنائية الكشف عليها.
وفي اليوم نفسه، عُثر على جثة العريف في الجيش اللبناني زياد د. (مواليد 1981) في محلة سن الفيل مصابة بطلق في الرأس ومرمية. ووجدت الأدلة الجنائية كمية من البودرة البيضاء في جيب الضحية، علماً بأنه كان يستقل سيارة من نوع «رينو» سلبه إياها مجهولون. وكرت السبحة حتى صارت الحصيلة 11 ضحية قبل أن تقبض القوى الأمنية على الاشقاء الخمسة وتتوقف عمليات القتل. لكنّ التحقيقات ما زالت مستمرة ولا معلومات حتى الان عن الدوافع، وسط اسئلة معلقة: هل كان القتل لمجرد القتل ام بدافع السرقة، أم لأسباب سياسية أم… ماذا؟
الثابت فقط ان مجزرة ارتكبت على دفعات، وما زالت عائلات الضحايا واللبنانيون غارقين في الحيرة والخوف من تكرار ما جرى في مناطق أخرى.  

السابق
الجسر: الربيع العربي انطلق من لبنان
التالي
مستقبل تركيا داخل نطاق الحضارة الإسلامية