في ذكرى الاستقلال، لبناننا امام خيارين

لعلّ من الضروري في مثل هذا اليوم التوقف عند محطات فارقة للتذكر ولابقاء الذاكرة متقدة فلا تنسينا الايام الاحداث الجسام التي عشناها والتي غيرت كثيراً من حياتنا السياسية والوطنية.
أتوقف في ذكرى شهيد الوطن بيار الجميل ابن تلك الارزة التي ما بخلت بابنائها تقدم الواحد تلو الاخر على مذبح الوطن، ليس بيار أولهم وقد لا يكون اخرهم.
في المناسبة عشية الاستقلال، وفي الذكرى، ثمة الكثير ليقال:

أولا: ان الاستقلال لا يصان من دون تضحيات، وقد قدم اللبنانيون على اختلافهم الكثير منها، وثمة حاجة الى الاعتراف المتبادل بالشهداء الذين سقطوا في مقاومة الاحتلالين الاسرائيلي والسوري وتكريمهم جميعاً، والتعامل مع عائلاتهم بالمستوى نفسه، كما بالاسرى المحررين من سجون اسرائيل وسوريا معاً، والمطالبة باطلاق من بقي منهم. ثانياً: ان الاستقلال لا يصان بحروب الازقة وبإبقاء السلاح غير الشرعي متفلتا من عقاله ان في المخيمات الفلسطينية أم خارجها. ولا أفهم تلك البدعة التي اخترعها مؤتمر الحوار الوطني عندما ميز بين سلاح في الداخل وآخر في الخارج، كأنما المخيمات وما فيها جنة امنية تخضع لمؤسسات الدولة اللبنانية واجهزتها ولم تتحول جزراً عصية على كل القرارات وملجأ للهاربين من العدالة. اما سلاح "حزب الله" وما بقي لدى ميليشيات أخرى، فهو كان في اساس مؤتمر الحوار، وقد اتفق المجتمعون على كل النقاط التي كانت موضع بحث في ما عدا الاستراتيجية الدفاعية التي من اجلها كانت اللقاءات، وقد تبين في ما بعد انها كانت مضيعة للوقت، أي لتمرير مرحلة معينة. من هنا تصبح ضرورية العودة الى الحوار في لبنان وعدم التجوال بمشكلاتنا عبر عواصم العالم، ولكن شرط الانطلاق من حيث انتهت الجولات السابقة وليس العودة الى نقطة الصفر. والحقيقة ان الكرة في ملعب "حزب الله" اذ انه الاقوى من حيث امتلاكه السلاح من خارج الدولة.
ثالثاً: ان محاكمة المجرمين والمرتكبين ضرورة بل واجب لقيام الدولة وتحقيق العدالة، ومحاولات وضع عثرات امام سير المحاكم والمحاكمات هو تعطيل لاجهزة الدولة ولمؤسساتها، بل نسف لفكرة الدولة من أساسها، وتحويل للنطاق الجغرافي لكل دولة مكاناً لشريعة الغاب. وما يجري اليوم من محاولة تعطيل للمحكمة الخاصة بلبنان ليس إلاّ من هذا القبيل وهو ايضاً تغطية لاشخاص وانظمة شاركوا او دفعوا او مولوا او نفذوا الجرائم الكثيرة التي بدأت بمحاولة اغتيال النائب مروان حمادة واستمرت مع الرئيس رفيق الحريري وغيرهما.

رابعاً: كان بيار الجميل يدرك، كما جبران تويني وسمير قصير وغيرهم، ان حجم الاخطار كبير جداً لكنه قرر المواجهة وعدم الهروب، وهو كان صادقاً في مقاومته وفي مواجهته الاحتلال الاعتى الذي فتك بنسيج المجتمع اللبناني من الداخل على نقيض المحتل الذي يستعمل آلته الحربية فيتّحد الناس في مواجهته. لم يكن بيار الجميل أقل شأناً من الجد الذي حمل اسمه، ولا من عمه الرئيس بشير الجميل الذي استشهد قبله، بل حقق في مدة قصيرة نسبياً انجازات كبيرة على صعيد حزب الكتائب اللبنانية وعلى صعيد الوطن، وجمع من حوله الكثيرين من الشباب الذين كانوا يبحثون عن قادة في تلك المرحلة الحساسة التي حاول فيها السوري اضعاف من بقي من القيادات خارج السجن أو المنفى.
اليوم، في الذكرى، اذ نطلب الرحمة لبيار وجميع الشهداء، نتمنى ان تكون محطة الاستقلال للتطلع نحو أفق جديد، اذ ان تفكك السلطة السورية سيجعلنا امام خيارين رئيسيين: اما ان ننقل تداعيات الوضع السوري الى لبنان الهش أصلاً فننجر الى حروب جديدة، وإما ان نعتبر مما عشناه ومما يشهد عليه محيطنا المأزوم فنتّحد لانقاذ لبناننا ولا نؤكد حقيقة مرة وهي اننا لا نملك قرارنا واننا لا نزال تابعين للخارج او دمى يحركها هذا الخارج متى يشاء. 

السابق
الحريري عن تويتر العدالة آتية من كل حدب وصوب ومن كل فجّ عميق
التالي
أوان المصالحة التاريخيّة لم يَفُت