تمهيد لتسوية عفا الله عما مضى؟

لم تفض «المعالجة الهادئة» التي يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمسألة اعتكاف الوزير غازي العريضي سياسياً، عن حضور جلسات مجلس الوزراء، إلى أي نتيجة إيجابية. فالخلاف ما زال مستحكماً بين وزير الأشغال ووزير المالية محمد الصفدي. الأول، يصر على الحصول على كامل «مستحقات وزارته» كما أقرت في مجلس الوزراء»، والثاني، يصر، في المقابل، على أن العريضي تخطى كل حدود الصرف بحسب موازنتي 2010 و2011، ولا يمكن للوزارة أن تدفع له أي فلس آخر بعد الآن.
بين إصرار هذا وذاك، يرى متابع لمجريات «المعركة» أن كل ما يحصل ليس إلا واجهة لخطة مدبرة تتشابك خيوطها بين الأكثرية والمعارضة بأياد وسطية، هدفها أولاً وأخيراً إعفاء الحكومات السابقة من الـ 11 ملياراً.
الغوص في تفاصيل «الخلاف التقني الظاهر»، يزيد الأمر تعقيداً ويجعل الجميع مشدودين للخلاف الوسطي ـ الوسطي غير المبرر سياسياً. فيجزم العريضي في حديثه لـ«السفير» أنه «غير معني بكل ما يقال من تفاصيل لا تخدم مصالح الناس، إذ أنه من حيث المبدأ المطلوب تنفيذ قرارات مجلس الوزراء عبر تأمين المال الذي اتفق عليه في جلسات الحكومة وبالإجماع من أجل تنفيذ المشاريع المقررة». العريضي قال أكثر من ذلك في مؤتمره الصحافي يوم الخميس الماضي: سألت كيف يتم الإنفاق؟ كان الجواب: لا تنتظر القانون بل إذهب إلى العمل. أضاف: ذهبنا إلى العمل إلا أن القرارات لم تصل.
بالنسبة الى وزارة المالية، الأمر مبدئي أيضاً، إذ تؤكد مصادر مقربة من الصفدي أنه لا يمكن أن تُعطى أي وزارة أكثر من موازنتها. وبما أن وزارة الأشغال صرفت موازنتيها للعامين 2010 و2011، فإن أي سلفة خزينة، حتى لو أقرت في مجلس الوزراء، ستكون بلا قيمة عملياً لأن تنفيذها غير ممكن. وتوضح مصادر الصفدي أن الخلاف نشأ عندما طالب العريضي بالحصول على اعتمادات وزارته كاملة. وقد تجاوبت وزارة المال سريعاً مع طلب وزير الأشغال إلا أنه كان من الطبيعي أن تطلب حسم سلف الخزينة التي حصل عليها من الاعتمادات الإجمالية. غير أن رد وزارة المال أثار حفيظة العريضي، فهو يقول إنه وُعد بأن يحصل على التمويل للمشاريع التي أقرت حتى لو تخطت سقف الاعتمادات المرصودة لوزارته، وبالتالي فلا بد من فصل سلف الخزينة عن موازنته، لا سيما أن ثمة بعض المشاريع التي لا تحتمل التأجيل، علماً أن عمل الوزارة مرتبط بالظروف المناخية.
من اللافت للانتباه في هذه السياق، أن المعلومات تتضارب حول عدد هذه السلف، ففيما يؤكد العريضي أنه حصل على سلفتين من أصل سبع، توضح المالية أنه حصل على كل السلف التي تقدم بها باستثناء اثنتين تقدم بهما منذ نحو أسبوع، ولم يوقع وزير المالية عليهما بعدما تبين تخطي «الأشغال» لموازنتيها. كما أن أي تصرف عكس ذلك يعتبر مخالفاً للقانون، أما نظرية «ما هو لي لي وحدي، وما هو لكم، لكم ولي»، فلا يمكن أن تستمر بعد الآن.
ويؤكد المصدر المقرب من الصفدي أن قرار إيقاف كل السلف التي تتخطى الاعتمادات المقررة لم يكن خياراً، إذ أن أي إجراء مخالف سيعني أن الحكومة لن تكون بحاجة إلى قانون الـ 8900 مليار الذي يغطي الإنفاق في 2011، فحسب بل ستضطر إلى إعداد قوانين خاصة للمتخطين.

كما تستغرب وزارة المالية كيف يربط العريضي بين موافقة مجلس الوزراء على السلف وبين تخطيه الاعتمادات، وتؤكد أن قرارات الحكومة ليست أقوى من القانون، ولو كان وزير الأشغال لم يتخط السقف لكانت نفذت القرارات كما هي.
بالنسبة لوزير الأشغال، فهو لم يتسبب بالمشكلة وإذا كان مجلس الوزراء قد أخطأ فعليه أن يحلها بنفسه، إذ أنه بالنسبة له «لا يمكن أن أخرج عن التزامي تجاه الناس، أو أن أحتقرهم أو أن أهمل مصالحهم، من عكار الى الضنيه إلى آخر قرية في لبنان».
ومن باب المصالح الطرابلسية لرئيس الحكومة ووزير المالية، يسأل العريضي «كيف وقعتم قرارات السلف التي صدرت في تشرين الأول والآن توقفون قرارات السلف التي صدرت في شهر آب؟ فهل يعقل أن تكون سلف آب متخطية لسقف الإنفاق فيما سلف تشرين لا تشوبها شائبة»؟
وهنا توضح مصادر وزير المال أن مسألة دفع السلفة مسألة روتينية بحتة ولا ترتبط بتاريخ تقديمها بل بتنسيباتها، أي أن السلف التي تتعلق بتعبيد طرق فرعية تختلف عن تلك التي تتعلق بالطرق الرئيسية أو بإنشاء ميناء ما على سبيل المثال لا الحصر.
تبدو مصادر وزير المال حاسمة في تأكيدها أن «قيام العريضي بالتلزيم يميناً ويساراً لن تتحمل الوزارة مسؤوليته»، وتضيف: «بدل مخالفة القانون كان عليه أن ينتظر الحصول على النفقة قبل البدء بالتلزيم».
وتفصل هذه المصادر بين عقد النفقة ودفعها، فعقدها يعني أنها ملك للوزارة المعنية، أما دفعها فلا بد أن يرتبط بتقديم المستندات المطلوبة لتبيان كيفية الصرف في نهاية العام وإما تسديدها نقداًً. وتغمز المصادر من قناة رغبة وزير الأشغال بصرف السلف من دون رقابة.

الخلاف يبدو مستحكماً بين الطرفين، إلا أن أحد المتابعين المحايدين يصر على النظر عكس التيار، فهو يرى أن التسوية التي سبق للعريضي أن ألمح اليها عبر حديثه عن تغطية العجز في موازنته عبر احتياطي الموازنة هو بيت القصيد ولكن ليس لحل هذه المسألة المستجدة بل تمهيداً للتسوية الأكبر، سائلاً كيف يمكن تفسير قرار الحكومة بإعطاء سلفات مفتوحة للوزارات من دون تحديد سقف. ليجيب بنفسه، هذه الطبخة لا يمكن أن يكون لها إلا طباخ واحد هو سهيل بوجي (الأمين العام لمجلس الوزراء) أما الهدف، فهو إغراق الوزارات بالصرف غير المحدد، وصولاً إلى تخطي قانون الاعتمادات الإضافية. أما القول بتغطية الإنفاق الإضافي عبر احتياطي الموازنة فهو اقتراح لا يسمن ولا يغني من جوع، إذ أن باب «احتياطي الموازنة» المخصص للنفقات الجارية والاستثمارية في مشروع الاعتمادات الاضافية لا يتعدى 700 مليار ليرة، يمكن للوزارات بإنفاقها المفتوح ابتلاعه بسرعة، لا سيما إذا عرفنا، على سبيل المثال، أن وزارة الأشغال وحدها تخطت موازنتها بـ300 مليار ليرة. وعندها لن يكون قانون الاعتمادات الإضافية حلاً كافياً لتغطية الإنفاق في السنة الحالية، ما سيلزم الحكومة بتحضير قانون خاص يغطي المبالغ الإضافية التي صرفت ويعتبر السلفات بحكم المسددة. وعندها أيضاً من البديهي القول إن قانوناً كهذا لا يمكن للأكثرية أن تمرره لتغطية مخالفاتها ثم ترفض تغطية مخالفات الحكومات السابقة (11 مليار دولار)، فيكون الحل بتغطية كل الصرف غير الشرعي دفعة واحدة، فيقفل الملف الذي لا يطال قوى 14 آذار وحدها. 

السابق
الراي: ميقاتي يسابق عقارب ساعة الحقيقة في استحقاق تمويل المحكمة
التالي
ابوعمار: انت في بيروت وهم خارجها