استقلال الطوائف لا استقلال لبنان

الاستقلال، يعني أن الوطن حر وسيد، لا تحكمه جهة خارجية في ظل وعي شعبي أساسه الولاء الوطني، من هنا فإن الولاء الوطني هو عنوان الاستقلال. لكن واقع الحال في لبنان هو أن الولاء الوطني غائب كلياً وليس المصلحة اللبنانية العليا هي الأساس، بل مصلحة الطوائف والمذاهب هي الأساس. من هنا فإن الاستقلال عن القوى الخارجية قد حصل، لكن الاستقلال الحقيقي عبر وعي الشعب وتقديم المصلحة الوطنية على مصلحة الطوائف والمذاهب والمراجع الاقطاعية لم يحصل.
كل طائفة لها منطقتها واستقلالها، وكل مذهب له إدارة منطقة يديرها بشكل مستقل عن منطقة أخرى يسيطر عليها مذهب آخر او طائفة اخرى.

الدولة المستقلة منقسمة على نفسها ليس بين موالاة ومعارضة، بل منقسمة على نفسها في النظرة الى الوطن، بل منقسمة على نفسها في كيفية الدفاع عن الوطن وبناء لبنان المستقل في إطار وحدة وطنية حقيقية. هذه الوحدة الوطنية التي تجعل كل المواطنين في إطار روحية واحدة تشكل ولاء وطنياً ويعطي الاستقلال حقيقته الفعلية المفقودة. وبالتالي فإن الاستقلال غير حاصل في لبنان فعلياً، ثم إن لكل مذهب او طائفة علاقة خارجية خارج القرار اللبناني. ومن هنا لا نرى ان الاستقلال موجود فعلياً، بل إن الاستقلال هو للطوائف والمذاهب الذين يسيطرون على الدولة ومؤسساتها وأصبحت المسؤوليات العامة في رئاسة المؤسسات كل واحدة لمذهب او طائفة. ومن المفروض في لبنان تطبيق الدستور والفصل بين السلطات، لكن الفصل بين السلطات في لبنان ليس موجوداً، بل إن المؤسسات والسلطات منفصلة عن بعضها ومستقلة على أساس انها تنتمي الى مذهب او طائفة. ولذلك هناك عدة انواع من الاستقلال في لبنان، حيث يستأثر كل مذهب بمؤسسة مستقلة عن بقية المؤسسات وينطلق القرار فيها، اي في تلك المؤسسات من أداء الطوائف والمذاهب.  هذه الصورة لا تبني استقلالاً حقيقياً والأسباب هي أن كل منطقة لها طائفتها ومستقلة عن الأخرى.

وثانياً إن روحية كل منطقة مرتبطة بالمذهب الذي تنتمي إليه، وهي مبنية على ثقافة مختلفة كلياً عن روحية منطقة اخرى يسيطر عليها مذهب آخر، حتى بات لبنان وطناً يشبه الموزاييك.
وأما السبب أيضاً في عدم استقلال لبنان، فهو ان لكل مذهب او طائفة مرجعيته الخارجية وليس له قراره اللبناني، وطالما ان القرار اللبناني المستقل غير موجود فإن الاستقلال غير موجود.
منذ العام 1943 استقل لبنان، وبدلاً من الانتقال من الطائفة الى الدولة المدنية، انتقلنا من الدولة الطائفية التي تم إعلانها مؤقتاً الى دولة مذهبية دائمة ومكرسة في الدستور وفعلياً على الأرض.
منذ العام 1943، كان يجب البدء في بناء ثقافة الولاء للوطن، إلا ان القيادات السياسية لم تسمح بذلك لأن إلغاء الطائفية والمذهبية يعني سقوطها وبتنا اليوم في سنة 2011 في ثقافة المذهبية وتكريسها، وبالتالي لم تعد تقبل القيادات السياسية والمسؤولة التي تحكم لبنان التنازل عن دولة المذاهب واغتصاب المذاهب لمؤسسات الدولة.

إذا كنا فعلاً نريد الاستقلال، يجب بناء الولاء الوطني وتقديم المصلحة الوطنية اللبنانية على أي مصلحة مذهبية وطائفية، والامر يتطلب وجود ثقافة وطنية كاملة تؤدي الى الولاء الوطني. وهذا امر مستحيل في المدى المنظور، لذلك سنحتفل بالاستقلال شكلياً لأننا نحب لبنان ونحب الوطن، ولكن فعلياً ليت المسؤولين يعترفون بهذا الواقع الذي يعيشه وطننا ويعملون على بناء استقلال حقيقي يستند إلى الولاء الوطني.

 

السابق
لا مصلحة لحزب الله في حرب داخلية؟
التالي
لهذه الأسباب ستطول الأزمة في سورية