ابوعمار: انت في بيروت وهم خارجها

في مجمع البيال أمس، الاف المجتمعين في ذكرى مرور سبع سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مسموما، ما كانوا يحتفون بالغياب بل بحضور فلسطين في الوجدان اللبناني. وإذا كان ابوعمار مفتاح هذا الحضور ورمزه في مسار الثورة بكل ما حملته من آلام واحلام، فإن الذين اجتمعوا أمس من كل اطياف المجتمع اللبناني والفلسطيني، كانوا يؤكدون انتماءهم الى لبنان كما فلسطين والى ربيع الثورة كما ربيع العرب.
كان "الختيار"، يجمع في بيروت امس الذين استبسلوا معه او ضده، لكنه جمعهم امس، وكأنه الزيتونة التي عادوا يأنسون تحت ظلالها، من خاصمه احس بأنه خسر خصما نبيلا، ومن أحبوه شعروا بأنهم يفتقدون الى قامة مشغولة بأهداب الحب وبآمال الثورة، كما احتفوا بالحقيقة الفلسطينية التي حوّلها من احتمال الثورة الى حقيقة الشعب والدولة.
في التغريبة الفلسطينية، شعب صنع ياسرعرفات القائد الذي رغم الغياب، بقي عنوان الوطن والسبيل اليه، حاضرا في الوجدان الفلسطيني حضور الحياة واحتمالاتها. اذ يستحيل ان تجد لدى شعب في هذا المدى العربي من يكّن لقائد او زعيم مثل هذا الحب الفلسطيني الموشح بالاعتزاز بـ"الختيار". أحبوه لانهم استطاعوا ان يغضبوا عليه، وان يصرخوا في وجهه، وان يخاصموه، ويشتموه دون ان يخافوا منه، لكأن ما بينه وبينهم اكثر من علاقة قائد بشعب او ثائر بثوار، ان فيها شيئا من الابوة، او من علاقة الاخ باخيه، او الام بابنائها. هي محكومة بالحب ولو كان قاسيا لكنه الحب. ولذلك ثمة شيء من اليتم ليس لـ "زهوة" سنينه الاخيرة بل لكل فلسطيني واكثر…
 امس كان ابو عمار حاضرا وكان الجميع يتأمل في المشهد الفلسطيني، يتطلع الى وجهه البشوش والحالم يحاول ان يتصالح معه، يعتذر منه، هو الذي مُنع في قمة الملوك والرؤساء العرب في بيروت2001، من ان يلقي كلمة فلسطين من قلب الحصار في "المقاطعة" المدمرة في رام الله، اتفق الممانعون والمعتدلون والعدو على كتم صوته تمهيدا لقتله وبحجة فلسطين. كتم صوته في بيروت ولم ينتبه الكثيرون الى ما ارتكب بحق هذا الشعب، كان بعض العرب يعد العدة لوراثته، كل على طريقته… ولسان حالهم ان تطوى صفحة الختيار ولكل حادث حديث.

في بيروت كان ابو عمار يرسل امس من هذه المدينة التي عشق، رسائل حب الى اللبنانيين، كان رفاقه وابناؤه في القيادة الفلسطينية، يغرفون من زاد ايقونتهم زيتا ليضيئوا على معنى ان قيامة لبنان هي قيامة لفلسطين، وان ربيع العرب هو ربيع فلسطين، فبهما صارت تغريدة المصالحة نغما ينسل مع هذا الربيع، وبات التلاقي بين رفقة النضال الفلسطيني امر لا يحول دونه حقد حاكم هنا ونزوة آخر هناك. المصالحة هي محاكاة لرمزية ابو عمار، الذي ظل حتى النبض الاخير امينا لها وابا شرعيا لهذه الوحدة التي كانها باسم القرار الوطني الفلسطيني المستقل.

هل هي صدفة ان تخطو المصالحة الفلسطينية خطوات مهمة مع الربيع العربي؟ هل هي من محض الصدف ان ترفع راية القدس مدموغة بكوفية ابوعمار؟ بالطبع هي من بعض بشائر الربيع العربي، فقد بدأ يتفكك اسر القضية الفلسطينية من سجن الممانعة المدّعاة، وباتت القضية الفلسطينية تستعيد ألقها، وتتحرر من مهمة حماية الاستبداد، واضفاء الشرعية على انظمة حصدت من دم الفلسطينيين وارواحهم وادمتهم سجونها ونالت من مستقبلهم الكثير الكثير… وكله في سبيل فلسطين. انها الاكذوبات التي تتهاوى، وتندحر بحقيقة الشعوب التي لا تخطىء اما الانظمة التي استمرت واستبدت باسم القضية الفلسطينية تتهاوى…
ها هم يا ابو عمار، وانت في بيروت، كل الشرفاء الذين ناصروك او خاصموك يحتفون بحضورك الباذخ، فيما يتكشف خريف تلك الانظمة الاصفر. وانت في بيروت، وهم خارجها… منهم من اعدم ومنهم من قتل ومنهم المحاصر ومنهم الفار… ومنهم من ينتظر.
 

السابق
تمهيد لتسوية عفا الله عما مضى؟
التالي
الحريري عن تويتر العدالة آتية من كل حدب وصوب ومن كل فجّ عميق