الموقف الروسي وحدود الغطرسة الاميركية

جاءت التحذيرات الروسية العالية النبرة، على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، ثم رئيس الحكومة فلاديمير بوتين، واضحةً في مراميها، بحيث يمكن القول انها «رسمت» مسار التطورات السياسية المرافقة للأزمة السورية في اتجاه مختلف عن الوجهة التي تتمناها واشنطن، بالرغم من كل المظاهر الخدّاعة.
كان لافروف عربياً أكثر من عرب كثيرين عندما قال إن موسكو لن تقبل بتنحّي الرئيس بشار الأسد، لأن سقوطه، وُفق البرنامج الاميركي، سيؤدي إلى حرب أهلية شاملة في سورية. فأخذت روسيا بهذا الموقف، منحى «تدويل» الأزمة، من وجهته الأميركية والأوروبية، إلى وجهة أخرى تدحض تلك الحالة التفاؤلية المتسرّعة داخل معسكر أعداء سورية، وخصوصاً منهم «إسرائيل» وعرب أميركا، بأن إسقاط النظام السوري بات على قاب قوسين من النجاح.
والملفت ان المواقف الروسية الاخيرة جاءت بعد استقبال موسكو لوفد يمثل واحداً من المعارضات السورية الموجَّهة بالريموت كونترول الاميركية. فقد أعطى الروس لهؤلاء المعارضين درساً في التضامن والحسّ الوطنيين بدعوتهم صراحةً إلى عدم الارتماء في أحضان خارجية تقرّر عنهم في شؤون بلدهم وشعبهم وتدفع بهم إلى «ساحات الجهاد» لينفّذوا عنها «أجندات» خارجية. أليس هذا ما قاله الوزير الروسي لافروف عندما قال انه «لا يحقّ للمعارضة السورية مقاطعة عملية الاصلاحات (التي تنفذها السلطات السورية)، وإذا اقتصر الأمر على الرهان على أن القوى الخارجية ستساعد على اطاحة النظام، فهذه الخطوة لا مسؤولة اطلاقاً، وقد شاهدنا هذا في ليبيا حيث لم تهدأ الأمور هناك تماماً، ونودّ كثيراً ألا يتكرر هذا في سورية؟».
هذا الكلام الروسي أظهر ان موسكو تتحدث كلاماً سورياً أفضل بكثير من المعارضة – المعارضات السورية نفسها.

وما يزيد في كبح جماح تفاؤل المعارضات السورية، ومن ورائها «عرب اميركا» بشكل خاص، في سقوط سورية بيد المشروع الأميركي، هو ردّ واشنطن المتوتّر على التصريحات الروسية القاسية. فواشنطن لم تكن تتوقع تصعيداً روسياً من هذا النوع الذي سيجبرها على إجراء إعادة نظر في سياساتها تجاه سورية. ونستنتج التوتر والانزعاج والتراجع الاميركي من خلال مطالبة واشنطن للمعارضة السورية بعدم استعمال العنف، وبتأكيدها أن عنف المعارضة يصب في مصلحة النظام. واشنطن لا تخاطب هنا المعارضات السياسية بل «المعارضة» المسلّحة التخريبية، وهي أقرب المعارضات إليها. وسنفترض إنه كلام جميل وإنْ في ظاهره. ولكن لماذا لم تطلب واشنطن قبل الآن من المسلحين المخربين ان يرتدعوا عن القتل والتفجير والتصفيات والتمثيل بجثث ضحاياهم؟ لماذا لم يخرج هذا الكلام الاميركي «المسالم» على لسان المسؤولين الاميركيين عندما وقّعت سورية على المبادرة العربية؟ بل سمعنا بدلاً منه تحريضاً اميركياً وقحاً «للمجاهدين» بعدم تسليم أسلحتهم للسلطات. من البديهي أنَّ وقف العنف من قبل المجموعات المسلحة سينهي حمام الدم، ويسمح للسلطات السورية بالقيام بالاصلاحات، وسينزع من يد واشنطن ورقتها الاساسية في التصعيد والضغط على النظام السوري. لكنَّ هناك شكَّاً كبيراً في أن واشنطن تريد ذلك بالفعل.
اذا كانت التحذيرات الروسية أشدّ وقعاً على واشنطن من مبادرة عربية وقّعتها الحكومة السورية، أفلا يستحق الأمر وقفة تأمّل من عرب أميركا بما ستؤول اليه أحوال الدول وأشباه الدول التي يترّبعون على عروشها إذا ما بدأت شعوبهم – وقد بدأت – تنفجر ضيقاً وغضباً من انبطاحهم المذهل تحت جزمات «المارينز» المنتشرين في كل الخليج، العربي الهوية، الاميركي الولاء؟.

قبل سنوات، عندما كانت الولايات المتحدة ترزح تحت حكم «المحافظين الجدد» (أو التوراتيين الجدد) أصحاب أحلام «العودة إلى صهيون» و«هرمجّدون» الهذيانية بقيادة «البوشين» – بوش الأب وبوش الابن – خطّطت واشنطن لمحاصرة روسيا وتطويقها بمشروع الدرع الصاروخية انطلاقاً من بولونيا وتشيكيا. وأفشلت روسيا المشروع، وأثبتت أنها دولة يجب أن تحسب لها واشنطن كل حساب.
واليوم، تسعى واشنطن، إلى تطويق روسيا من جهة الجنوب، عبر إسقاط سورية الحليف الاستراتيجي لروسيا. ولكن الروس أظهروا للأميركيين مرة أخرى أنهم غير مستعدين لقبول ما رفضوه في بولونيا وتشيكيا وأوكرانيا وجورجيا.
لا يزال هناك في هذا النظام العالمي الجديد الذي لم تتّضح قواعده بعد، من يستطيع أن يضع حدّاً لغطرسة القوة الأميركية.
ليت عرب أميركا ينتبهون إلى ما يجري من حولهم.   

السابق
الحريري يبدأ الهجوم لإسقاط الحكومة
التالي
الاخبار: جنبلاط وتطورات سوريا في ميزاني 8 و14 آذار جنبلاط: 14 آذار تنتظر عودته وهو أرسل تحياته لبري