قرار إسرائيل الصعب بضرب إيران

الميزة الغريبة والرائعة في الوقت ذاته في الديمقراطية الإسرائيلية أنه حتى القرارات المصيرية المتعلقة بالأمن القومي – مثل شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية – تناقش علنا ويتم تغطيتها في الصحف كما لو كانت أسئلة حول بناء الطرق أو أسعار المياه، ويكتمل بفرز الأصوات في مجلس الوزراء والتكهنات حول الدوافع السياسية.
ولأكثر من أسبوعين حتى الآن، كان بمقدور الملالي في طهران، والجنرالات في واشنطن والأفراد العاديين قراءة روايات تفصيلية عن محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك إقناع قادتهم العسكريين وشركائهم في التحالف بأن غارة إسرائيلية ممكنة وضرورية، وقد سجلت النقاشات المريرة خلف الأبواب المغلقة وغصت افتتاحيات الصحف بالحجج المؤيدة والمعارضة. حتى أنه أجري استطلاع للرأي صوت فيه واحد وأربعون في المائة من الإسرائيليين لصالح الهجوم مقابل 39 في المائة عارضوا الخطة.

وإذا حدث ذلك، فربما يكون هذا الهجوم المفاجئ الأكثر غرابة في التاريخ، فالتقارير التي تشير إلى وقوف إسرائيل على حافة قصف إيران تصدر بصورة منتظمة منذ عام 2008 على الأقل. ومن ثم يمكن اعتبار الزوبعة الإسرائيلية الأخيرة نوعا من الصخب السياسي أو التسريبات المدبرة التي تهدف إلى تركيز الاهتمام الغربي على ضرورة تشديد العقوبات ضد إيران، أو التعتيم على الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية الأمم المتحدة.
ربما كان ذلك جزءا منه، لكن مثل هذا القرار يشكل معضلة حقيقية تبدو حساباتها مختلفة بشكل كلي عن حسابات واشنطن، فيقول شاي فيلدمان، وهو خبير إسرائيلي، حول الأمن النووي الذي قدم عرضا عن هذا الموضوع في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الأسبوع الماضي: «هذا نقاش جدي، وقرار بالغ الصعوبة».
 وربما يكون من الجدير التطرق إلى بعض العوامل الرئيسية التي أوردها المقرر فيلدمان، وكيف تبدو بالنسبة للإسرائيليين، ونستهل بسؤال: كم تبقى من الوقت لوقف القنبلة النووية الإيرانية؟ في واشنطن، تعتمد الإجابة النموذجية على تقدير المدة التي ستستغرقها إيران للانتهاء من بناء القنبلة ووضعها على صاروخ، أو ربما، مقدار الوقت الذي تحتاجه طهران لتخصيب كمية كافية من اليورانيوم تكفي لصنع قنبلة، تتراوح التقديرات بين 62 يوما، في حالة تخصيب اليورانيوم، وعدة سنوات للانتهاء من القنبلة.
غير أن الإسرائيليين يفكرون في جدول زمني آخر، ألا وهو، كم لا يزال أمام إيران من الوقت قبل الانتهاء من تركيب معدات تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو الجديدة، التي أقيمت تحت جبل قرب مدينة قم؟ هذه المنشأة هدف أكثر صعوبة عبر الضربات الجوية من الأبنية في ناتانز، حيث يوجد القاسم الأعظم من أكثر من 4.9 طن من اليورانيوم المخصب الذي أنتجته إيران مخزنا فيها الآن. فيشير آخر تقرير صادر عن مفتشي الأمم المتحدة إلى أن منشأة فوردو سيتم افتتاحها قريبا، وأن أجهزة الطرد المركزي تم تركيبها، وتم توصيل الكهرباء وتم تسليم الشحنة الأولى من اليورانيوم.

الاعتبار الثاني هو ما إذا كانت هناك إمكانية لردع إيران النووية من استخدام السلاح النووي. كثيرون في واشنطن، ممن يملكون خبرة نصف قرن في الحرب الباردة، يشكون في إمكانية ذلك، وسياسة الولايات المتحدة منذ إدارة بوش كانت تسعى بهدوء إلى إقامة بنية ردع، من خلال تدابير مثل تقديم صواريخ الدفاع الجوي الأميركية إلى الحلفاء في الخليج العربي.
ولكن معظم الإسرائيليين، الذين تراود أذهانهم صور المحرقة النازية، يحكمون على الأمر بشكل مختلف تماما، فالبواعث الدينية لحكام إيران، كما يقولون، تعني أن طهران قد تكون مستعدة لقبول خسائر مدمرة في صفوف المدنيين في مقابل محو الدولة اليهودية.

ربما تكون التداعيات الإقليمية الناتجة عن هجوم إسرائيلي العامل الأكثر سلبية، الإسرائيليون يتوقعون أن تطلق آلاف الصواريخ على مدنهم من قبل عملاء إيران في لبنان وقطاع غزة، في الوقت الذي قد تتعرض فيه القوات الأميركية في أفغانستان والعراق أو في الخليج العربي للهجوم. لكن في الوقت الذي أبدى فيه البنتاغون قلقه حول إدارة معركة على جبهات متعددة، يعتقد القادة الإسرائيليون أنهم قادرون على التعامل مع التهديد الخاص بهم، فتوقع إيهود باراك الأسبوع الماضي أن تعاني إسرائيل أقل من 500 إصابة بين المدنيين.

ربما تكون الحسابات الأكثر إثارة للاهتمام، القلق بشأن العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فكسر التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيشكل
ضربة كبيرة لأمن إسرائيل نتيجة انتهاء إيران من بناء القنبلة، وهجوم أحادي قد يؤدي إلى ذلك. وقد يعلق البنتاغون التعاون الوثيق مع إسرائيل، فقد تتحمل إسرائيل أمام الكونغرس والرأي العام اللوم عن أي خسائر للولايات المتحدة في الهجمات المضادة الإيرانية، ودائما ما كنت أعتقد أنه لن يكون هناك أي هجوم إسرائيلي دون ضوء أخضر من واشنطن.
بيد أن إسرائيل لديها تاريخ من تجاهل الرأي الأميركي في لحظات من هذا القبيل، فقد ضربت المفاعل النووي في العراق عام 1981 وفي سوريا عام 2007 دون الضوء الأخضر الأميركي، وفي كلتا الحالتين، لم يكن هناك ضرر بالغ للعلاقات، وبالنسبة لهذه المسألة، لم يكن هناك رد فعل إقليمي.
ستكون إيران بطبيعة الحال حالة مختلفة جدا، ولهذا السبب يعارض معظم قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيليين العمل العسكري، لكن يبدو أن نتنياهو وباراك يؤيدون الجانب الآخر، لكن على أية حال يمكنك قراءة كل ما يتعلق بالقضية في الصحافة الإسرائيلية. 

السابق
تقرير: نصف المجتمع الفلسطيني من الأطفال ونسبة الفقر بينهم الأعلى في غزة
التالي
عرقجي: سوريا ستخرج من محنتها