رهان الجماعة الاسلامية على سقوط النظام السوري

لم يعد قياديو "الجماعة الاسلامية" يخفون موقفهم المعارض للنظام السوري ورهانهم على سقوطه، بعدما كانوا قد توقعوا بلوغ هذه النتيجة قبل نهاية شهر رمضان الماضي او بعد انتهاء عيد الأضحى الذي مضى أيضا.
ولقد شكل الاحتفال الذي اقامته "الجماعة" قبل عشرة ايام في طرابلس "نصرة للثورة السورية" اقوى موقف علني ضد النظام السوري، مع أن شباب "الجماعة" وطلابها وعلماءها كانوا قد شاركوا في العديد من التحركات الشعبية والعلمائية المناهضة للنظام السوري، وانتفى بالتالي اي نقاش او خلاف داخل "الجماعة" بشأن الموقف من الوضع السوري، لا بل ان قيادات "الجماعة" تطالب كل القوى الاسلامية وخصوصا "حزب الله" وايران "باعادة النظر بموقفهم المؤيد لبشار الاسد لانه لم يعد مقبولا السكوت عما يجري في سوريا" على حد تعبير أحد قياديي "الجماعة.
واما عن الموقف من حركة "حماس" وسكوتها عما يجري في سوريا، فان قيادة "الجماعة" تبدي تفهمها لاداء الحركة نظرا لارتباط التنظيمين بمرجعية فكرية وسياسية مشتركة(اي مرجعية "الاخوان المسلمين")، ويعتبر المسؤولون في "الجماعة" ان سكوت "حماس" هو الافضل حاليا نظرا لظروف الحركة والضغوط التي تتعرض لها من طرفي النزاع السوري.
وتدافع "الجماعة" عن موقفها بالقول انه "لم يعد مقبولا السكوت عن الظلم والقمع الذي يجري في سوريا" وبانه "ليس صحيحا ان النظام البديل لن يكون مع المقاومة"، وان "من حق الشعب السوري وحده اختيار النظام الذي يريده كما جرى في دول اخرى كالعراق ومصر وتونس وليبيا".
وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ "الجماعة الإسلامية" في لبنان موقفا مما يجري في سوريا، فقد سبق لها ان اقامت علاقات تنسيق مع "الاخوان المسلمين" السوريين في العديد من المحطات، بل ان نشأة "الجماعة" في لبنان كانت في الخمسينيات من القرن الماضي بتأثير من نشاط المراقب العام لحركة "الاخوان" في سوريا الدكتور مصطفى السباعي وزياراته المتكررة الى لبنان وقد لعب دورا مهما في نشأة "الجماعة" وانفصال مؤسسيها عن "جماعة عباد الرحمن".
وفي الثمانينيات من القرن الماضي، احتضنت "الجماعة" بعض قياديي "الاخوان" الذين هربوا من سوريا بسبب الاحداث التي حصلت في حماه، وادى ذلك الى سجن الامين العام الاسبق ل"الجماعة" فتحي يكن قبل أن يطلق سراحه ورفاقه ممن ترك معظمهم لبنان واقاموا في الخارج، حتى جرى ترتيب العلاقة بين "الجماعة" والرئيس السوري الراحل حافظ الاسد الذي استقبل لاحقا وفدا من قيادة "الجماعة" وحصلت مصارحة شاملة بين الطرفين وعاد قياديو "الجماعة" للعمل مجددا بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982.
لكن العلاقة بقيت متوترة بين "الجماعة" والقيادة السورية طيلة الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات الى ان تم ترتيب الامور لاحقا ولعبت حركة "حماس" دورا مهما في اعادة توثيق العلاقة بين الطرفين، كما ان التغيرات التي شهدتها "الجماعة" ادت الى خروج الامين العام الاسبق فتحي يكن من قيادة "الجماعة" وتقاربه مع النظام السوري "لاسباب استراتيجية" أبرزها مواجهة الحملة التي تعرضت لها سوريا ولاسيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005.
ومع ان مسؤولي "الجماعة" ظلوا يترددون على دمشق ويلتقون مع المسؤولين السياسيين والامنيين فيها، فان العلاقة ظل يشوبها الشك دائما، وخصوصا مع فشل كل المحاولات لاجراء مصالحة بين قيادة النظام السوري و"الاخوان المسلمين".
وشكلت التطورات الاخيرة في سوريا مناسبة لاعادة تظهير موقف "الجماعة" المعادي للنظام مع انه حصلت في الاشهر الماضية بعض اللقاءات غير المعلنة بين قياديين في "الجماعة" ومسؤولين سوريين. وقد تدرج موقف "الجماعة" على صعيد الوضع السوري من السكوت والصمت في البداية الى المشاركة الخجولة في تحركات السلفيين و"حزب التحرير" الى دعم التحركات الشبابية والعلمائية والطلابية الى ان اصبح الموقف واضحا ولا لبس فيه وهو تبني التحركات المطالبة باسقاط النظام وهو موقف كل تنظيمات "الاخوان المسلمين" في المنطقة العربية.
ومع ان قياديي "الجماعة" كانوا يؤكدون صعوبة اسقاط النظام وعدم قدرة المعارضة السورية على توحيد صفوفها وفشل الدعم الخارجي وخصوصا التركي فانهم بدأوا مؤخرا يتحدثون بثقة من ان التطورات الداخلية والخارجية قد تؤدي الى اسقاط النظام ولو من دون وضوح الرؤية حول البديل او الاحتمالات المستقبلية.
وقد تبلغ المسؤولون في "الجماعة" قبل شهر تقريبا من مسؤولين اتراك ان تركيا لن تتدخل عمليا ولن تقوم بنشاطات على حدودها مع سوريا الا بعد الحصول على دعم عربي ودولي وهذا ما لم يكن بتوافر حتى الآن، علما أن هناك في "الجماعة" من يعتبر القرارات العربية الأخيرة "بداية العد العكسي لسقوط النظام".
هل سيصح رهان "الجماعة" اليوم على سقوط النظام السوري مما يمهد لعودة "الاخوان المسلمين" الى سوريا ام اننا سنكون امام تكرار سيناريو الثمانينيات من القرن الماضي وينجح النظام في مواجهة الهجوم الذي يتعرض له اليوم وتدفع "الجماعة" مرة اخرى نتيجة الرهان الخاطيء حسبما يقول بعض القياديين الاسلاميين المختلفين مع "الجماعة" ومواقفها بشأن الوضع السوري؟

السابق
مسألة النازحين السوريّين
التالي
هل تمضي وقتاً طويلاً أمام الكمبيوتر؟