حزب الله لن ينتحر من أجل الأسد

مرّة أخرى، وبعد تبلور المسار الذي يتّجه إليه الملفّ السوريّ: ماذا سيفعل "حزب الله" إذا تهدّد فعلاً نظام حليفه الرئيس بشّار الأسد؟

للتمكّن من الإجابة على هذا السؤال، يدعو العديد من الباحثين الى التبصّر في علاقة إيران بنظام الأسد، لأنّ "حزب الله" يعلن دائماً أنّ علاقته بإيران وثورتها هي علاقة الارتباط والولاء. أمّا علاقته بسوريا فيحدّدها بأنّها علاقة تحالف.

وصحيح أنّ سوريا هي جسر وركيزة دعم أساسيّة لإيران و"حزب الله" معاً، ولولاها لما وصل الحلف الى البحر الأبيض المتوسط وأقام التماسَّ مع إسرائيل وتركيا، إلّا أنّ الاحتمالات المتزايدة لوصول النظام السوريّ الى نقطة اللاعودة يفرض على حلفائه التأنّي في دراسة كلّ الخيارات، ولاسيّما تلك المتعلقة بخسارة النظام، للحدّ من حجم الضربة على طهران وحلفائها في لبنان وفلسطين والعراق.

"الكأس المُرّة"

في الوقت عينه، من الخطأ المبالغة في الرهان على اختلاف المصالح بين دمشق وطهران. فالمحور الاستراتيجي الذي يربط بينهما حيويّ جدّاً وحلقاتُه غير قابلة للحياة إلّا مترابطة. وسقوط النظام في سوريا سيحرم إيران من الذراع التي توصلها الى لبنان، وتتيح لعب الأوراق في العراق وغزّة. وستقاتل كلّ هذه الحلقات في شراسة، في طهران وبيروت وبغداد وغزّة لئلاّ يقع المحظور. لكنّها ستبدّل أسلوب المواجهة إذا توصّلت إلى استنتاج مفاده أنّ النظام ساقط وأنّ القتال أصبح عبثيّاً، بل بات ضرباً من الانتحار.

وتلوح مؤشّرات الى أنّ إيران وحلفاءها في لبنان والعراق يتحسّبون لـ"الكأس المرّة"، التي قد لا يكون هناك مفرّ منها في سوريا. ويعتقد بعض الباحثين الاستراتيجيّين أنّ هذا الحلف سيهرب الى الأمام من أزماته في سوريا (تغيير النظام) وإيران (الملف النوويّ) ولبنان (المحكمة الدوليّة) من خلال فتح معركة لا هوادة فيها مع إسرائيل والغرب. إلّا أنّ خبراء يؤشّرون الى ملامح "إستيعاب إحتياطي" لمرحلة ما بعد الأسد.
 غزَل مع "الإخوان" و"رشوة" لتركيا

أصحاب هذه النظريّة يعتقدون أنّ طهران وحلفاءَها لن ينتحروا إذا تبدّل النظام السوريّ، بل على العكس، سيكونون في صدد تجربة النموذج الفلسطينيّ في سوريا الجديدة. فالنواة الأساسيّة للحكم المقبل في سوريا، إذا تبدّل النظام، هي "الإخوان المسلمون". وتحاول طهران اليوم ان توحي لهؤلاء بأنّها تفصل بين علاقتها بهم ودعمها لنظام الأسد. وكان لافتاً في هذا المجال الكلام الواضح الذي صدر عن أبرز مستشاريّ مرشد الثورة محمد جواد لاريجاني في نيويورك قبل يومين، في موازاة التشديد على دعم حركة الشعوب العربية في تبديل الأنظمة "الديكتاتورية".

الإيرانيّون يريدون اليوم إبقاء خيوط مع "الإخوان المسلمين"، والقول إنّ تحالفاتهم الإقليميّة لا تقوم على أساس مذهبيّ. والإثبات على ذلك هو أنّهم يتحالفون مع "حماس" التي تتبنّى المنطلقات العقائدية عينها التي تعتنقها جماعة "الإخوان المسلمين". ولم تكن لدى طهران في أيّ يوم صعوبة في إثبات دعمها، في آن واحد، لـ"حماس" السنّية الجهاديّة و"حزب الله" الشيعي الجهاديّ، وتنسيق آليّات التحالف بين التنظيمين.

يزيد في هذا الاتّجاه إعلان طهران رسميّاً، وفي ذروة مأزقها النوويّ مع الغرب، استعدادها لتقديم دعم لتركيا في المجال النوويّ تحتاج إليه كثيراً. وهذه "الرشوة النوويّة" التي تعرضها إيران على أبرز القوى السنّية الداعمة لـ"الإخوان المسلمين" ضدّ النظام، تتردّد تركيا في قبولها لأنّها تدرك ما لها من أثمان وتداعيات في صراع الأمبراطوريتين العثمانيّة والفارسيّة، المتسابقتين للسيطرة على المنطقة.

تمايز النظام و"الحزب"

وهذا الاتّجاه يبرّر المقاربة المتحفّظة التي يتبنّاها "حزب الله" إزاء الملفّ السوري. فهو بالتأكيد يستشرس، كما إيران، في الدفاع عن النظام ورفض أيّ تدخّل عسكريّ غربي في سوريا. لكنّه سبق أن جاهر بحقّ الشعوب في التغيير في دول أخرى، وهو يحاذر الوقوف في وجه المطالبين بالإصلاحات في سوريا. ويمكن قراءة التمايز بين موقفي النظام و"الحزب" في التعاطي مع النائب وليد جنبلاط الذي يتبنّى خيار "الثوّار" في سوريا. فـ"الحزب" يحتفظ بعلاقته مع جنبلاط، وهو استقبله أخيراً على مستوى القيادة. أمّا النظام فـ"عاقبه" بقطع طريق الشام في وجهه، وحتى في وجه أقرب الجنبلاطيّين إلى دمشق، الوزير غازي العريضي.

وفي تقدير هؤلاء الخبراء أنّ طهران، المطمئنّة الى أن لا ضربة عسكرية ستتلقّاها في المدى المنظور، لديها الوقت لترتيب أوراقها لمرحلة جديدة في سوريا، لن تكون فيها ممسكة بزمام الأمور، لكنّها قادرة على تقليص الأضرار الناتجة عنها الى الحدّ الممكن. وورقة التعاون مع "الإخوان المسلمين"، وفقاً للنموذج مع "حماس" هي أبرز الخيارات البديلة، وأكثرها ضماناً لـ"حزب الله".

كيف تُمحى عقود من السلبيّة؟

ولكن، هل ستجري الرياح السوريّة كما تشتهي سفن طهران والحلفاء؟

إذا وصل "الإخوان" الى السلطة في سوريا، فسيكون عليهم ان يتجاوزوا عقوداً من التعاطي السلبيّ مع الحلفاء الإقليميّين للنظام. وحتى اليوم تستمرّ شكاوى المعارضة من وجود الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" في المواجهات الميدانيّة. وهذا ما يشكّل عائقاً. كما أنّ الصراع الذي تخوضه إيران مع دول عربية كبرى، كالسعودية، يعيق محاولاتها التطبيعيّة مع القوى السوريّة المناوئة للنظام.

ومن المؤكّد أنّ إيران وحلفاءَها سيقاتلون حتى النهاية في المتراس الى جانب "نظامهم" في سوريا، إلّا أنّهم لن ينفّذوا عمليّات انتحاريّة من أجله! 

السابق
رفض الحماية الدولية أم دعم النظام؟
التالي
فعلاً سورية ليست ليبيا