تورط لا رجعة عنه!!

المواقف التي اتخذتها أطراف "14 آذار" من الوضع السوري تشير إلى وجود خطة لمحاولة اختبار فرصة إقامة خط اشتباك عبر الحدود اللبنانية الشمالية، يسمح لجماعات المعارضات السورية بأن تنطلق من قواعد داخل الأراضي اللبنانية لتنفيذ عمليات تخريب داخل سورية، وقد كان واضحاً من التحركات التي جرت في الشمال، أن خطة "14 آذار" انطلقت من محاولة تضخيم ما سمي قضية اللاجئين السوريين، واستهداف الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية، خصوصاً مخابرات الجيش والمديرية العامة للأمن العام بمجموعة من الاتهامات المتعلقة بملاحقة متورطين مقيمين على الأراضي اللبنانية، من شبكات تهريب الأسلحة إلى سورية، ولم تفلح محاولات حمايتهم بسبب التزام المؤسسة العسكرية بالسياسات العليا للدولة التي قامت منذ اتفاق الطائف على المبدأ المعروف برفض أن يكون لبنان ممراً أو مقراً للنيل من أمن سورية واستقرارها، وهو بند يعرف الذين واكبوا تلك المرحلة أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ساهم في صياغته خلال مفاوضات الطائف، وكانت حكوماته بعد توقيع المعاهدة اللبنانية ـ السورية هي الجهة التي مثلت لبنان في إعداد وتوقيع جميع اتفاقيات التعاون، وخصوصاً في المجال الأمني. 
قوى "14 آذار" واجهت عقبات كبيرة في تحركها الشمالي، فاضطرت الجماعة الإسلامية إلى التخفيف من استنفارها حول الموضوع السوري، بعد نقاشات داخلية كشفت عنها التقارير الإعلامية والسياسية المتداولة، في حين أظهر الشارع في طرابلس وعكار حذراً واضحاً من الإنجرار خلف الحملة الآذارية التي تصدّرها تيار "المستقبل" و"القوات" بسبب خشية المواطنين اللبنانيين من تحضير فتنة تنفجر في شوارع طرابلس وأحيائها وبين البلدات العكارية، وقد ساهم التوازن الشعبي والسياسي الجديد في الشمال، منذ تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في رسم حدود واضحة للتصعيد، انطلاقاً من الشمال، دون أن تتراجع الشهية السياسية لقوى "14 آذار" في إقحام لبنان بتداعيات خطيرة تنتج عن تورطها المباشر وغير المباشر في الوضع السوري، ولكن، يجمع المراقبون على أن الحلقة الصلبة في سلسلة التصدي لهذا المشروع الذي ينذر بتداعيات خطيرة، حذّر منها الرئيس نبيه بري، ضمّت إلى جانب الرئاستين الأولى والثالثة مؤسسة الجيش التي كانت عرضة للاتهامات والافتراءات ومؤسسة الأمن العام، التي تقوم بواجباتها القانونية والسيادية، باحتراف ودقة.

ولم يكن مفاجئاً خروج الصامت الأكبر عن صمته المعتاد مرتين، خلال الأسبوع الماضي سواء في البيان الذي أصدرته قيادة الجيش والذي كشف بالوقائع بطلان المزاعم والاتهامات، أو من خلال الجولة التي قام بها العماد جان قهوجي، حيث أعلن من الشمال وبصورة صريحة وواضحة، أن الجيش اللبناني لن يسمح بتصدير الفتنة ولا باستيرادها إلى لبنان، وفي كلام قائد الجيش رسالة قاطعة وحاسمة عن وقوف المؤسسة العسكرية بالمرصاد لأي تحركات أمنية تستهدف التخريب في سورية، أو نقل أجواء الفتنة المراد إشعالها في سورية، إلى الداخل اللبناني.

ومن أغرب المفارقات التي أثارتها المواقف الأخيرة لقوى "14 آذار" كان الاعتراض على موقف وزير الخارجية اللبناني في اجتماع مجلس الجامعة العربية، حيث يذكر جميع الساسة المخضرمين في لبنان، أن وصول القطيعة مع سورية كانت دائماً عالية الكلفة على البلاد اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، ومنذ ما بعد الاستقلال ظلت هذه المشكلة حاضرة في الواقع اللبناني وأزماته المتلاحقة، إلى أن جاءت اتفاقية الطائف لتلزم الدولة اللبنانية أياً كانت السلطة السياسية وأياً كان الفريق الحاكم بعدم التورّط في تأزيم العلاقات بين الدولتين لأي حسابات دولية أو إقليمية كانت، لأن واقع السلطة السياسية في سورية هو أمر يقرّره الشعب السوري، وعلى الحكم اللبناني أن يتعامل مع هذه الحقيقة لأجل مصلحة لبنان كما قال الرئيس نجيب ميقاتي، وكما يكرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من دون انقطاع.

ويبدو واضحاً في مقاربة الشأن السوري، أن رئيس الجمهورية والحكومة يتمسكان بهذه النظرة على خيط مشدود، ففي لبنان حملة قوى "14 آذار" وضغوطها، وفي المقابل هناك قوى سياسية وازنة، تعتبر أن من واجب لبنان الوقوف إلى جانب الدولة السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد، الذي تدعمه غالبية ساحقة من الشعب السوري، وهذه القوى تعتبر أيضاً أن المواقف الرسمية غير كافية في التعبير عن المصلحة اللبنانية، لأن استهداف سورية هو حلقة في محاولة إحياء مخطط الهيمنة "الإسرائيلية"، والحلقة التالية ستكون استهداف لبنان ووحدة أراضيه، فشطب سورية عن الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، أو إغراقها بالحرب الأهلية في حال نجاحه لا قدّر الله، فإنه سيجد تتمته في معاودة تمزيق لبنان وضرب مقاومته.

بعض المراقبين يقولون، إن قُصر النظر عند فريق "14 آذار" واضح ومشهود، بسبب تورّط قادته بارتباطات خارجية ورهانات سبق أن سقطت في أزمة العام 2005 دون أن يأخذوا العبرة من تجربتهم الفاشلة مع الإدارة الأميركية ودول الغرب وبعض العرب، والأغرب من كل ذلك، هو أن هؤلاء يراهقون سياسياً في الكثير من القضايا اللبنانية، على خلفية أوهامهم حول الوضع السوري، وقد جاء التعبير البليغ عن هذه المراهقة والتي تعكس جهلاً في المعادلات وفي التاريخ والجغرافية قول النائب سعد الحريري إنه يرشح السيد سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، في الانتخابات المقبلة!!  

السابق
ماذا لو قرّرت سوريا المواجهة في لبنان وعبره؟
التالي
علوش × شكر