سورية.. الانتقال إلى الفعل

بعد انكشاف العورة العربية بشكل كامل إثر قرارات اللجنة الوزارية العربية وما تلاها، تحضيرا لاجتماعات الرباط صار لزاما على سورية ورئيسها وحكومتها، أن تبادر باتجاه من تمادى بالإساءة اليها متجاوزين كل الأعراف والقوانين والأخلاقيات المفترضة بالعمل السياسي.
لقد صرّح عرب أميركا ما صرحته هذه الأخيرة نفسها، بأن الهدف هو اسقاط الرئيس بشار الأسد وليس أي شيء آخر، مؤكدين بذلك أن ليست الإصلاحات هي المنشودة، ولا حتى مصلحة الشعب السوري، الذي عبّر عن نفسه في ردّ ساطع على جماعة مجلس الجامعة، وهم استمروا بالأمس رافضين كل أشكال الهيمنة العربية الجديدة التي تتولاها قطر بالنيابة عن المملكة العربية السعودية.

ما رافق أجواء التحضير لاجتماع الرباط كان مذهلا. فالاتصالات التي أجريت مع الجانب السوري وصلت حد التهديد، بعدما قطع مجلس التعاون الخليجي الطريق على طلب الدعوة السوري إلى عقد قمة عربية طارئة، شكلت بحد ذاتها اختراقا للسيناريوهات المهيأة للمواجهة. فبعد أن طلبت الجزائر من دمشق حضور اجتماع الرباط وافقت هذه الأخيرة بداية، إلا انها تراجعت بعدما طُلب من الجزائريين إبلاغها بأن لا أماكن شاغرة للإقامة في فنادق العاصمة المغربية، فاقترح السوريون الإقامة في منزل سفيرهم وسفارتهم فجاء الجواب الأميركي عبر بعض الدول العربية بأن طائرة الوفد السوري ستمنع من الهبوط في مطار الرباط الدولي أو محمد الخامس الدولي أو مهما كان اسمه.

ما يدل عليه هذا الإجراء هو أنه "عنزة ولو طارت"، فعرب أميركا ما زالوا يراهنون على أن الفرصة مؤاتية لإحداث تغييرات جذرية في سورية على غرار ما حصل في ليبيا وتونس ومصر، وهم حتى هذه اللحظة لا يصدقون أو لا يريدون أن يصدقوا بأن ما يحكم الوضع في سورية مختلف عن باقي الدول التي نجحوا بتغيير انظمتها بأكلاف بخسة، اللهم عدا دماء الناس البسطاء الذين بذلوا أنفسهم تحقيقاً لحلم الحرية التي ما زالت بعيدة جدا عنهم، إذ أن من يعدهم هو فاقد لهذا الشيء الثمين، مقتنعا أن "توزيع الثروة" بحسب تعبير المضلل الأكبر رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، يمكن ان يشتري الاستقرار في دول ما زالت تبني ابنيتها الزجاجية، التي لن تستطيع أن تقيهم الشرور إذا ما تفشت.
 تقول مصادر عربية مقربة مطلعة على توجه عرب الخليج المدعوم أميركيا، إن القلق الكبير يسيطر على بعضهم مخافة عدم نجاح خطتهم، أو تحقيق ما يصبون اليه، وأن المواقف التي أعلنوها بدفع من الولايات المتحدة لم يترك فيها المجال للعودة الى الوراء، وبذلك تكون الأمور قد دخلت مرحلة الخطر الفعلي حيث أن صوغ القرارات كان يجري بقناعة أن سورية لا تستطيع فعل شيء وأن ما يحكى عن تهديدات بتفجير المنطقة، ليس سوى ضرب من الخيال وهو ما توافق عليه أميركا بشكل مبدئي، ما يفرض على المملكة العربية السعودية أن تعيد النظر باندفاعتها بتأييد التوجه المعمول به حاليا، فما عبّر عنه رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، الذي عرض في كلمة له أمام نادي الصحافة الوطني في واشنطن لجملة من الأمور الجارية في المنطقة أكد هذا المنحى، عندما رأى أن "الأوضاع في البحرين تبدو مستقرة بينما يمكن أن تتجدد الاضطرابات". ووصف الأوضاع في سورية بأنها "تقف على حافة الهاوية، وربما تمتد آثارها إلى دول مثل لبنان وتركيا والعراق". وهو أشار إلى "التحولات العميقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وأن ضرب إيران حماقة مطلقة"، وقال إن "المملكة ظلت مستقرة وآمنة رغم الاضطرابات في المنطقة، وأن ذلك يعود إلى سياسات الإصلاح التدريجي في المجالات السياسية والاجتماعية التي أنتهجتها"، لكنه أكد على أن "هذا لا يعني أن المملكة لا تواجه تحديات في داخلها ومن خارج حدودها".

ترى المصادر العربية أن الاتجاه الذي تسلكه الأمور في المنطقة لا يبشر بالخير، وأن ما اشار اليه الأمير تركي يوحي بذلك. لكن الواقع أنه ليس من مصلحة السعودية بالدرجة الأولى أن تفلت الأمور من عقالها، لأنها ستكون في رأس قائمة المتضررين، خصوصاً أن الدفع يجري بقوة باتجاه حرب حقيقية قد تأخذ طابعاً مذهبياً وطائفياً، وهو ما بدأ التأسيس له في سورية التي ما زالت حتى الآن تعتم على أخبار المجازر التي ترتكبها الجماعات المسلحة بدوافع مذهبية، وهي مصورة وتعمد الحكومة الى ارسالها الى المسؤولين العرب بشكل خاص، لاستحالة عرضها عبر الإعلام بسبب فظاعة المشاهد التي تحتويها.

لقد بدأ عرب أميركا يستنفدون خطتهم من دون أن يسجلوا أي مكسب حقيقي، ولن يستطيعوا حتى اجبار دمشق على منح المعارضة السورية الاعتراف بها، وهو الأمر المدرج حاليا في رأس اهتمامات قطر ومجموعتها الوزارية.
إنها اللحظة المناسبة التي يجب أن تنتقل سورية فيها الى الفعل عبر البدء بطرح أوراقها على الطاولة، و إذا كان في التأخر في إظهار الأوراق مصلحة في البداية، إلا انه بات من حق جمهور سورية وشعبها الذي نزل الى الشوارع، مؤيدا للإصلاحات ورافضا لخطة عرب أميركا وجامعتهم، أن يشعروا بأن ما يقال عن مكامن قوة هو أمر حقيقي وليس وهماً، وهو الأمر المطلوب أيضا من حلفاء سورية التي تدفع الضريبة عنهم جميعاً.  

السابق
من هواجس ما بعد الثورة
التالي
فتفت: بري يحاول منع المحاسبة الحقيقية للحكومة