بري يحاكي الـ”س ـ س” علّها تصبح “س ـ س ـ ع”

لم يتضح بعد ما اذا كانت المملكة العربية السعودية سترد أم لا على الرسالة المقتضبة التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء الأحد الماضي الى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، متوجها اليه فيها قائلا: "بعد الذي جرى ويجري لا أرى غيركم ـ بعد الله ـ لمصالحة ليس بين السوريين فحسب، بل بين العرب والعرب".

فهذه الرسالة القصيرة جدا في كلماتها وسطورها تكتسب أهمية كبيرة بمضمونها، ومن حيث الظروف التي أملت على بري توجيهها الى الملك عبدالله، وهي ظروف تتصل حتماً بالمتغيرات التي تشهدها الساحة العربية من المشرق الى المغرب. وهذه المتغيرات تنقسم النظرة اليها بين من يسميها "الربيع العربي" الذي سيحمل "الحرية والأنظمة الديموقراطية" الى الشعوب العربية، ومن يقول البعض أنها ستُدخل العالم العربي في "أزمات مفتوحة" تُشغل كل دولة في مشاكلها وشؤونها الداخلية بما يلهيها وبقية الدول عن الإهتمام بمعالجة القضايا العربية الكبرى والتي تتصدرها القضية الفلسطينية، ومن يقول أيضاً ان هذه المتغيرات ستؤدي الى قيام "نظام عربي جديد" على انقاض نظام سقط، أو يتهاوى، نتيجة سقوط الأنظمة في مصر وتونس وليبيا، وكذلك الازمات التي تشهدها كل من سوريا واليمن والبحرين وما يمكن ان يليها من أزمات أُخرى بدأت تطل بقرنها في دول عربية أُخرى.

ولم يخف بري أنه قبيل توجيهه هذه الرسالة الى العاهل السعودي، فكّر بهذه الخطوة مليا وفي ظنه أن البعض قد لا يستسيغهاأو لا يؤيدها، خصوصا بعد القرار الأخير الذي إتخذه مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية وقضى بتجميد عضوية سوريا في الجامعة اذا لم تلتزم تنفيذ المبادرة العربية لحل الازمة السورية بعد 16 من الجاري( أي أمس) وجاء الرد السوري عليه، ميدانيا بتظاهرات حاشدة في دمشق ومختلف المدن السورية تأييدا للرئيس السوري بشار الاسد وبرنامجه الاصلاحي المعلن، وسياسيا برفض القيادة السورية هذا القرار والايحاء بوقوف الولايات المتحدة الاميركية ودول غربية وعربية وراءه بقصد النيل من النظام السوري، بل اطاحته.

ويقول سياسيون أن بري يتخوف جداً من تطور الاوضاع التي تعيشها المنطقة العربية نحو مزيد من السؤ، ويخشى من مخططات تهدف الى ادخال هذه المنطقة في فتن وفوضى عارمة، خصوصا وان بعض المواقف والاحداث الجارية تشي بذلك، وتخالف كل ما يُطرح من مقترحات ـ حلول للأزمات الجارية، فمثلما يخاف بري من انعكاسات سلبية للأزمة السورية على لبنان، فإنه في الوقت نفسه يخاف من انعكاسات مماثلة لها على دول عربية أُخرى، ويرى أن بعض المواقف تستبطن "غرائز مذهبية" ولا تقبل أي مبادرات، بل أنها لا تريد لهذه المبادرات ان تكون أصلا.

ولذا، يعتقد هؤلاء السياسيون ان بري برسالته الى العاهل السعودي المعروف بنهجه القومي والعروبي والذي يعبّرعنه دوما في كل مواقفه، وكان منها دعوته الى المصالحة العربية في قمة الكويت الاقتصادية الشهيرة والتي "دشنها" يومها بمصالحة بينه وبين الرئيس السوري، آملا في ان تكون تلك المصالحة "بقعة زيت" تتفشى لتشمل بقية الدول العربية، أو ان تكون الخطوة التالية بعدها مصالحة سورية ـ مصرية على رغم من ان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لم يرتح يومها الى المبادرة الملكية السعودية، بحيث تعود العلاقات الى مثلث الرياض ـ القاهرة ـ دمشق الذي يشكل الركائز التي يقوم عليها النظام العربي.

ولكن المصالحة المصرية ـ السورية لم تحصل على رغم من حصول شيء من الاعتدال في المناخ بين دمشق والقاهرة، في الوقت الذي تقدمت المصالحة السورية ـ السعودية على خط بيروت ـ دمشق لتتبلور تسوية الـ "س . س" التي دعا إليها بري طويلا، فحصلت مصالحة بين دمشق والرئيس سعد الحريري الذي إستقبله الأسد، وانتعشت الآمال في حصول مصالحة وطنية لبنانية تتوج تسوية الـ "س . س" هذه، وتفتح الابواب امام مصالحات عربية. غير ان هذه التسوية ولأسباب وتدخلات كثيرة داخلية وعربية وأجنبية لم تبصر النور، في الوقت الذي بدأت الثورات العربية تطل من تونس، فسقط نظام الرئيس زين العابدين بن علي على وقع حركات احتجاج كانت تجري في اليمن والبحرين، ثم في مصر وليبيا في الوقت الذي تبدل المشهد السياسي اللبناني وأدى الى سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري، بعد تبادل اتهام بين المعنيين في الداخل والخارج بتعطيل تسوية الـ"س. س". والتي تكشّف أنها كانت تتضمن في بندها الأخير انعقاد مؤتمر مصالحة وطنية لبنانية شاملة ترعاه القيادة السعودية على اراضيها.

ولذلك يقول سياسيون ان بري برسالته الى الملك عبدالله، إنما يحاكي الـ "س . س" التي كان الوحيد الذي تفرّد بالدعوة اليها لإقتناعه الراسخ بأن لا سبيل لخروج لبنان من الازمة، ومن النزاع الحاد بين فريقي 8 و14 آذار وما يرافقه من انقسام سياسي عمودي وأفقي إلاّ بتعاون سعودي ـ سوري، لما للرياض ودمشق من مصالح وتأثير على الجميع في لبنان.

ويبدو ان بري ما يزال على هذا الاقتناع، وان دعوته الملك عبدالله الى المبادرة لرعاية مصالحة سورية ـ سورية وعربية ـ عربية، انما تنم عن شعور لديه بأن المنطقة العربية بدأت تنزلق الى مزيد من الازمات والفتن، وأن لا سبيل الى تغيير هذا المنحى إلاّ بمبادرة ملكية سعودية سواء بدأت بـ"س ـ س" سورية، أي بين السوريين، أو بـ"ع ـ ع" عربية، أي بين العرب. وغالب الظن ان الدعوة السورية الأخيرة الى قمة عربية والتي جاءت في سياق رد دمشق على قرار الجامعة العربية بتجميد عضويتها، يراد منها فتح الباب أمام الرياض لكي تبادر الى رعاية مصالحة عربية ـ عربية خلال قمة تبحث في سبل انهاء الازمات التي تشهدها المنطقة العربية ومنها الازمة السورية، ناهيك بأزمتي البحرين واليمن اللتين تشغلان الرياض خصوصا والمنطقة عموما، وكل هذه الازمات تفرض تعاونا عربيا لايجاد الحلول الناجعة لها.  

السابق
الثورة السورية.. قليلا من الخجل
التالي
شكر: القانون يعاقب علوش