الراي: لبنان الرسمي يتبرّأ من رفضه قرار الجامعة: سورية هددت بقفل حدودها ووزير الخارجية لم يشاور ميقاتي

تتصاعد لدى الكثير من الجهات السياسية والديبلوماسية مخاوف جدية على الاستقرار في لبنان كلما توغلت الازمة في سورية نحو مراحل متقدمة من التعقيدات. واتخذت هذه المخاوف طابعاً اكثر جدية من السابق عقب احتدام الانقسام السياسي في شأن الموقف الذي اتخذه لبنان برفض قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية في الجامعة.

وكان من المحتمل ان يشهد مجلس النواب اللبناني في جلسة يعقدها اليوم ومخصصة لمناقشة عدد من الاسئلة النيابية الى الحكومة كباشاً تصعيدياً كبيراً في ظل اتجاه كتل المعارضة ونوابها الى طرح الثقة بوزير الخارجية عدنان منصور على خلفية موقفه في مجلس الجامعة العربية. لكن طرح الثقة بدا متعذراً في ضوء عاملين اولهما ان تخصيص الجلسة اصلاً للاسئلة النيابية دون الاستجوابات التي تعتبر اعلى مرتبة وتتيح طرح الثقة يحول دون هذه الخطوة، ثم ان طرح الثقة يفترض حضور الوزير المعني والاستماع الى رده قبل التصويت في حين ان الوزير منصور موجود في الرباط.

ومع ذلك تقول مصادر نيابية وزارية ان هذا الاستحقاق يبدو مؤجلاً وليس لاغياً باعتبار ان المعارضة لن تعدم الحيلة لاثارة «عاصفة» سياسية واسعة وملاحقة الحكومة باستمرار وحشرها في زاوية التداعيات التي اثارها وقوف لبنان ضد قرار الجامعة. يضاف الى ذلك ان نواباً من قوى 14 آذار يزمعون تحويل استجواباتهم في مسائل مختلفة ومن ابرزها مسألة تمويل المحكمة الدولية الى منعطفات حقيقية حالما تعقد جلسة للاستجوابات ربما يذهبون معها الى طرح الثقة بالحكومة كلاً. ومفاد هذا المناخ ان البلاد دخلت مرحلة مختلفة من التصعيد السياسي يصعب معه التكهن بمآل الوضع الحكومي على المدى المتوسط وكذلك مصير الاستقرار السياسي والامني في حدوده الدنيا. فبعض قوى 8 آذار بدأ يلمح علناً الى تحذيرات من اهتزاز الاستقرار وأخطار على السلم الاهلي. وقوى 14 آذار تدرج هذه التحذيرات في اطار التهويل اولاً وبداية استشعار حلفاء دمشق تعاظم الاخطار على النظام السوري تالياً. والانقسام الداخلي على خلفية الازمة السورية مرشح للتفاعل بقوة مع موجات التفاعلات العربية والاقليمية والدولية، مما يعني ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اضحت في بداية مرحلة انتقالية وفقدت هامش الاستقرار النسبي الذي امضت عبره اشهراً عدة حتى الآن. 
وفي اعتقاد المصادر نفسها ان الاسابيع القليلة المقبلة ستكون بمثابة مؤشر مهم الى طريقة اداء هذه الحكومة التي يعرف كل اطرافها ان سورية دخلت اخطر منقلب من مراحل ازمتها وان ذلك سيرتب على الحكومة بما تمثل من تجمع واسع لحلفاء النظام السوري استحقاقاً مصيرياً بامتياز سيضعها امام امتحان البقاء والصمود اولاً وعدم تعرض البلاد لخطر الزعزعة ثانياً، لانها في الحالين ستكون اول من يدفع كلفة الحدث السوري.
في موازاة ذلك، واصل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ديبلوماسية احتواء تداعيات تصويت لبنان ضدّ القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية بحق النظام السوري، فاستقبل امس سفراء دول مجلس التعاون الخليجي والسفير البريطاني غداة لقائه سفراء مصر والاردن وسفيرة الاتحاد الأوروبي.

واذا كان ميقاتي يرمي من خلال لقاءاته التي واكبتها معلومات عن اتصال أجراه بنجل العاهل السعودي الامير عبد العزيز بن عبد الله حيث عرض معه «آخر التطورات على الساحة الإقليمية»، أراد تبديد الغموض الذي خلّفه موقف لبنان في الجامعة العربية وتأكيد أنه ليس موجهاً ضد الدول العربية بل هو لحماية لبنان داعياً الى مراعاة الخصوصية اللبنانية ونافياً ان تكون بيروت خرجت عن سياسة الحياد، فان ما توافر عن لقاءات رئيس الحكومة ولا سيما امس عكس استمرار الغموض لدى مَن اجتمع بهم.

وافادت معلومات ان ميقاتي شرح للسفراء العرب أن موقف لبنان في الجامعة العربية ليس تحفظا عن العنف الذي يحصل في دمشق إنما تحفظاً عن تعليق عضوية سورية في الجامعة، فيما نُقل عن مصادر وزارية ان وزير الخارجية اتخذ القرار في الجامعة العربية من دون التشاور مع رئيس الحكومة، وان لبنان تلقى تهديدا من النظام السوري بأنه إذا لم يتخذ موقفا إلى جانب سورية في الجامعة العربية فسيتم اقفال الحدود معه.
وكان السفير البريطاني طوم فليتشر الاكثر تعبيراً عن «وقع» موقف لبنان في الجامعة العربية، اذ أشار بعد لقائه ميقاتي الى أن الاخير شرح له لماذا كان صعباً على لبنان دعم قرارات الجامعة «بسبب خصوصية الوضع في لبنان والضغوط عليه»، مضيفاً: «أعربتُ عن خيبة امل بريطانيا لإتخاذ لبنان مثل هذا القرار، ونحن نعتقد أنه كان من مصلحة لبنان أن يتخذ موقفا حيادياً ويفصل نفسه قدر الامكان عن الوضع في سورية».
وبالتزامن نقلت صحيفة «اللواء» عن مصدر ديبلوماسي خليجي أن دول مجلس التعاون الخليجي أعربت عن استيائها البالغ من وقوف لبنان ضدّ قرار الجامعة، متخوفاً من انه إذا لم تتدارك الحكومة اللبنانية، في محطات لاحقة، هذا الخطأ، فأن ذلك سينعكس مزيداً من العزلة على الحكومة وعلى لبنان، الأمر الذي يؤدي إلى تأثر مصالح لبنان الاقتصادية والمالية سلباً.

ولم يغب هذا الملف عن الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء امس حيث انتقل التجاذب حياله من كونه بين الاكثرية والمعارضة الى «اهل البيت» الحكومي، حيث تعرّضت الحكومة لما يشبه «المساءلة» من وزراء النائب وليد جنبلاط المعترضين على ما فعله منصور بأخذ موقف الطرف، بدلاً من النأي، او اقله التشبه بالموقف الذي اتخذه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بالامتناع عن التصويت.
وفي المواقف السياسية، أيّد الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري كلام العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني عن تنحي الرئيس السوري بشار الاسد، وقال: «لو كنت مكانه لتنحيت قبل وقت طويل من دون اراقة الدماء».
وردا على اسئلة مستخدمي موقع «تويتر» عن سبب عدم تطبيق الاسد المبادرة العربية، قال الحريري: «لانه اذا فعل سينتهي. ان مشكلته هي النظام نفسه»، لافتاً الى «ان النظام السوري الآن يسير بخطى متسارعة الى نهايته»، وملاحظا «ان وزير خارجيته وليد المعلم في مؤتمره الصحافي (الاثنين) اضاع الهدف لان المبادرة العربية كانت تهدف الى انقاذ الشعب السوري وليس النظام».

واذ استبعد ان يجر «حزب الله» لبنان الى حرب مع اسرائيل انقاذا للنظام السوري، قائلا: «هم يعرفون جيدا ان لا فرصة لهذا النظام للبقاء»، اعلن تأييده «اي خطوة من شأنها ان تؤمن الحماية للشعب السوري»، واصفاً لجوء الجامعة العربية الى الأمم المتحدة للمساعدة بانه «قرار جيد».
ودعا الاسد الى «وقف كل اعمال العنف والإجرام بحق الشعب السوري لأن العالم لن يقف مكتوف الأيدي وسيتدخل لوقف قتل الشعب السوري»، موافقا على «قول الهيئة العامة للثورة السورية بأن حكومة ميقاتي وصمة عار في تاريخ لبنان».
وعن البحرين، اشار الى ان «هناك حوارا جديا قائما بين الحكومة والمعارضة وعلاقتهما تتحسن وهناك تطوير وتغيير وانتخابات حصلت، ولكن لا يمكن لأحد ان يوافق على محاولة الحرس الثوري الإيراني تفجير سفارات وجسور وهذه امور غير مقبوله وهي اعمال ارهابية». 

السابق
المبادرة العربية فصل سوري جديد
التالي
من أجل لبنان لابد من سورية ديموقراطية