الجامعة العربية تنفصل عن ماضيها وتعلق عضوية سوريا

 ثمة عدالة كبيرة في قرار جامعة الدول العربية بتعليق عضوية سوريا، وهي الدولة التي ظلت تعمل على مدى سنوات طويلة لكي تجعل الجامعة العربية بمثابة مقر للأكاذيب ومصدر لحماية الديكتاتوريين.
لقد كانت سوريا بطلا لشعارات «العروبة» الرنانة التي كانت جامعة الدول العربية بارعة فيها للغاية. إنها العروبة التي دعمت الديكتاتوريات العسكرية التي أجبرت الدول على البقاء في مكانها ونددت بفشل إسرائيل في حل القضية الفلسطينية، في الوقت الذي عاملت فيه الدول الأعضاء في الجامعة العربية اللاجئين الفلسطينيين داخل حدودها بصورة بائسة وعلى أنهم أناس من الدرجة الثانية.
أنا لا أقول هذا لتبرير السياسات الإسرائيلية، ولكن لأوضح أن بعض الدول الأعضاء في الجامعة العربية كانوا منافقين.

لقد عاش نظام الأسد في سوريا وهو يردد شعار القومية العربية، أو على الأقل يجد غطاء يساعد حزب البعث الفاسد والضعيف على البقاء في السلطة. لقد وصل جنرال في سلاح الجو اسمه حافظ الأسد إلى السلطة إثر انقلاب في عام 1970 من خلال التلويح بـ«مؤهلاته» العربية التي ساعدت على إخفاء حقيقة أنه – مثله مثل كثير من الضباط – كان واحدا من الأقلية العلوية التي كانت تتمتع بالقوة في القوات المسلحة وتحظى بكره شديد من جانب الغالبية السنية.
 وقد بعث الرئيس حافظ الأسد بقواته إلى لبنان في عام 1976 لنزع فتيل الحرب الأهلية اللبنانية في ما كان يسمى «قوة الردع العربية» التي أقرتها الجامعة العربية. ومن المفيد – لفهم سياسة الأقليات في المنطقة – أن نتذكر أن الأثر العملي لهذا التدخل السوري هو إنقاذ المسيحيين الموارنة الذين كانوا يقاتلون الفلسطينيين وتحالفا من المسلمين السنة والدروز.
وبمجرد أن وصل السوريون إلى لبنان، مكثوا هناك لكي يتمتعوا بالغنائم، إلى أن تم طردهم بناء على مطلب شعبي بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، وهي الجريمة التي نسبت في البداية إلى السوريين إلى أن صرح أحد محققي الأمم المتحدة بأن حزب الله هو من يقف وراءها. وإذا ما نظرنا إلى الوراء، يمكننا القول بأن «حركة 14 آذار» التي طردت السوريين قبل 6 سنوات كانت هي بداية ما نسميه الآن بالربيع العربي.
وللمفارقة الغريبة، فإن السوريين، الذين رفضوا منذ عقود ترسيم حدودهم مع لبنان (بحجة أنها كانت في الحقيقة جزءا من سوريا الكبرى)، هم من يقومون الآن بتلغيم تلك الحدود. وأقتبس هنا مقولة السير والتر سكوت: «ما إن نبدأ في خداع أنفسنا، حتى ننسج حولنا شبكة شديدة التعقيد».

لم يكن بشار الأسد بارعا في التعامل مع الجامعة العربية كوالده. فربما يفتقر إلى موهبة إلقاء الخطابات الكبيرة الجوفاء التي تعتبر الصفة المميزة لمثل هذه الاجتماعات. كما أنه أثبت أنه رجل يعد بأشياء لا يستطيع أن يفي بها، وقد تمثل ذلك في الإصلاحات التي وعد بها في حزب البعث والتغيير الدستوري، وهو خطأ لم يرتكبه والده يوما. لقد كان حافظ الأسد، يحظى سرا بإعجاب وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر بل وحتى الإسرائيليين، وذلك لأنه إذا ما وعد بشيء، فهو لا ينكث به أبدا.
وكان بشار على النقيض من ذلك. فقد وعد بالقيام بإصلاحات وفقا لتوصيات لجنة الوساطة التابعة للجامعة العربية التي تم إرسالها إلى سوريا الشهر الماضي، وهو ما كان من الممكن أن يكون بمثابة شريان الحياة لنظامه. لكن، ورغم وعوده – التي تشبه الوعود التي يقوم بها منذ شهر فبراير (شباط) الماضي – استمرت قواته في قتل المتظاهرين السوريين، وهو ما يوضح أنه إما أن بشار كاذب أو أنه لا يستطيع السيطرة على جيشه. وهو أمر ليس لصالح بشار على أي حال.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قامت الجامعة العربية بتجميد عضوية النظام السوري ودعت إلى عقد اجتماعات مع المعارضة السورية، وذلك للتوصل إلى «وجهة نظر موحدة للفترة الانتقالية القادمة». وكعادته، دعا الرئيس السوري إلى عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، وذكر أن هذا القرار ما هو إلا جزء من مخطط أجنبي لغزو سوريا.

ولقد أصبح التواري عن الشعب وإلقاء اللائمة في المشاكل الداخلية على قوى خارجية شريرة تتحالف عليك مع الغرب، بمثابة أمر معروف داخل أروقة الجامعة العربية.
غير أنه يبدو أن هذا الفصل من تاريخ العرب سوف يمر بشكل رحيم، مع تحول الجامعة العربية إلى قوة تقوم باتخاذ رد فعل عادل لحماية المواطنين العرب المضطهدين وقمع الحكام الديكتاتوريين. وفي هذا لمحة عن الأشياء التي تتغير في الشرق الأوسط، والسبب وراء ذكره أن هذا التغيير جدير بالاحتفاء. 

السابق
حبيش: بري يخالف النظام الداخلي للمجلس
التالي
الاحدب: مسؤولية موقف لبنان تقع على مجلس الوزراء ورئيسه