أوهام جعيتا وكوريا وحقيقة واحدة: القتل في المتن

 حمى جعيتا التي انتشرت في لبنان لم تكن مفاجئة. فقد اعتاد اللبنانيون، سياسيين ومواطنين عاديين وفنانين كما هو حال مصابي "حمى جعيتا"، اعتادوا أن يتعاملوا مع أيّ ظهور "عالمي" أو "دولي" للبنان بالطريقة الهستيرية نفسها. تماما كما قد يتعامل تلميذ فاشل مع علامة عالية قد يحصل عليها بالصدفة، أو عن طريق الغشّ.
هكذا بدا لبنان منقادا بشكل أعمى إلى التصويت لتكون مغارة جعيتا من "عجائب الدنيا السبع". هذا رغم أنّ المغارة تعتبر، تقريبا، ملكا شخصيا لمنسق ما سمّي بـ"الحملة الوطنية" لدعم وصول المغارة إلى هذه "المرتبة". ومالك المغارة قد اشتراها، تقريبا، بإيجار رمزي، من الدولة اللبنانية، في ما يشبه "الفضيحة" الكبيرة التي يجب أن تأخذ حقّها أكثر مما أخذ المالك من أموال اللبنانيين التي دفعوها للتصويت.
والإنقياد الأعمى هذا سببه أنّ اللبنانيين يعرفون أنّ علامات بلدهم متدنّية بشكل رهيب، ما يجعل "إمكانية" الحصول على علامة جعيتا أملا يريد اللبنانيون أن يلمسوه، وإن كانت مرتبة إفتراضية لا تعطي لبنان، ولا المصوّتين، أيّ فوائد مباشرة.
 ما أراده المصوّتون هو "وهم" العالمية، ووهم العلامة العالية لبلدهم الفاشل كالتلميذ الغبي. وما استماتوا للشعور به هو وهم "انتصار" ما، في ظلّ مئات الخيبات والهزائم اليومية التي يعيشها اللبناني من لقمة عيشه إلى الكهرباء والمياه والبطالة وغيرها من أسطوانة الكليشيهات "النقّاقة" التي يعرفها كلّ حامل للجنسية اللبنانية.
والأمر نفسه تكرّر حين فاز المنتخب اللبناني في كرة القدم على المنتخب الكوري الجنوبي، ذي المرتبة المتقدّمة على صعيد المنتخبات الأقوى في العالم.
فوز لبنان الكروي أكبر بكثير، وبلا شكّ، من "احتمال" فوزه بالوصول إلى لائحة عجائب الدنيا السبع. ذلك أنّ المنتخب "فاز" في حين أنّ جلّ ما وصلت إليه المغارة هو لائحة الـ"14" بدلا من لائحة الـ"7". وحين فاز المنتخب عمّت الفرحة والبهجة قلوب اللبنانيين وراحت مذيعات الغباء الأفّ "أمّيات" (على الراديو) تتحدثن عن "توحّد لبنان تحت راية كرة القدم"، تماما كما تحدثن سابقا عن "توحّد لبنان والتعايش تحت راية مغارة جعيتا".
إذا هو الرغبة في "التوحّد" اللفظي والوحدة المصطنعة في المناسبات، بين أطياف العائلة اللبنانية المتنازعة والمتخاصمة حدّ العداء والقتل. أو قل هو توق إلى "انتصار" لبنانيّ ما، وإن على كوريا، تماما كما كان حال بعض اللبنانيين حين ألّهوا "انتصار"هم العسكري، على ما ذهبوا، في حرب الصيف التموزي بالعام 2006.
لكن بين الوهمين كان هناك حقيقة قاسية تضرب إسفينا في الجثة اللبنانية: جرائم قتل متسلسلة. وإن لم يوافق المحققون الجنائيون على نظرية "التسلسل"، إلا أنّ القتل الهمجي لـ10 أشخاص في منطقة المتن خلال أقلّ من 50 يوما، وبلا سبب، ليس إلا "سبق إصرار وترصّد" للرغبة في القتل الجماعي.
وقد علمنا أنّ الأخوة الخمسة، القتلة، هم من قدامى "القوات اللبنانية". ولمن لا يعلم أنّ هذه "القوات" كانت واحدة من ميليشيات الحروب الأهلية الملبننة التي قتلت المئات والآلاف من اللبنانيين، كما فعلت ميليشيات من طوائف أخرى، سنية وشيعية وأرمنية ودرزية وغيرها.
هؤلاء "القدامى" سجن أكثر من اثنين منهم لارتكابهم جرائم بشعة، أحدهم سجن في جريمة "قتل" أيضا، وخرجوا جميعا من السجن بقانون العفو الذي عفا عن مجرمي الحرب ورفع بعضهم إلى مراتب الوزراء والنواب.
هكذا بدا لبنان بين "وهمين" و"حقيقة". كما لو أنّ جعيتا وكوريا هما الحلم، والقتل في المتن هو الحقيقة "على الأرض".

السابق
شربل دعا الى رفع العلم في 21 ت2: شاهد على انتصارات اللبنانيين في نضالهم للحرية
التالي
الجميل: مجلس النواب صمام أمان إذا طبق النظام الداخلي