في الخليج السوري: توقعات

بعد الدور الخليجي القيادي في مسارات "الربيع العربي" اصبح درس وفرز العناصر "الاصيلة" لقوة هذا الدور والعناصر "المؤقتة" فيه مادة تفكير ملحة في الحياة العامة العربية.

حتى صدور قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، فان المدهش في ما تؤول اليه تطورات المنطقة منذ بدأت موجات "الربيع العربي" في الشهر الاخير من العام المنصرم مع الحدث التونسي ثم ما تلاه في مصر وما توسّع اليه باشكال مختلفة في ليبيا و المغرب والبحرين واليمن هو هذه الطاقة على… ليس فقط التماسك الذي اظهرته منظومة دول مجلس التعاون الخليجي الست بل الطاقة على المساهمة في قيادة الاحداث في المحيط الاقليمي لعواصف هذا "الربيع".
فها هي أنظمة الموجة الوطنية التي تلت نكبة فلسطين عام 1948 تتهاوى الواحدة تلو الاخرى مع قدرة بقاء على الحياة استثنائية حتى الآن للنظام السوري وتحييد خارجي و"هدوء" داخلي غامضين للنظام الجزائري بينما تبدو الانظمة الملكية باستثناء البحرين وكأنها "جزر" من الاستقرار غير المهدد مصيريا في الداخل بما فيها الاردن رغم مشاكله الاقتصادية والسياسية.

لا تكتفي الانظمة الملكية العربية منذ حوالي العام بدور اساسي مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في رسم الصياغات القانونية والسياسية وحتى الامنية الداعمة للثورات في الجمهوريات العربية حسب كل بلد، بل هي لم تتردد ايضا في الاعلان عن تمايزها العلني عبر دعوة مَلَكيات مجلس التعاون الخليجي، وهي كلها نفطية، قبل أشهر رسميا للملكيتين المغربية والاردنية، وهما غير نفطيتين، للانضمام اليها. وهذه خطوة لا شك ان احدى نتائجها، ان لم يكن احد اهدافها، هي التمايز- وهو أحد اشكال التباهي – عبر بعث رسالة بأن "الربيع العربي" يطال الانظمة الجمهورية العسكرية او الحزبية التي اقيمت بعد عام 1948 لا انظمة العائلات القديمة والتي كانت موجودة في السلطة ليس فقط قبل استقلال دولها بل حتى قبل قيام هذه الدول بخرائطها الراهنة! وأكاد أتخيل لسان حال بعض الامراء يقولون في مجالسهم الخاصة جدا بروحية اريستوقراطية: الانظمة التي تسقط هي انظمة لقيطة اضطررنا للتعامل معها طويلا وليس نحن!
الى اي حد هذه الصورة ثابتة؟ او بكلام آخر هل تنبني قوة الانظمة الملكية على عناصر راسخة ام ان بعضها مؤقت؟
هنا يمكن تسجيل بعض الملاحظات: الاولى هي ما يظهر من تماسك يكاد يكون مطلقا بين الانظمة الملكية وبين دول الغرب الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، فلقد انتهت سنوات التشكيك المدروسة التي اعقبت مجزرة 11 ايلول 2001 في نيويورك ولا سيما بين الغرب والمملكة العربية السعودية في البنية الدينية التربوية للمملكة كمصدر للتطرف. وهكذا انتهت سنوات جورج بوش اليميني بعد تحويل طاقة الغضب الاميركي من 11 ايلول واهدافه الاستراتيجة الى افغانستان ونظام صدام حسين لكي نشهد في سنوات باراك اوباما "اليساري" تعزيزا للتحالف مع الملكيات العربية والاهم من كل ذلك مشاركة هذه الملكيات الوثيقة في متابعة واستثمار انفجار غضب طبقات شبابية ونخب جديدة واسعة ضد الاستبداد العربي في صراع واضح يمكن ان يؤول اذا لم يصمد النظام السوري الى طرد ايران من "بلاد الشام" بما فيها لبنان وفلسطين للمرة الاولى منذ دخولها السياسي الكبير عام 1979. وهذا سيعني نوعا جديدا مهما جدا من النفوذ التركي في سوريا لكن ليس قطعا "استلام" تركيا لسوريا لان النفوذ السعودي التاريخي في شرائح المدن السورية من عاملين لديها وعائدين وبين عشائر البادية سيكون اقوى ناهيك عن الحصص الغربية الموجودة اصلا منذ اواخر العشرينات بعيدا عن الانظار في النفط السوري.
الملاحظة الثانية:
بعد مسارات "الربيع العربي" والدور الخليجي القيادي خلاله اصبح درس وفرز العناصر "الاصيلة" لقوة هذا الدور والعناصر "الهشة" او "الوهمية" فيه مادة تفكير ملحة في الحياة العامة العربية خصوصا بعدما يظهر ان العودة المصرية للريادة السياسية العربية بعد الثورة ليست بالسرعة التي تصورها المتحمسون للدور المصري. فالحقبة الجديدة العربية ستبقى وبدعم اميركي لفترة غير قصيرة على ما يبدو تحت القيادة الاقليمية السعودية؟ الا اذا ظهرت هشاشات لا يكون باستطاعة الغرب تلافي انفجارها اوحين تزف ساعة الانتقال الى اللعب باوضاع الخليج ؟…. كما تقول "نظرية المؤامرة".
سيعني ذلك تراجع العصر النفطي الذي لا مؤشرات عليه حتى الآن بل يصل راهنا الى احدى ذراه مع الدور القيادي للملكيات النفطية في"الربيع العربي". هذا العصر الذي هو معظم القرن العشرين والمستمر في العقد الثاني من هذا القرن. وهذه النقطة تضعنا امام مفارقة ساخرة على ضوء القوة الديناميكية للخطة الغربية وهي انه كلما طالت الممانعة الايرانية للغرب كلما طال الدور الخليجي لان انهيار الدور الايراني سيسهل الانتقال الغربي للعب على الهشاشات الخليجية ومن ضمنها اللعب على الخرائط. وهو امر، بعد السودانين المنفصلين والاقليم الكردي العراقي شبه المستقل سياسيا والمستقل نفطيا، معطى واقعي. وان كنا نرجو كالكثيرين من العرب ان تكون "العودة" المصرية، بسبب الرهان على وعي ونضج حساسية نخبها، قادرة عبر نجاح التجربة الديموقراطية المصرية على منع تفاقم هذا التدهور بحيث لا يربح الاستبداد رهانه: انا او التفكك. وهذا وضع دعونا نعترف ان نتائجه ليست مضمونة لاسباب معقدة.
الملاحظة الثالثة:
في ما ننتقل بعد قرار "تعليق العضوية" الى مرحلة صراعية ضارية ونوعية قد يكون تَوسعُ الحرب الاهلية في سوريا احد أشكالها … سيكون – على الارجح – من العبث مطالبة النخب السياسية اللبنانية عدم شحذ مشاريعها الصراعية والمالية لجعل الاستقرار الراهن في لبنان يمتد اطول فترة ممكنة مع فوائده الاقتصادية المتعددة الواضحة. وهي نخب في العديد من شرائحها مدرَبة على الحرب الاهلية اذا لم اقل جاهزة لااخلاقياً لها.
لكن ربما يصطدم المعنيون ان مصادر التمويل ليست بالجاهزية التي يفترضون امام اولويات اخرى جديدة في المنطقة ولاسيما في مصر وسوريا. لا استثني كثيرين. 

السابق
هيغ: وضع سوريا أكثر تعقيداً من ليبيا
التالي
جنبلاط: المصلحة تقتضي تمويل المحكمة والمبادرة العربية أفضل حل لمحنة سورية