تمرد الاسرة وغضب الشرق

بعيداً عن تونس التي تخوض معركة تثبيت هويتها الضائعة بين المدنية والدينية، إثر فوز حزب النهضة الإسلامي في أحد أكثر البلدان العربية "مدنية" في قوانينها.وخارج أسوار القاهرة المشغولة بالحرب الباردة بين المجلس العسكري و"الاخوان" المرحب بهم أميركياً في بيان رسمي لوزارة الخارجية "بعد الفوز بالانتخابات". وأبعد من ليبيا المحترقة بنيران "الناتو" وحلفائه العرب المنشغلين بتقاسم آبار النفط الليبية…
…ومن خارج إصلاحات الأسد التي أطلقها في بر الشام،ووعود صالح الواقف عند حدود اليمن الذاهب نحو التقسيم،وقريباً من البحرين،المملكة المثقلة بدبابات "درع الجزيرة العربية".
ماذا يجري في المملكة العربية السعودية؟ وهل هي خارج زمن "الربيع" و"الخريف" العربيين؟

تنطبق على المملكة كل معايير الغضب والثورة والانفجار. وتحضر فيها كل مقومات الانتفاضة والسعي نحو التغيير.فاسم المملكة مستمدّ من أسرة بعينها "آل سعود"، وإدارة البلاد يكاد يكون التوريث فيها الباب الوحيد للعبور، إذ ينتشر الامراء في كل الإدارات والمراكز الاساسية. اما في القضاء فيحضر "الرجم" و"الجلد" و"التقطيع"، آليات عمل لهيئة تسمى "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، البديل من كل الهيئات القضائية والرقابية .
اما في الحريات، وخاصة حرية المرأة السعودية وحقوقها، فحدث ولا حرج، فعيون النظام ترصد كل النسوة اللواتي يتجرأن على قيادة السيارة، ليس على طرقات المملكة فحسب، بل داخل حرم مستشفى الرياض حيث نشرت وثيقة قبل أيام على الموقع الإلكتروني لاحد المراكز الإعلامية، وفيها أمر من الأمير متعب بن عبد العزيز الى مدير المستشفى يوبخه لسماحه للممرضات بقيادة السيارات داخل حرم المستشفى.

هذا الأمر سبقه قبل أيام أمر آخر، صادر عن وزارة الصحة السعودية يقضي بمعاقبة كل ممرضة ترتدي "الجينز" و "الأكسسوارات" وصولاً الى منع طلاء الأظافر ومساحيق التجميل.
ومع ذلك لم تأتِ الثورة، وشاشات "الربيع العربي" لم تهلل لها والجامعة العربية لم تنفخ في هشيم نارها.
إلا أن حدثاً آخر داخل اسوار المملكة سرق الأنظار ودق باب الأسئلة المُقلقة، تمثل في وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز. الذي عانى من مرضٍ عضال لسنوات، غير أن وفاته حصلت على وقع حالة صحية حرجة للملك عبدالله الذي شارف التسعينات، وفي جو من الغليان على مستوى المنطقة، بل العالم بأسره. رغم شبه اليقين الذي كان لدى كل المراقبين داخل المملكة وخارجها من ان الامير نايف بن عبد العزيز سيتربّع على الكرسي الثاني، في تحضير للجلوس على عرش المملكة، إلا أن بعض المراقبين توجهوا بانظارهم الى "هيئة البيعة" التي لم تختبر منذ تأسيسها عام 2006 وتضم 35 أميراً من ابناء واخفاد الملك عبد العزيز المؤسس وأحفاده. ولكن مرة جديدة سجلت المملكة رقماً قياسياً جديداً في "أوامر الحريات" فجاء الأمر الملكي بتعيين الأمير نايف ولياً للعهد، من دون العبور بهذه الآلية "شبه الديمقراطية". فشعر الجيل الثاني من آل سعود، وبعدهم الطامحون الى الحريات من مثقفين سعوديين، بخجل مضاف الى سجلات المملكة.
بيد أن الأمر الملكي هذه المرة لم يمر مرور الكرام، فالهمس علا داخل أروقة آل سعود، وجاءت المفاجأة حين أصدر الملك عبد الله أمراً ملكياً يقضي بإعفاء نائب وزير الدفاع السابق الامير عبد الرحمن بن عبد العزيز من منصبه، إنما ليس بناء "على طلبه" كما جرت العادة واللياقة بين أفراد الأسرة المالكة.

ورافق الاعفاء إستياء من الأمير عبد الرحمن لتجاوزه في ولاية العهد، خاصة أنه يكبر الاميرين نايف وسلطان. ونقل عنه زواره غضباً كبيراً من جراء إجراءات شقيقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ولم يقف التململ والرفض عند الامير عبد الرحمن بل تجلّياً عند الأمير طلال بن عبد العزيز الذي أرسل خطاباً شديد اللهجة إلى وزارة الدفاع من بوابة هيئة الطيران التي يعترض على كيفية إدارتها.
هذا كله داخل أروقة الأسرة الحاكمة.فماذا في الشارع، وتحديداً في شرق المملكة؟
يُدرك زائر المملكة شرقاً، أو مراقب تركيبتها السوسيولوجية، انها تعاني معضلة شعبية في هذا الطرف. فالمناطق الشرقية والتي تعرف بمنطقة الإحساء تصنف الأكثر حرماناً على الصعيد الخدماتي والوظيفي لأبنائها، رغم أنها الأغنى بخيراتها الباطنية وانتشار آبار النفط فيها، والسبب يعود الى المذهب الديني لسكان تلك المنطقة التي شهدت عشرات التظاهرات الليلية على خلفية توقيف عدد من وجهائها وابنائها وحملت شعارات تحاكي الشارع العربي الملتهب. الا أن مصير تلك الصور لم يكن افضل حالاً من صور الثوّار البحريين، فالمملكة قابضة على الصورة وتمنعها من محاولة التسلل الى المشاهد العربي، خاصة في ظل التناغم القطري-السعودي الحالي الموقت.

لكن هذا الكبت لن يطول زمن تفريغه غضباً في الشرق الراكد تحت جمر القمع،وتلك الثورة الشعبية لن يمنعها أحد من الخروج الى العلن إذا انفجرت المنطقة وبخاصة تحت عناوين مذهبية. أما تمرد بعض أمراء آل سعود فسيجد ضالته نحو القسمة، لتشرب المملكة من الكأس عينها المُقدمة على طاولة محيطها العربي، حيث سم التقسيم والسيطرة الأجنبية والخرائط المعدّة سلفاً في دوائر الاستخبارات الأميركية. فهل تشعل المملكة شرارة تفجير المنطقة من بوابة الفتنة المذهبية؟ أو تقرأ في كتاب الأستاذ النبيه وتذهب نحو "س.س" جديدة تعيد كل ذي حجمٍ الى حجمه الطبيعي في العالم العربي.بدءاً من قطر المنتفخة أكبر من حجمها الحقيقي، وليس إنتهاءً بالإمارات المتحدة (حتى اللحظة)؟
سؤال تبدو دوائر القرار داخل المملكة عاجزة عن الإجابة عنه في ظل التشرذم والهيمنة الأميركية على مفاصلها الأساسية. أما كواليس المملكة فلن يطول موعد خروجها الى العلن، ربما من بوابة "الجزيرة" القطرية، الذراع الاميركية والبديلة من المملكة في المنطقة.  

السابق
كأنهم يعودون إلى الوراء، لا بل أسوأ
التالي
1,7 مليون دولار ثمناً لحوض استحمام