هل يتحمل لبنان عقوبات دولية؟

يثير موضوع دفع لبنان لحصته المتوجبة عن هذا العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان جدالا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، وقد زاد الشرخ بينهم حول هذا الموضوع كلام السيد حسن نصرالله الأخير. وأضاف موقف الحكومة اللبنانية في مجلس الجامعة العربية، والتصويت ضد تعليق عضوية سورية تشنجا على الساحة واستقدم رياحا ساخنة الى السماء اللبنانية، تنذر بشتاء متوتر، تتزايد فيه عزلة لبنان الذي يجاهد بكل قواه للوقوف على رجليه، مع اشتداد العواصف السياسية العاتية التي تهب على المنطقة، وكل التبريرات التي تساق للتهرب من الدفع، لا تلغي التبعات القانونية لأي قرار يمكن ان تتخذه الحكومة اللبنانية بالامتناع عن تمويل المحكمة، وبالتالي التخلي عن واحدة من الالتزامات الدولية التي أشار الى احترامها البيان الوزاري الذي صدر عن الحكومة الميقاتية.

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طالب رسميا الحكومة اللبنانية بضرورة تسديد متوجباتها للمحكمة، وهي التزامات لا يجوز للبنان الاجتهاد في مدى قانونيتها، كونها جزءا من موجبات القانون الدولي العام الملزمة، صادرة بموجب قرار عن مجلس الأمن، يرتكز الى الفصل السابع، وأشارت اليها الاتفاقية التنفيذية الموقعة بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، وسبق لهذه الحكومة ان دفعت في الماضي، وهذا اعتراف عملي، لا يستطيع احد ان يعود للتملص منه لاحقا، خاصة ان من يحاول الإشارة الى عدم موافقة لبنان على المحكمة، كان ممثلا بالحكومة التي دفعت الأقساط السابقة، كما انه كان مشاركا في طاولة الحوار الوطني التي عقدت عام 2006، وأقرت الموافقة على إنشاء المحكمة بالإجماع الكامل للمشاركين فيها، بمن فيهم العماد ميشال عون.
 
قوى اساسية من المجتمع الدولي، تحديدا الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، حذروا علنا من مغبة عدم التزام لبنان في دفع مستحقاته اتجاه المحكمة، وسواء اختلفت مع هذه القوى الدولية، او اتفقت معها، لا تستطيع ان تتجاهل قدرتها على التأثير في سياسة الأمم المتحدة، خاصة في مجلس الأمن، ولا ان تتجاهل تأثير اي من العقوبات التي يمكن لها ان تفرضها بمفردها على لبنان فيما لو لم تتمكن من فرضها عن طريق مجلس الأمن، اذا ما اصطدمت بالـ «فيتو» الروسي او الصيني، وهذا مستبعد جدا، كون الدولتين مازالتا تعلنان تأييدهما للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

ما نتائج العقوبات التي يمكن ان تفرض على لبنان؟ وبالتالي هل يمكن ان يصمد امام حصار سياسي واقتصادي دولي عليه؟ علما ان الحصار العربي على حكومته سيزداد بعد ان صوتت ضد إرادة الإجماع العربي في الجامعة العربية:

أولا: الاقتصاد اللبناني سيتأثر حكما بهذه العقوبات، لأنه على ترابط واسع مع الحركة المصرفية والخدماتية، ويعتمد عليها، وهذه الحركة أول ما تحتاج الى الرضا الدولي، وبالتالي لا تعيش بدونه، لأن لأوروبا وأميركا قدرة هائلة في التأثير عليها، وكل الانسيابات المالية تمر عبرهما.

ثانيا: لبنان يعاني من ضمور النمو، والذي قد ينخفض الى ما دون 1.7% على ما يقدر الخبراء هذا العام، بسبب الأوضاع المضطربة المحيطة به، وتحديدا في سورية، والعقوبات ستعرضه الى مزيد من الانكماش لا يستطيع ان يعوضه من مكان آخر.

ثالثا: ان الحصار الدولي سيزيد التأزم الداخلي، سواء استقالت الحكومة ام لم تستقل. وهو سيفاقم الارتدادات السورية على الأوضاع اللبنانية، في أوج تصاعد الأزمة في سورية، وبالتالي ستنعدم اي امكانية للبنان ان يساعد السوريين، في مواجهة العقوبات المالية.

هل تلقى مبادرات الدعوة الى التعقل والهدوء والعودة الى الحوار، والقبول بتنفيذ الالتزامات الدولية آذانا صاغية؟ بعيدا عن لغة التهديد والوعيد، التي تفوح منها رائحة الشمولية والاستبداد. هذا ما تترقبه الأوساط المتابعة في الأيام المقبلة. 

السابق
إلتفافة !!؟
التالي
الاخبار: ميقاتي: لم يعطونا فرصة… لكننا نعمل