مراكز تنصّت على مَدّ عينك والنظر

حين "اقتحم الرئيس صائب سلام" غرفة التنصّت في وزارة الهاتف في السبعينات، والتي كان يستخدمها ضبّاط المكتب الثاني يومذاك، لم يكن يدري أنّ ملفّ "التنصّت" سيبقى الشغل الشاغل للحكومات اللبنانية المتعاقبة على مرّ العصور، وسيظلّ "مشكلة المشاكل" و"علّة العلل"، على الرغم من قونَنة هذا العمل، في نطاق ما عُرف بـ" قانون 140" الصادر عام 1999، حيث لم تزل عمليّة تطبيقه تجري بصورة كيفيّة واستنسابيّة.

تشغيل مركز التنصّت

توقّفت الأوساط المتابعة لهذا الملفّ في الفترة الأخيرة حيال ما تردّد في وسائل الإعلام عن استعداد وزير الداخلية العميد مروان شربل لتشغيل مركز التنصّت في وزارة الاتّصالات والمعروف باسم "غرفة التحكّم الاعتراضيّ للمخابرات الهاتفيّة"، وذلك بموجب القانون 140 الذي ينظّم عمليّة التنصّت ويعترض مخابرات هاتفيّة على مدى الساعات الـ 24، وستكون عملية التنصّت بإشراف ضبّاط من الجيش والأمن العام وأمن الدولة، وبمشاركة مسؤول في وزارة الاتّصالات.

والتنصّت حسب ما تردّد سيكون حول امور تتعلّق بأمن الدولة والسلامة العامّة، ويطبّق بموجب قرار إداريّ موقّع من قبل رئيس الحكومة ووزير الداخلية باستثناء القضايا المتعلقة بالجرائم التي تستوجب توقيع جهات قضائية.

واستغربت الأوساط نفسها ما أدلى به رئيس لجنة الإعلام والاتّصالات النائب حسن فضل الله في هذا السياق، عندما أكّد أنّ مركز التنصّت مجهّز بأحدث الآلات والتجهيزات التقنيّة، وعندما "يتم تشغيله من المفترض ألّا يبقى أيّ جهاز أمنيّ "فاتح على حسابو" في ما يتعلّق بداتا الاتّصالات أو التنصّت أو إنشاء أيّ مراكز غير شرعيّة".

وتساءلت في معرض ردّها على كلام فضل الله "…عمّا إذا كانت "الأجهزة الأمنيّة" في حزب الله معنيّة بكلامه، لأنّ المعلومات التي تمتلكها الاوساط تؤكّد امتلاك الحزب لأجهزة تنصّت حديثة ومتطوّرة تتمكّن من رصد مكالمات هاتفيّة ثابتة وخلويّة، إضافة الى التشويش ورصد الإشارات اللاسلكيّة، فضلا عن أنّ دورات تجري لعدد من عناصر ما يسمّى بـ"سرايا الإشارة في المقاومة" في مراكز إيرانية عسكرية مختصّة بمجال الاتّصالات والرصد، بذريعة تعزيز العمل المقاوم واستخدام هذه الأنشطة في مواجهة العدوّ وليس في مجالات داخلية، وذلك في نفس السياق الذي يعمل الحزب من خلاله على مواصلة مدّ شبكات اتّصالاته الهاتفية في عدد من المناطق اللبنانية في اطار ما يسمّى بـ"حرب التنصّت بين المقاومة وإسرائيل". فضلاً عن امتلاك المقاومة أسرار شبكات الترميز والتربيع في مجال الاتّصالات الأمنية والعسكرية في لبنان، وزرع غرف تنصّت ورصد ثابتة وجوّالة يتمّ وضعها في سيّارات مقفلة تجوب الطرقات والشوارع في بيروت وغيرها من مدن وبلدات لبنانيّة".

تنصّت متعدّد الجنسيّة

واعتبرت الأوساط أنّ التنصّت في لبنان لا يقتصر على جهة أمنيّة رسميّة، بل تمارسه جهات محلّية وأجهزة مخابراتية اقليميّة ودولية، بحيث باتت اتّصالات الشعب اللبناني الهاتفيّة الجوّالة والثابتة موضوعة كلّها تحت الرصد والمراقبة، حتى التنصّت طال الانترنت ومواقع التويتر والفايسبوك، وأشار تقرير أمنيّ في هذا السياق أرسِل الى جهات مسؤولة في شباط الماضي الى امتلاك بعض الجهات الحزبيّة في لبنان اجهزة رصد وتنصّت ألمانيّة الصنع جرى تركيبها في مراكز وشقق سرّية في بيروت، مهمّتها رصد اتّصالات ومكالمات عدد من المسوؤلين والسياسيّين، في حين أشار التقرير نفسه الى وجود مركز تنصّت لسفارة أجنبيّة في شقّة سرّية في منطقة الحازميّة، يشرف عليه خبراء في هذا المجال.

وحسب المعلومات فإنّ الحصول على أجهزة تنصّت ورصد بات سهلا ومُيسّرا من الأسواق العالميّة، وقد حصلت عليه شخصيّات سياسية وأمنية عدة في لبنان، وخصوصاً من السوق الالماني ومن خلال بعض الخبراء في المجالات الالكترونيّة، لذا فإنّ مهامّ عمل "غرفة التحكّم الاعتراضي للمخابرات الهاتفيّة" في وزارة الاتّصالات سيظلّ عديم الفائدة في ظلّ مافيا التنصّت التي تسيطر على لبنان.

وبحسب مصادر امنيّة، فإنّ في بيروت وحدها العشرات من محطّات التنصّت المتعدّدة الجنسيّة، وتتعدّد الأجهزة التي تقوم بالتنصّت في لبنان من أجهزة رسميّة وشركات الهاتف الخلويّ والسفارات والمراكز الدبلوماسية والمؤسّسات الدولية وقوّات الطوارىء، وصولا الى تنظيمات وأحزاب، يضاف اليها التنصّت الذي تقوم به الأقمار الصناعيّة ومحطّات التجسّس الدولية التي تحوط بلبنان والمنطقة ومن أبرزها محطّة التنصّت البريطانية في جزيرة قبرص في قاعدة «اكروتري»، التي تردّد أنّه كان لها الفضل الأوّل في كشف الكثير من الأسرار من خلال ما رصدته من مكالمات هاتفية واتصالات جرت قبل وأثناء وبعد حصول جرائم حسّاسة. ويكفي أن نقف عند الرسائل والاتّصالات الالكترونية التي يتلقّاها المواطنون في لبنان على هواتفهم الثابتة والجوّالة، والتي تعرض عليهم مكافأة ماليّة لقاء تقديم معلومات عن الطيّار الاسرائيلي المفقود رون أراد، لندرك أنّ شبكاتنا الهاتفيّة تقع تحت الرصد والتنصّت والمراقبة من كافّة الجهات والدول والتنظيمات، ما يعني أنّ المواطن اللبنانيّ بات محروماً حتّى من أبسط حرّيتة وخصوصيته.  

السابق
تعليق العضوية في ميزان السياسيين
التالي
مبادرة لحماية سوريا أم لتمزيقها؟