بديل من الحرب وليس مقدمة لها

هلّل بعض اللبنانيين، من فريق الرابع عشر من آذار خاصة، لقرار جامعة الدول العربية تعليق عضوية سوريا وعزلها عربياً، انطلاقاً من تصوّر حاولوا أن يقنعوا أنفسهم وجمهورهم به، بأن ذلك مقدمة لتدخل عسكري إقليمي ودولي ضد نظام الرئيس بشار الأسد. هل هذا السيناريو ـــ الأمل حقيقي، أم هو رهان آخر شبيه بالرهانات الخاسرة للسنوات الماضية؟

الإجابة تحتّم معاينة للمشهد الإقليمي من البوابة الأميركية وإمكاناتها الفعلية.
لا خلاف على أن جزءاً أساسياً من الأهداف الاستراتيجية المؤملة للاحتلال الأميركي للعراق كان تطويق كل من إيران وسوريا، وإخضاعهما أو إسقاطهما. كان الأمل أن احتلال العراق سيدفع قوى المقاومة إلى الاستسلام، إلا أن الواقع لم يكن كما الآمال. المعركة على أرض العراق أسقطت المشروع وأحبطت المحاولة. وانكسار الأميركيين بأيد عراقية، كما بات معروفاً، يأتي بدعم ومساندة إيرانية سورية، واضحين.

طوال فترة الاحتلال، تذبذبت وتناسبت السياسات الأميركية في العراق والمنطقة عموماً وفقاً لمستوى الضغط المفعّل على الجيش الأميركي في الساحة العراقية، وتحولت القوات الأميركية إلى رهينة حقيقية في أيدي المقاومين وداعميهم، الأمر الذي فرض على واشنطن أن تأخذ بالحسبان، في أي سياسة ترسمها تجاه كل من إيران وسوريا، انعكاساتها الدموية على قواتها في الساحة العراقية. مع ذلك، كان الصراع على حدّ السيف، والاحتمالات كانت كبيرة بأن تتحول المواجهة داخل العراق إلى صدام عسكري مباشر مع سوريا أو إيران، أو كليهما معاً. المواجهة العسكرية لم تحصل، نتيجة لعدة عوامل، من بينها، بالتأكيد، الحكمة التي أبدتها طهران ودمشق في إدارة الصراع مع الأميركيين.

الانسحاب الأميركي من العراق، بكل ما ينطوي عليه من دلالات وأبعاد ونتائج استراتيجية سلبية على الولايات المتحدة، لن يعني بالتأكيد استسلاماً أميركياً، وكل قدرات واشنطن وحلفائها سيجري تفعيلها خلال فترة الانسحاب وما بعده، ضد محور المقاومة. في المرحلة الحالية، يتواكب الانسحاب من العراق مع مسارين أميركيين، بمؤازرة سخيّة من «الاعتدال العربي» وإسرائيل، للحدّ من خسائر الانسحاب حيال قوى المقاومة. المسار الأول هو التهويل على إيران عبر إسرائيل، وتحديداً عبر البوابة النووية، بما يشمل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما يؤمّل منه لاحقاً من ضغوط «قاتلة» على إيران. إلى جانب ذلك، في المسار الثاني، تأتي الهجمة على سوريا، المفعّلة منذ آذار الماضي، وكان آخرها موقف الجامعة العربية بعزل سوريا بعد فشل مرحلة من مراحل الرهانات الداخلية، مع توقع تواصل الضغط على هذا المسار، حتى آخر قدراته.هذه هي المعركة الأميركية الحالية في المنطقة، وما يجري ضد سوريا وإيران وقوس المقاومة عموماً.. تفاصيل لها. جانب أميركي خاسر يريد الحدّ من خسارته، أو التعويض عنها، أو، أقله، دفع أعدائه إلى التموضع دفاعياً. الأمل هو الآتي: إن كانت هزيمة الاستراتيجية الأميركية لا يمكن احتواؤها، وباتت حقيقة قائمة، فلا ضرورة لأن تكون مكسباً لجهات المقاومة، أو مكسباً كاملاً.

في العودة إلى آمال 14 آذار، يجب أن يكون السؤال هو الآتي: هل ما يمارس من ضغوط عربية على سوريا مقدمة لعمل عسكري، أم هو بديل من عمل عسكري متعذر؟ وقبل ذلك، مروحة واسعة من الأسئلة التي ستكون حاضرة بقوة أمام بحث الخيار العسكري، وعلى رأسها: موقف حزب الله الأخير، الحاسم والحازم في مواجهة أي تدخل دولي في سوريا… الموقف الإيراني المعلن من أعلى مستويات القرار في طهران، بما يرتبط بالمعادلة المفروضة إيرانياً، في مقابل استهداف سوريا… تماسك المؤسسة العسكرية السورية مع ما تملكه من قدرات عسكرية نوعية.. وأخيراً، من يملك القدرة والجرأة على اتخاذ قرار شن عملية عسكرية ضد سوريا، بهدف إسقاط النظام فيها، من دون أن تكون حاضرة لديه إمكانات مرتفعة جداً بالتدحرج نحو حرب إقليمية، سيكون الخاسر الأكبر فيها إسرائيل والولايات المتحدة.

للاستئناس، كان لافتاً ما ورد في صحيفة النخبة الإسرائيلية، هآرتس، حيال التطورات السورية. وإسرائيل، كما هو معلوم، تتقاطع في المصلحة ضد سوريا، في أقل تقدير، مع مجموعة 14 آذار في لبنان:
«من المشكوك فيه أن تستغل الدول الغربية عملية إعداد الدول العربية الأرضية لشنّ هجوم عسكري على سوريا، كما حصل في ليبيا، على خلفية أن أي عملية في سوريا من هذا النوع ستكون لها آثار إقليمية دراماتيكية، إذا ما قررت إيران فتح جبهة مقابلها، وإذا ما قرر حزب الله، كما هدّد أمينه العام، مهاجمة إسرائيل. إن أي عملية عسكرية ضد سوريا يمكن أن يفهمها الإيرانيون أيضاً أنها تمهيد لمهاجمة إيران، في الوقت الذي تبذل فيه الدول الغربية جهودها لتهدئة المخاوف الإيرانية والروسية والصينية من هجوم كهذا». 

السابق
عون يسوّق لتجمّع “أقلّوي” يشمل اليهود
التالي
فتفت: موقف الحكومة مخزٍ ومعيب