السفير: دمشق تختبر نوايا التدويل العربية … باقتراح قمة طارئة

دعت دمشق، أمس، إلى عقد قمة عربية طارئة مخصصة للشأن السوري، في محاولة قد تكون أخيرة لتجنب تدويل الأزمة، لا سيما مع شكوك القيادة السورية بأن المبادرة العربية تهدف بشكل مبطن إلى إحراج الموقف الروسي والتمهيد للتدخل الدولي، ووسط مخاوف من دخول تركيا مجددا على خط الأزمة.
وقد استقبل قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية بوجوم، ما لبث أن تحول إلى غضب أصابت آثاره بعثات دبلوماسية عربية وغربية في سوريا. وردت دمشق على القررا بمسيرات شعبية كبيرة شلت حركة العاصمة ومدن أخرى، فيما جاء الرد السياسي في مستويين، الأول قدمه مندوب سوريا الدائم في الجامعة العربية يوسف احمد ونفى فيه قانونية قرار التعليق أو ميثاقيته ونعى العمل العربي المشترك، فيما جاء الثاني عبر الدعوة لقمة عربية طارئة مع الترحيب بمجيء اللجنة الوزارية العربية مصحوبة بمن تريد من المراقبين والخبراء والاعلاميين، قبل يوم الاربعاء السادس عشر من تشرين الثاني المحدد لتنفيذ قرار
تعليق العضوية وانعقاد اجتماع اللجنة في الرباط على هامش مؤتمر وزاري عربي تركي.
وتسعى دمشق من هذه الخطوة إلى إبقاء الأزمة السورية في صالات الجامعة العربية من جهة كما سد الذرائع أمام رئاسة اللجنة وأمانة الجامعة، خصوصا أن المهلة المعطاة لا تتعدى أربعة أيام. وثمة توجس كبير في دمشق من أن تكون خطوة الجامعة أول أمس هي باتجاه «شرعنة التدخل الدولي العسكري»، خصوصا في ضوء حديث المعارضة عن «الاتفاق مع تركيا على منطقة عازلة في الشمال». وثمة آمال ضئيلة بأن تتبنى رئاسة اللجنة أيا من الاقتراحات التي طرحتها دمشق أمس، خصوصا في ظل اعتمادها على التقارير الإعلامية في تقييمها للأحداث على الأرض، وغياب آليات عملها منذ بدء تشكيلها من جهة أخرى. وسيعقد وزير الخارجية السوري وليد المعلم مؤتمرا صحافيا في مبنى الخارجية السورية اليوم، فيما تروج شائعات عن خطاب قريب للرئيس بشار الأسد حيال التطورات الأخيرة.
وكان الأسد التقى بطريرك موسكو وسائر روسيا البطريرك كيريل الذي وضع زيارته في إطار «تأكيد للعلاقات الوطيدة بين الشعبين الروسي والسوري ونظرا للمكانة الكبيرة التي تتمتع بها سوريا تاريخيا ودينيا». وأعرب البطريرك وفقا لـ«سانا» عن «أمله بأن يتجاوز الشعب السوري الأزمة التي تمر بها البلاد وأن تظل سوريا بلد المحبة والسلام».
بدوره أعرب الأسد عن تقديره للبطريرك وللشعب والقيادة الروسية لوقوفها إلى جانب الشعب السوري. وقال إن «سوريا التي لعبت دورا مهما عبر التاريخ في نشر الشرائع السماوية وثقافة المحبة والأخوة في جميع أنحاء العالم مستمرة في لعب هذا الدور بحكم تاريخها ومكانتها في الشرق الأوسط والعالم». (تفاصيل صفحة 13)
في هذا الوقت، ملأ مئات آلاف السوريين ساحات دمشق ومدن أخرى أبرزها حلب والحسكة وطرطوس واللاذقية، طوال ساعات النهار امس، مرددين هتافات مناهضة لقرار الجامعة العربية ومؤيدة للرئيس الاسد وبرنامجه الاصلاحي.
وقال مصدر مسؤول باسم الجمهورية العربية السورية، وفقا لما نقلته «سانا»، إنه «بصرف النظر عن الدخول في جدل عقيم حول ميثاقية وقانونية قرار مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بتاريخ 12 الحالي، ومدى تلازم هذا القرار مع أهداف ومبادئ الميثاق الذي كانت سوريا إحدى الدول التي وضعته، والذي قامت جامعة الدول العربية على أساسه، فإن سوريا التي وافقت بتاريخ 2 الحالي، على خطة العمل العربية التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة السورية لا تزال ترى فيها إطارا مناسبا لمعالجة الأزمة السورية بعيدا عن أي تدخل خارجي، وذلك بالرغم من كل ما شاب هذه الخطة من نواقص وثغرات، وافتقارها للآليات العملية التي يجب الاتفاق عليها بين الحكومة السورية واللجنة العربية لتنفيذها».
وقال المصدر: نظرا لأن تداعيات الأزمة السورية يمكن أن تمس الأمن القومي وتلحق ضررا فادحا بالعمل العربي المشترك، فإن القيادة السورية تقترح الآتي:
أولاً: الدعوة العاجلة لعقد قمة عربية طارئة مخصصة لمعالجة الأزمة السورية والنظر في تداعياتها السلبية على الوضع العربي.
ثانياً: الترحيب بقدوم اللجنة الوزارية العربية إلى سوريا قبل 16 الحالي، واصطحاب من تراه ملائما من مراقبين وخبراء مدنيين وعسكريين من دول اللجنة ومن وسائل إعلام عربية للاطلاع المباشر على ما يجري على الأرض، والإشراف على تنفيذ المبادرة العربية بالتعاون مع الحكومة والسلطات السورية المعنية.  
ثالثاً: مطالبة الأمانة العامة للجامعة العربية، وفي مقدمتها الأمين العام للجامعة (نبيل العربي) بالتحرك السريع لوضع هذه المقترحات موضع التنفيذ. وأكد مندوب سوريا لدى الجامعة العربية يوسف احمد أنه سيتم تسليم الدعوة للجامعة العربية خلال الساعات القليلة المقبلة، موضحا ان دمشق تريد عقد القمة في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية على أن يحدد موعدها في الوقت الذي يتفق عليه القادة العرب.
وسبق لأحمد أن نفى قانونية القرار أو ميثاقيته (تبعا لميثاق الجامعة)، مؤكداً أنه «ليس جديداً بل كان مبيتاً منذ فترة»، محذراً من وصفهم بـ«العملاء» بأن «سوريا ستحاسب الجميع»، ولافتاً أيضاً إلى أن قرار الجامعة تجاه سوريا مرفوض ولا يساوي «الحبر الذي كتب به». ووصف القرار بأنه نعي للعمل العربي المشترك وإعلان فاضح بأن إدارته تخضع لأجندات أميركية غربية.
وفي كلمة له خلال الاجتماع، أكد أحمد التزام سوريا واستمرارها في تنفيذ جميع بنود خطة العمل العربية، وأنها قطعت شوطا كبيرا في تحقيق ذلك، رغم محاولات جهات مسلحة في الداخل مرتبطة بدول وأطراف في الخارج لإجهاض الخطة منذ اليوم الأول لإعلان التوصل إليها. وقال إنه «في الليلة التي صدر فيها قرار مجلس الجامعة تم العثور على 68 جثة لمواطنين قتلوا برصاص الجماعات المسلحة».
وأشار أحمد إلى أن «الكثير من جهات المعارضة السورية الوطنية في الداخل والخارج بدأت تتعرض بعد إقرار خطة العمل العربية لحملة ترهيب وترغيب بكل الوسائل من أجل رفض الحوار مع السلطة والانضمام إلى مجلس إسطنبول الذي يسعى إلى استدعاء التدخل الخارجي». وأوضح أن «الجامعة تسعى منذ البداية لاستدعاء تدخل خارجي مهما كانت أثمانه على المنطقة»، لافتاً إلى أن «الرهان على تمرد الجيش هو رهان خاسر، وقد حاولوا شقه ولكنهم فشلوا».
واعتبر أحمد أن «الجامعة نُسفت، ومن خلال السلوك المريب لرئاستها، بالتواطؤ مع الأمانة العامة»، مؤكداً أن «ما يصيب سوريا من شر سيطال الجميع ولن ينجو منه أحد».
وأعلنت سوريا انسحابها من دورة الالعاب العربية التي تستضيفها الدوحة من 9 الى 23 كانون الاول المقبل. وقالت اللجنة الاولمبية السورية في بيان «لن يكون (رياضيو سوريا) في الاستحقاق العربي الرياضي المقبل لانهم سيستبدلون لباسهم الرياضي باللباس العسكري للوقوف في وجه المؤامرة وللحفاظ على الارض والانسان والوطن».
كما نقل شهود عيان أن مئات من المواطنين السوريين تجمعوا أمام السفارتين السعودية والقطرية، فاضطرت قوات الأمن إلى تفريق الحشود الغاضبة التي حاولت اقتحام المقرين بالقنابل المسيلة للدموع.
ورفض سياسيون سوريون القرار في الوقت الذي رحبت به أغلبية قوى المعارضة، ولا سيما الموجودة في الخارج. وقال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في سوريا علي حيدر إن قرارات الجامعة هي بمثابة إعلان حرب على سوريا، وهي خطوة أولى نحو أخذ سوريا إلى مجلس الأمن عبر الجامعة العربية. واعتبر قرارات الجامعة انقلابا على أجواء التفاهم التي سادت ليلة اجتماع وزراء الخارجية العرب عندما رحبت سوريا بوفود ومراقبين من الجامعة العربية، قائلا «لقد شهد اليوم انقلابا لعبت قطر والسعودية دوراً بارزاً فيه».
من جانبه، قال رئيس تيار بناء الدولة السورية لؤي حسين إن قرارات الجامعة بمجملها تأخذ الوضع السوري إلى التدويل، والهدف منها إزاحة الملف السوري عن كاهل الجامعة، وإن الجامعة تقاعست عن دورها الفعّال واكتفت بإصدار البيانات. وأضاف أن دعوة المعارضة لعقد اجتماع خلال 3 أيام غير ممكن، نظراً لاختلاف وجهات النظر بين تلك القوى، مشيرا إلى أن الجامعة سوف تكتفي بعقد اجتماع مع المجلس الوطني السوري.
وأصدر المجلس الوطني السوري بيانا رحب فيه بقرار الجامعة العربية معتبرا انه «خطوة في الاتجاه الصحيح وتمثل ادانة واضحة للنظام السوري الذي امعن في عمليات القتل والتدمير». وحث على تنفيذ القرارات التي اتخذتها الجامعة فورا «لمنع النظام من استغلالها في قتل مزيد من المدنيين والمتظاهرين». وقابل وفد من المجلس مساء امس وزير الخارجية التركية احمد داوود اوغلو في انقرة. وكان موقع «زمان الوصل» المعارض نقل عن عضو مؤتمر انطاليا عمار قربي أن المعارضة والحكومة التركية متوافقتان على ضرورة وجود منطقة عازلة في شمال سوريا، وأن المعارضة تريدها بعمق 30 كم فيما تريدها تركيا بعمق 5 كيلومترات!
من جهة أخرى قالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«السفير» إنها لا تستبعد أن يصدر الاتحاد الأوروبي قرارا بسحب السفراء الغربيين من سوريا، مشيرة إلى أن «دول أوروبا لا تستطيع أن تتصرف بما هو أقل من تصرف الدول العربية».
ردود فعل
وكان وزراء الخارجية العرب قرروا، أول أمس، تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، كما اعترفوا ضمنا بالمعارضة السورية ودعوها إلى اجتماع في مقر الجامعة لبحث «المرحلة الانتقالية المقبلة». وطالب القرار، الذي رفضه لبنان واليمن وامتنع العراق عن التصويت عليه، «الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق»، لكنه اعتبر ذلك «قرارا سياديا لكل دولة». كما اتفق الوزراء على «توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية» على الحكومة السورية.
وفي الجزائر، (ا ف ب، ا ب، رويترز، ا ش ا) اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية عمار بيلاني ان اجتماعا استثنائيا لوزراء الخارجية العرب سيعقد الاربعاء في الرباط للبحث في الملف السوري.
وأعلن الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل في العاصمة الليبية طرابلس، «المطلوب الآن من الجامعة العربية توفير آلية لحماية المدنيين» بدون اعطاء المزيد من التوضيحات. وأعلن ان ممثلين عن الجامعة سيلتقون مع المعارضة غدا.
وأعلن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي في مؤتمر صحافي عقده مع نطيره المصري محمد كامل عمرو ان «تعليق عضوية سوريا مؤقت ويمكن رفعه في أقرب وقت ممكن» مضيفا «ولما لا قبل 16 الحالي بما ان هناك اجتماعا مقررا في الرباط في هذا التاريخ».
وكشف مدلسي أن «الجزائر ومصر دافعتا عن ورقة تختلف عن الورقة الأصلية المطروحة على طاولة الجامعة العربية بخصوص سوريا بهدف منع تدخل أطراف أجنبية في سوريا» من دون أن يكشف عن تفاصيل الورقة الأصلية التي تزعمتها قطر. وأشار إلى أن «دور الجزائر ومصر كان حاسما بخصوص تعديل الورقة الأصلية ولو كانت الورقة مرّت من دون تعديل لانسحبت الجزائر من اللجنة العربية». وشدد على أن بلاده «لن تسحب سفيرها من سوريا كما أن السفير السوري سيبقى في الجزائر وذلك من أجل العمل بصورة فعالة أكثر مع السوريين لتطبيق مبادرة الجامعة العربية».
ومن جهته اكد وزير الخارجية المصري ان الهدف الاساسي للمبادرة العربية هو «تجنب التدخل الاجنبي في سوريا». وقال «هدفنا واحد هو ان مبادرة الجامعة العربية ما زالت حية وما زالت اساس الحل في سوريا، وهدف الجزائر وهدف مصر هو تجنب التدخل الاجنبي في سوريا تحت اي مسمى وتحت اي غطاء».
وانتقد المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ بشدة قرار الجامعة العربية بتعليق مشاركة سوريا في نشاطاتها واجتماعاتها، معتبرا انه «امر غير مقبول». وأكد انه لم يتخذ قرار إزاء دول لديها ازمات اكبر من الازمة السورية.
وفي طهران، قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية النائب كاظم جلالي إن اللجنة أكدت خلال اجتماعها أمس «دعم سوريا باعتبارها محورا مهما للمقاومة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست ان «قرار الجامعة العربية حيال التطورات في سوريا لن يساعد في حل المشكلة ولكن سيعقدها». وأضاف «ان قرار الجامعة جاء في الوقت الذي تحاول فيه قوى اجنبية التدخل في الشؤون السورية»، داعيا الى الحوار «من اجل السلام والاستقرار». وتابع ان «الارضية جاهزة من اجل نجاح الاصلاحات التي يطبقها الرئيس السوري وشعبه».
وأشاد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، في بيان امس، بالقرار الذي اتخذته الجامعة العربية، واصفا اياه بالقرار «القوي والشجاع». ودعا السلطات السورية الى «التجاوب مع نداء الجامعة العربية الذي طلب منها الوقف الفوري للعنف الذي يمارس من قبل الجيش ضد المدنيين، والتطبيق الكامل والسريع لبرنامج العمل» الذي صدر عن الجامعة العربية.
كما رحب الامين العام ايضا بـ«الرغبة التي ابدتها الجامعة العربية لتقديم حماية للمدنيين مبديا استعداده لتقديم الدعم المناسب في حال طلب منه ذلك».
ورحبت الدول الغربية بعزلة سوريا «المتزايدة». وقال الرئيس الاميركي باراك اوباما انه سيواصل حشد الضغوط على القيادة السورية. وقال «هذه الخطوات الملموسة تكشف عن العزلة الدبلوماسية المتزايدة لنظام دأب على انتهاك حقوق الانسان وقمع الاحتجاجات السلمية».
وأضاف ان «الولايات المتحدة تنضم الى الجامعة العربية في دعم الشعب السوري الذي يواصل المطالبة باحترام حقوقه العالمية في مواجهة العنف اللاانساني للنظام». وتابع «سنتابع العمل مع اصدقائنا وحلفائنا للضغط على نظام الاسد ودعم الشعب السوري في الوقت الذي يطالب فيه بما يستحقه من كرامة وانتقال الى الديموقراطية».
وأكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف استعداد بلاده لمساعدة الأطراف المتنازعة في الأزمة السياسية السورية لبدء حوار يهدف إلى تحقيق المصالحة بين الجانبين. وعبر عن أسفه حيال ممثلين محددين للمعارضة السورية خاصة أولئك الذين يعيشون في تركيا والولايات المتحدة ويرفضون أي مقترحات ترمي إلى إجراء محادثات مع السلطات السورية. وأضاف «نحن نحاول إقناع المعارضة بتبني منهج بناء لدرجة أكبر وأن يحرصوا على مصلحة بلدهم».
كما رحب بقرار الجامعة العربية كل من وزراء خارجية المانيا غيدو فسترفيله وفرنسا الان جوبيه وبريطانيا ويليام هيغ.
ميدانيا، اعلن المرصد السوري لحقوق الانسان، في بيان امس، «مقتل 11 مدنيا برصاص الامن في حماه وحمص ودير الزور وريف ادلب». وأكد «مقتل اثنين من عناصر الامن وجرح آخر اثر هجوم نفذه مسلحون يعتقد انهم منشقون على دورية امنية في سوق مدينة القصير» في ريف حمص. وكان المرصد اعلن «مقتل 22 شخصا السبت، غالبيتهم من العسكريين».  

السابق
النهار: المعارضة نحو طرح الثقة بوزير الخارجية وجنبلاط: لم نكن نحتاج إلى مثل موقف صالح
التالي
إلتفافة !!؟