تواطؤ الشعوب خير من تواطؤ الأنظمة

ليس قرار جامعة الدول العربية بتجميد عضوية سورية مفاجئا بصدوره، بل ربما تأخر كثيرا، فبعد ثمانية شهور على الانتفاضة الشعبية، عجز النظام السوري عن الاستفادة من الفرص العربية والدولية التي شجعته على ان يخطو نحو ما يدعو اليه ويتبناه قولا: الاصلاح السياسي. النظام السوري لم يجد غير الحل الامني عمليا كوسيلة لاسكات الشعب وكتم صراخه ومطالبه بالحرية والنظام الديمقراطي.
هو لم يقنع احدا انه في وارد تقديم شيء جيد وجديد لشعبه يمكن ان يشار له بالبنان، يفيد ان النظام فعلا اقتنع بالاصلاح. بل راح رجاله، وهم يتلون القصائد العصماء بوعود الاصلاح، يعلقون اسباب الاستبداد والفساد والسطوة الامنية على مشجب المؤامرات الخارجية، وصار السوريون، وهم يعدون قتلاهم واسراهم بيد النظام والشبيحة، لا يسمعون سوى ان النظام لم ينل فرصة لتحقيق الاصلاح.
غريب ان ينظر الى كل العقود الماضية على انها لم تكن فرصا قدمت للنظام واتاحها الشعب له، لكن النظام كان عصياً على مطالب الاصلاح ويستمر بزج المعارضين في السجون، وبمزيد من استخدام وسائل القمع على اشد ما يعرف منها ضد كل صوت معارض داع إلى تعددية سياسية وشراكة وطنية في السلطة والدولة. هي فرص، ان لم تكن مئات الفرص، أتاحها الشعب طوعا وكرها لنظام الحكم ولكن دون جدوى.
ليست الجامعة العربية غير التي كانتها قبل سنوات ولا مختلفة عن حال كانته قبل عقود، ولا يقع قرار تجميد عضوية سورية الذي اتخذته خارج سياق ما كانت اعتمدته من قرارات في محطات سياسية مشابهة، نظرا الى ما تحمله من اخطار وتداعيات، وكان آخرها ليبيا التي لم تعط الفرص لنظامها كما النظام في سورية. ويمكن الاستعانة بالخطاب السوري ومردديه هذه الايام في وصف تخلّي جامعة الدول العربية بشكل شبه كامل عن النظام السوري، وعن انحيازها الى المتآمرين، ولكن ان نستمع الى هذا الخطاب الممجوج لا يعني ان نقف عاجزين او صامتين عن تحميل النظام السوري وحده دون غيره مسؤولية استمراره في دفع البلاد الى المواجهة الدموية بين السلطة والشعب منذ 8 شهور. فهذا النظام اضاع فرصا ولا يزال وسيظل مستهلكا لها او يستثمرها اذا اتيحت له، من اجل تأبيد النظام المستبد.
التدخل الخارجي هو الفزاعة التي يستخدمها النظام السوري منذ زمن، ليشحن طاقة المصادرة ومقاومة الاصلاح لديه. هي الوسيلة الناجعة التي امكن من خلالها توريث السلطة في بلاد البعث وجمهوريته، وهي السلاح السري والوهمي في آن، لتبرير امساك الاقلية بكل ابعادها الاجتماعية والسياسية بالسلطة وبالدولة وثرواتها وبالمجتمع. يريد النظام السوري ان يخيّر شعبه اليوم بين التدخل الخارجي او استمرار النزف اليومي لارواح الناس، ويخيّره بين التدخل الخارجي واستمرار النظام الاسدي. وكأن دم المواطن السوري، الذي يهرق من قبل شبيحة النظام وادواته، لا يستحق من دعاة العذرية القومية، كما يدّعيها النظام، ان يقابل باستقالة هذا النظام بعد كل هذه الضحايا، او يحاول ان يستر ما تبقى من عورات لم تكشف بعد بالاعتراف بأنه فشل في بناء السلطة.
ثمة رهاب يجري اختلاقه وترويجه هو التدخل الخارجي. لا احد يقبل ان يتدخل طرف خارجي في شؤون دولته بالطبع، ولكن لا احد يستطيع ان يرفض هذا التدخل الذي ينطوي على مخاطر، في مقابل اقتناعه بان النظام الحاكم مستمر في القتل والبطش ومستمر في سد الأفق امام اي تغيير حقيقي في النظام السياسي. انه باختصار سلوك النظام واستهانته بمواطنيه وحقوقهم، وتماديه في القتل والتشريد، وعدم استجابته لكل الدعوات الاصلاحية منذ عقود، كلها عناصر نموذجية تدفع نحو التدخل الخارجي. فالنظام السوري ليس لديه من الحرج ان يقتل عشرات الآلاف من شعبه اذا ضمن ان احدا لن يتدخل لمنعه في الخارج. هذه حقيقة اثبتتها الوقائع ورسختها في اذهان السوريين من مؤيدي النظام ومعارضيه. ازاء هذه الحقيقة لن تقف الشعوب، ومنها الشعب السوري، متفرجة على آلة القتل التي تنهش من جسده، ثم يرفض يد العون الممدودة، أكانت من العرب او من الغرب.
الشعوب ايضا تتواطؤ مع الغير في سبيل بقائها، كما الانظمة تواطأت مع الخارج ضد شعبها لتبقى وتستمر… وبين تواطؤ الشعوب وتواطؤ الانظمة يبقى الاول هو الاسلم والافضل.

السابق
بري للملك السعودي: لا أرى غيركم لمصالحة ليس بين السوريين فحسب بل بين العرب
التالي
اللواء: برّي يناشد الملك عبد الله التدّخل لطائف سوري ومصالحة العرب والعرب