تقرير الوكالة مسيّس

أفهم ان تبدي الإمارات العربية المتحدة القلق من البرنامج النووي الإيراني، فإيران تعبر الخليج منها، وتحتل جزرها الثلاث، وترسل اليها تهديدات في السر والعلن.

غير ان حملة اسرائيل على البرنامج النووي الإيراني فجور سياسي من مستوى اللاسامية النازية التي انتهت بالمحرقة، فدولة مجرمة محتلة تملك ترسانة نووية تريد مهاجمة دولة لا تملك قنبلة نووية، ثم ان الضربة العسكرية التي تعمل لها اسرائيل لتدمير المنشآت النووية الإيرانية قد لا تسفر عن اكثر من بضع مئة قتيل، وقد تثير حروباً طويلة الامد في المنطقة والخارج، تنتهي بمئات ألوف القتلى، أو مليون أو أكثر، كما حدث في العراق.

حكومة مجرمي الحرب برئاسة بنيامين نتانياهو قررت سلفاً أن تقرير وكالة الطاقة النووية الذرية سيؤكد أن لإيران برنامجاً نووياً عسكرياً سرياً في مرحلة متقدمة. ولن اعود الى ما قبل سنة او سنتين، وانما الى افتتاح دورة الشتاء في الكنيست في آخر يوم من الشهر الماضي، فنتانياهو قال في خطاب الافتتاح إن إيران نووية تهدد اسرائيل، وهو الكلام نفسه الذي قاله وزير الدفاع ايهود باراك.

الافتتاح كان يوم الإثنين 31/10/2011، وتقرير الوكالة عن برنامج إيران النووي صدر في 8/11/2011، اي يوم الثلثاء من الاسبوع التالي، وبعد ثمانية ايام كاملة، ومع ذلك، فكل وزير في الحكومة الاسرائيلية الفاشستية هدد إيران وطالب بعدم طرح موضوع الضربة المقبلة علناً للحفاظ على السرية.

نائب رئيس الوزراء موشي يعالون قال ان الضربة العسكرية آخر خيار ولكن يجب ان تستعد إسرائيل لها.

ونائب رئيس الوزراء ووزير شؤون الاستخبارات دان مريدور، قال إن الإعلان عن الضربة نوع من الجنون.

وكرر وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الكلام السابق، وقال ان طرح الموضوع علناً يتسبب في ضرر بالغ.

ورد المعلق جدعون ليفي في «هاآرتز» على الجميع، وبدوره اتهم دعاة ضرب إيران بالجنون، وقال ان إيران لو حصلت على قنبلة نووية، فهي لن تستعملها، لانها لو فعلت ستنتحر، وانما ستكون ملكية القنبلة ضمانة لها فلا يهاجمها طرف خارجي.

دعاة الضربة يمثلون الغالبية في الكنيست، ويقابلهم حزبا كديما والعمل وأركان المؤسستين العسكرية والامنية، فهؤلاء يعرفون ان الضربة سترتد على اسرائيل. ومجرم الحرب مائير داغان، رئيس موساد السابق، عارض الضربة وهاجم دعاتها ودعاهم ان يحولوه الى المحكمة ليناقشهم فيها. وعارض الضربة ايضا افراييم هاليفي، رئيس موساد الاسبق، وهو أثار ضجة كبيرة بدوره، عندما قال ان تطرف الحراديم، اي اليهود الشرقيين، خطر اكبر على اسرائيل من خطر احمدي نجاد.

لو كنت من دعاة الحرب لتمنيت ضربة عسكرية لإيران، لأن اسرائيل ستدفع ثمناً هائلاً لها، غير انني اعارض الضربة حفظاً لأرواح الناس جميعاً، ثم أحذر بعض المسؤولين في الخليج من الانسياق في مشروع اسرائيلي غير مبرر اطلاقاً.

تقرير وكالة الطاقة الذرية الدولية موجود بنصه الكامل، وهو لا يقول ابداً إن إيران تنفّذ برنامجاً سرياً لإنتاج قنبلة نووية، وإنما يبدي القلق ويقول إنها تسعى للمعرفة الخاصة بإنتاج القنبلة. وهو يقول ان المنشآت التي فتشها المراقبون كانت سلمية، الا انه يتحدث عن مصنع لانتاج الماء الثقيل قرب طهران مع ان هذا غير مشمول باتفاقات الوكالة مع إيران. والتقرير يعترف بأن إيران اوقفت برنامجها النووي العسكري سنة 2003، وهو ما أعلنه تقرير تقديرات الاستخبارات الوطنية الاميركي سنة 2007.

تقرير الوكالة مسيّس، بل يكفي ان يعرف القارئ ان رئيسها يوكيا امانو زار واشنطن قبل صدور التقرير باثني عشر يوماً، واجتمع مع كبار المسؤولين في مجلس الامن القومي، مع انه لا حقّ اطلاقاً للولايات المتحدة ان تعرف عن التقرير قبل صدوره، او ان يناقشها امانو في معلوماته.

وهكذا، فنحن امام وضع لا يجزم فيه تقرير وكالة الطاقة الذرية بشيء عن برنامج نووي عسكري إيراني، وانما يدخل في ربما ولعل وعسى، ويبدي القلق، والشك حتماً في صالح المتهم، وتصر اسرائيل والليكوديون الاميركيون على ان الموضوع حسم وإيران تصنع قنبلة نووية او تملكها، وتريد من العالم، واميركا تحديداً، ان يضربها نيابة عنها.

السابق
العجز الذي يتقاسمه الجميع
التالي
رعد دعا المراهنين على الخارج لأن يحفظوا ما تبقى من ماء وجوههم المبذولة