لماذا قرر الحريري القطع مع بري؟

في خضم الأحداث والتطورات المتلاحقة في لبنان والمنطقة، توقف المراقبون السياسيون باهتمام عند الموقف الصادر عن الرئيس سعد الحريري (عبر موقع «تويتر») بإعلانه القطيعة السياسية مع الرئيس نبيه بري وأنه سيقف ضد التجديد له في رئاسة مجلس النواب بعد انتخابات العام 2013، وبما يعني أن الحريري أخرج بري من حساباته السياسية المستقبلية في حال نجح باستعادة الأكثرية النيابية، وأن هذا الكلام يعكس ضمنا أمرين أساسيين: الأول أن الحريري يقر بأنه أخطأ في تقديره وتقييمه السياسي لبري وأنه نادم على ذلك، والثاني أن الحريري «يراهن» على تطورات ومتغيرات ومعادلة جديدة تعيده الى الحكم وتكون معاكسة لتلك التي أخرجته. وإذا كان قرار إقصائه، كما يقول، اتخذه الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله فإن قرار عودته، كما يتوقع، يعلنه سقوط الأسد.
وفي الواقع فإن إقدام الرئيس الحريري على فتح النار السياسية على بري شكل مفاجأة للجميع خصوما وحلفاء: خصوم الحريري لم يتوقعوا أن يقدم على قطع خيط الاتصال والتواصل الذي يربطه بالطائفة الشيعية عبر أحد أبرز أركانها، وحلفاء الحريري لم يتوقعوا أن يقدم على فتح معركة رئاسة المجلس من الآن، فالوقت باكر جدا والمسافة السياسية الفاصلة بعيدة وحافلة بالأحداث والمتغيرات…

أوساط متابعة لمسار العلاقة بين بري والحريري لاحظت أنها وقعت عمليا في حال قطيعة منذ لحظة خروج الحريري من الحكم لتشهد بعد ذلك توترا متصاعدا بلغ ذروته في حملة الاتهام والتشهير المتبادلة عبر وثائق ويكيليكس ومحاضر حرب يوليو… وكانت لحظة خروج أو إخراج الحريري بطريقة سياسية درامية من رئاسة الحكومة هي لحظة انقطاع علاقته مع بري ولحظة إصابته بصدمة وخيبة عميقة وتيقنه بأنها كانت علاقة من طرف واحد وأن الرهان على بري لم يكن في محله، وأنه ارتكب خطأ سياسيا فادحا عندما وقف الى جانب خيار التجديد له في رئاسة مجلس النواب بعد انتخابات العام 2009 التي حققت فيها 14 آذار فوزا واضحا، وهذا التجديد حصل رغم تجربة غير مشجعة مع بري في فترة ما بين 2005 و2009 كان المجلس النيابي فيها مغلقا، وهذا التجديد كلف الحريري الاصطدام بحلفاء أساسيين له في 14 آذار اعترضوا واعتبروا أن الحريري يفرط بالانتصار الانتخابي ويقدم رئاسة المجلس مجانا ومن دون مقابل وشروط. كما كلفه احتجاجات شخصيات شيعية مؤيدة لـ 14 آذار ومناهضة لبري ترى نفسها متضررة من هذه السياسة التي لا تحسن مخاطبة المعارضة الشيعية والتعاطي معها.

كان الحريري منزعجا من بري ومواقفه التي تصب تماما عند حزب الله خصوصا في موضوع المحكمة الدولية، ومن ممارسته السياسية التي تختلط وتتداخل فيها اعتبارات رئاسته للمجلس ولحركة أمل في آن… ولكن النقطة التي طفح بها كيل الحريري كانت عندما خرج من رئاسة الحكومة وتأكد لاحقا أن بري لعب دورا أساسيا في عملية إقصائه والإتيان بالرئيس نجيب ميقاتي، وفي «تسويق» ميقاتي، بالاتفاق مع جنبلاط، لدى القيادة السورية… واعتبر الحريري أنه كان على بري أن يرد له التحية بالمثل عندما دعم بقاءه في رئاسة المجلس انطلاقا من «التوازنات والخصوصيات السياسية والطائفية» التي أملت عليه احترام رغبة الأكثرية الشيعية في مجلس النواب، وكان على بري ومن المنطلق عينه أن يراعي التوازن السياسي والطائفي والأكثرية السنية في مجلس النواب التي يمثلها تيار المستقبل… ولكن هذا لم يحصل وهو ما يتيح للحريري ويبرر له أن يرد مستقبلا بالطريقة نفسها ويقف ضد إعادة انتخاب بري رئيسا للمجلس حتى لو كان مدعوما من أكثرية شيعية، وأن يعمل على إيصال شخصية شيعية حليفة أو صديقة لتيار المستقبل وفي مقدمها الوزير السابق محمد عبدالحميد بيضون الذي سينقل ترشيحه الى بيروت…

«الإخلال بقواعد اللعبة» ستكون إحدى نتائج المبارزة المفتوحة بين بري والحريري… أما النتيجة المباشرة فهي من جهة تصاعد حالة التوتر والتشنج في المجلس النيابي، وهو ما ستظهره جلسة الاربعاء المقبل… ومن جهة أخرى سقوط مشروع الحوار في مهده، وحيث يبدو أن دعوة بري الحوارية استفزت الحريري وأثارته، إذ كيف يستوي حوار وطني يكون الرئيس نجيب ميقاتي على رأسه ممثلا الطائفة السنية، ولا يكون هو حاضرا فيه، في وقت يسعى بري الى إقناع السنيورة ويرى فيه بديلا مقنعا وكافيا.

بالطبع هناك أسباب وحسابات أخرى أكثر عمقا تقف وراء رفض الحريري لـ «حوار بري»، وأولها ما يتصل بتطور الوضع في سورية وانتظار ما سيؤول إليه… فعندما يقرر الحريري أنه لا مكان لبري بعد سنة في رئاسة المجلس والمعادلة السياسية، وعندما يقرر جنبلاط إرجاء استقالته من رئاسة الحزب الاشتراكي تماشيا مع الربيع العربي الى ما بعد سنة من الآن… فإن هذه حسابات لبنانية ذات صلة بالمتغيرات السورية ومن جانب حليفين فرقتهما حكومة 2011 لتعود وتجمعهما انتخابات الـ 2013.
  

السابق
اقطعوا يد من يقاطع إسرائيل!
التالي
الحياة: نصرالله: الرهان على سقوط نظام الأسد سيفشل