رجال ضد العنف ضد المرأة

كيف يمكن لرجال يعيشون في القرن الحادي والعشرين، أن يدّعوا أنهم على قدر من الانسانية، وكثير منهم، ما زال يؤمن بحقه في تعنيف المرأة؟
كيف يمكن للأمهات، والأخوات، والفتيات أن يخلدن إلى النوم بأمان، ويخرجن إلى نهاراتهن، وهن محاطات بأزواج وآباء وأشقاء وأبناء لا يترددون في المجاهرة بسلطتهم الجسدية عليهن؟ السؤالان بديهيان، انما يحمل كل منهما كماً لا بأس به من القسوة والايلام على نساء ما زلن يعجزن عن العيش بكرامة في ظل مجتمع تطغى موروثاته الاجتماعية المغلوطة على مبادئه الانسانية.

الرجل متهم، كونه إما مشاركاً في ممارسة العنف الجسدي واللفظي والمعنوي، أو مكرِساً لهذا العنف في السلطات والقوانين الشرعية والشخصية. الرجل متهم، والمرأة نفسها شريكة أيضا، فهي التي سكتت عن حقها، وامتنعت عن رفع الصوت في اعتصامات متكررة نفذتها جمعيات المجتمع المدني، وتركت العدد المشارك خجولا. في المقابل لم تتردد سيدات أخريات في المشاركة في اعتصامات مناهضة لقانون حماية المرأة من العنف الأسري في مشهد مستفز، ومستغرب ويصور السلطة الذكورية بأبشع أشكالها.
من أين تكون البداية إذاً؟ ولماذا لم تحقق تحركات ونضالات المجتمع المدني المستمرة منذ أكثر من ستين عاما تطوراً جذرياً وملموساً في القوانين في مجال مناهضة العنف ضد المرأة حتى اللحظة؟ تحاول حملة «رجال ضد العنف» التي تنظمها مؤسسة «أبعاد» أن تجيب عن هذا السؤال، إذ تقول مؤسِّسة ومديرة المؤسسة غيدا عناني، إن «جزءاً من المشكلة يكمن في تجاهل الرجل كشريك في الحل، إذ طالما وصِفت غالبية مبادرات الحقوق الإنسانية للمرأة ومناهضة العنف الموجه ضدها، الرجل مرتكباً للعنف حصراً، من دون اللجوء إلى التواصل معه ليكون جزءاً من الحل أيضا». وتوضح عناني «أن المسؤولية الأولى تقع على الرجل بطبيعة الحال، لكن التهجم عليه دوماً، أدى إلى زيادة سلوكياته التبريرية والدفاعية، وبات يجد لنفسه مخارجَ لعنفه (تبقى غير مقنعة طبعا)».  
وترى عناني أن «الانطلاق من جعل الرجل شريكا في الحد من العنف ضد المرأة يكون بإعادة تحديد الوظيفة الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة، والتذكير بإنسانية كل منهما ومساواتهما أمام الانسانية». وبهذا المعنى، «لا يعود الرجل هو السلطة الطاغية، وهو من يقف في الواجهة في الأدوار الحياتية والوظيفة والمنزل، في حين تبقى المرأة محصورة بأدوار هامشية. وينطلق تغيير هذه الصورة، وتحديد هذه الوظائف، وفق عناني، من التربية والتنشئة داخل المنزل، وفي المناهج التربوية في المدرسة لاحقا». وتوضح عناني أنه «انطلاقا من هذا تعمل «أبعاد» على تعزيز المساواة بين المرأة والرجل وتفعيل مشاركة النساء من خلال تطوير السياسات، والإصلاح القانوني، وإدماج مفهوم النوع الاجتماعي، وتعزيز إشراك الرجال في هذه العملية، وإلغاء التمييز وتمكين النساء وتعزيز قدراتهن للمشاركة بفعالية في مجتمعاتهن».

ولكن، كيف يمكن لهذه المبادئ أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وكيف يمكن أن يتحول رجل معَنِف إلى آخر يؤمن بمساواته مع المرأة ويتخلى عن الصورة النمطية بحقه بتعنيفها، لمجرد أنه… رجل؟
تعمل «أبعاد» بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وبالتعاون مع «الهيئة الطبية الدولية»، وعلى أكثر من مستوى، على خلق تغير نوعي في هذا المجال، ومن بينها «ورشة العمل حول صناعة الأفلام» التي خصصت لستة عشر شاباً لبنانياً وعراقياً.
ويشير منسق المشروع في «أبعاد» أنطوني كعدي إلى أن «الورشة التي نفذت بالشراكة مع شركة «واندربوكس»، شكل فرصة للشباب لعكس واقع إشكالية العنف ضد المرأة الممارس في مجتمعاتهم عبر استخدام الفن». ويوضح كعدي أن «الشباب المشاركين عملوا خلال الورشة على تحديد مسؤولية كل من الرجل والمرأة لوضع حد لهذه الانتهاكات لحقوق الانسان».

تحديد المسؤولية الذي يتحدث عنه كعدي، تم ايصاله إلى الشباب المشاركين في الورشة عبر مناقشتهم مفاهيم العنف ضد المرأة، والأدوار الجندرية، ومفهوم الرجولة. وسيسعى الشباب لتحويل هذه المفاهيم الى مواضيع للأفلام والتنويهات التلفزيونية التي عمل الشباب على إعدادها لتعرض لاحقا على قنوات التلفزة اللبنانية والعراقية خلال حملة الستة عشر يوما العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تنطلق في 25 من تشرين الثاني الجاري الذي يصادف اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وتستمر لغاية العاشر من كانون الأول المقبل، اليوم العالمي لحقوق الانسان.

وتؤكد عناني من جهتها أن «أبعاد» عملت أيضا على «تنفيذ مجموعات دعم استهدفت ثمانين رجلاً وشاباً، يصنف معظمهم كرجال معنِفين للنساء»، بالشراكة مع «هارتلاند اللاينس». وتم تقسيم العمل معهم على عشر جلسات، «حيث تم اخضاعهم لدورات ادارة الغضب، وتفريغ الضغوطات الحياتية في أشكال بديلة مختلفة بعيدا عن العنف، لنسجل لاحقا تغييرا سلوكيا». إنما هل يمكن لـ«أبعاد» أن تلحظ تغييراً ملموساً في مسار عملية مناهضة العنف ضد النساء، من خلال حملتها «رجال ضد العنف»؟ توضح عناني أن «العنف الذي تكرس على مدى سنوات وساد بسبب الموروثات الاجتماعية والثقافية المغلوطة لا يمكن أن ينتهي خلال مرحلة قصيرة، بل يحتاج إلى مسار طويل من التوعية الاجتماعية، وخلق حملات مناصرة للقضية، وإلى إشراك الشباب أنفسهم في العملية اللاعنفية لسد الفراغ الحاصل في هذا العمل التوعوي، وللوصول إلى تعميم مبادئ إنسانية تنشئ أطفالنا وتخلقهم مواطنين مؤمنين بالمساواة».  

السابق
السفير البريطاني في مقبرة الانكليز في صيدا
التالي
الحريري على تويتير: سأصوّت لسمير جعجع رئيساً للجمهورية