باي باي لحكومتي الوحدة واللون الواحد؟

لم تشعر الادارة الاميركية بالارتياح، استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة، عندما وصلتها انباء تفيد ان رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون حدّد موعداً لاستقبال نظيره اللبناني نجيب ميقاتي. (عُقد الاجتماع يوم الاثنين الماضي). وحاولت استجلاء دوافع موقف حليفها البريطاني باعتبار انها تعرف دوافع ميقاتي، وأبرزها حرصه على نفي الاخبار التي يروّجها اخصامه عن تعرّضه لعزلة دولية بسبب ترؤسه "حكومة حزب الله"، وبغية دفعه الى الوفاء بالتزامات اخذها على نفسه امام اكثر من جهة دولية وعربية أهمها على الاطلاق دفع لبنان حصته المستحقة من تمويل "المحكمة الخاصة" به. طبعاً لم يأخذ الاستجلاء الاميركي للدوافع وقتاً كثيراً. ذلك ان القنوات الديبلوماسية اكدت وبما لا يقبل الشك استمرار التطابق بين مواقف واشنطن ولندن وخصوصاً من تمويل المحكمة، ولفتت الى ان حصول رئيس الحكومة البريطاني على التزام ميقاتي جديد بالتمويل امر مفيد. ذلك انه يجعل من العسير عليه التنصل من التزاماته المماثلة السابقة.
هل سينفذ ميقاتي التزاماته التمويلية فعلاً؟
 
اعتقدَ متابعون لمواقفه الايجابية من تمويل المحكمة انه حصل على ضوء اخضر له من سوريا وعلى عدم ممانعة من "حزب الله". الاولى، لاعتقادها ان ايجابيتها قد تساعدها دولياً وحتى اقليمياً في مواجهة محنتها الداخلية المتصاعدة. والثاني، لاقتناعه بأن رفضه التمويل لن يوقف المحكمة لأن إمكان تمويلها من مصادر اخرى متاح بموجب قرار انشائها في مجلس الامن، ولاعتقاده انه يستطيع في مقابل الموافقة عليه الحصول على اكثر من مقابل بواسطة مجلس الوزراء يساعده في تعزيز قبضته على الدولة بل على البلاد. لكن هؤلاء باتوا اقرب الآن الى الاقتناع بأن الموافقة على التمويل تواجه صعوبات جدية لبنانياً بعدما تأكد النظام السوري ان غالبية المجتمع الدولي والعربي تصرّ على سقوطه، وبعدما رأى "الحزب" ان مصلحته تقتضي التضامن معها.
طبعاً يقول المثل اللبناني: "لا تقول فول تيصير بالمكيول". وهذا الامر سيحصل اواخر الشهر الجاري استناداً الى معلومات المتابعين انفسهم. إذ سيشرح ميقاتي التمويل وضرورته وطنياً أمام مجلس الوزراء، وسيطلب منه الموافقة عليه سواء بالتوافق او بالتصويت في حال تعذره. والمرجّح في رأيهم ان يسقط مشروع التمويل رسمياً، وأن يبادر ميقاتي فور حصوله على هذه النتيجة الى تقديم استقالة حكومته الى رئيس الجمهورية. وهو لن يسعى كما يظن البعض من السياسيين الى فرصة ثانية للحصول على التمويل من مجلس النواب. ذلك ان اللجوء اليه قد يوصل البلاد الى فوضى سياسية عارمة لا يستطيع ميقاتي تحمّل نتائجها. ففي مجلس النواب لا يستطيع الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط إلا ان ينسجم مع نفسه اي ان يصوّت مع التمويل. لكنه بذلك يفرط الغالبية النيابية، ويدفع "حزب الله" وسوريا وحلفاءها مضطرين الى عمل ما او موقف ما مؤذ ليس فقط للاستقرار بل ايضاً لفارط الاكثرية والمتمسك بالتمويل.
ماذا يحصل بعد استقالة الحكومة؟
تُنفَّذ الخطوات القانونية لتأليف حكومة جديدة. وسيكون واضحاً عندها ان هناك تعذُّراً او ربما استحالة لتأليف حكومة وحدة وطنية وكذلك حكومة اللون الواحد نظراً الى "انفراط" الغالبية النيابية لـ8 آذار وعدم وضوح غالبية حال 14 آذار. والسبب الاساسي لذلك هو رفض نصف اللبنانيين او اكثر حكومة تتخذ قرارات تغيّر وجه البلاد على نحو نهائي، وتعذّر اتفاقهم على حكومة مشتركة. وفي حال كهذه يكون لبنان بكل مرجعياته وفئاته واحزابه وتياراته كما سوريا، أمام خيار من اثنين. الاول، استمرار ميقاتي على رأس حكومة مستقيلة تُصرِّف الاعمال حتى اجراء الانتخابات النيابية عام 2013. وفي ذلك دليل على علاقة غير سوية بينه وبين "حلفائه" الذين اوصلوه الى السرايا في 14 حزيران الماضي. والثاني، تكليف ميقاتي تأليف حكومة تكنوقراط. وفي ذلك اشارة الى استمرار ثقة هؤلاء بميقاتي ربما لتعذّر بديل منه ولأمور اخرى. علماً انها لن تكون الا ثقة الحد الادنى.
طبعاً، لا بد ان يتسبب ذلك باضطراب الوضع السياسي وربما لاحقاً الوضع الامني. ولا بد ان يتصاعد الاصطفاف السياسي والطائفي بل المذهبي مع العودة المرجحة الى بيروت قبل اواخر العام الجاري للرئيس سعد الحريري. وستكون عودة مدعومة من السعودية "بقديمها والجديد". وربما تكون ايذاناً بتصعيد المواجهة في الداخل و"التضامن" مع الثوار في سوريا. 

السابق
أحمد الحريري: لبناننا دولة لا تعرف دويلات مع الشعب السوري ضد نظام الحقد والاغتيالات والقمع
التالي
أ.ف.ب: انفجار في محطة لتوزيع الغاز في غرب طهران