اقطعوا يد من يقاطع إسرائيل!

من أقوالهم تعرفونهم. يقولون:
«لغتكم خشبية. كفوا عنا، الحديث عن فلسطين هرطقة، المقاومة المسلحة تشبيح إقليمي، المقاومة السلمية تجارة إعلامية، مقاطعة اسرائيل عمل غير حضاري». أما عندما يصلون إلى الربيع العربي، فيطأطئون أقلامهم، ويكتبون إنشاءً خشبياً في مديح الربيع العربي، بشرط ألا يصيبهم شيء منه، إذ غاية ومشتهى آمالهم، أن تبقى أميركا، راعية هذه المنطقة، ولو بنعالها، وأن تظل حكومات الوراثات الملكية والأميرية آمنة، ولو بقمعها ونهبها، وأن لا يكون لأهل «حضارة وثقافة» الأناقة الغربية، سوى النووي الإيراني البربري، الذي يشكل خطراً حضاريا وإنسانيا على العالم وعلى العرب.

من صمتهم تعرفونهم: لا يقولون شيئاً: عن التطبيع العربي مع اسرائيل. عن كامب ديفيد، عن علاقات قطر العلنية بقيادات اسرائيلية، عن علاقات المملكة العجوز السرية بإسرائيل، عن مكاتب التمثيل في عدد من العواصم، عن عمرو موسى الذي فاجأه انسحاب أردوغان في دافوس إبان مواجهته رئيس اسرائيل. لا يقولون شيئاً عن كتاب وفنانين ومثقفين يتهاونون في التعاطي مع الاسرائيليين.

من أقوالهم تعرفونهم ومن صمتهم تعرفونهم: إنهم الذين يخجلون من تاريخهم السابق، قوميا ونضاليا وفلسطينياً، ويخجلون من كتاباتهم السابقة ويرغبون بأن يمحو «تخلفهم» الثوري، ويتبرأون من «مغامرة النظافة والبراءة»، لتمرير لوثة «الانفتاح» على العالم، واسرائيل، من هذا العالم. كأنها السويد أو النروج أو الفاتيكان.
من أقوالهم وأفعالهم تعرفونهم. فهم: إذا اعتدي على آية أو على مقدس ديني اسلامي، في أي دولة غربية، أو إذا أقدم رسام كاريكاتوري على مزج سخريته بما هو مؤله عندنا، أو إذا أقدم كاتب على تدبيج «آيات شيطانية» كأدب للقراءة فقط… إذا حصل مثل هذا، قامت قيامة «المؤمنين»، وانهالوا تخريبا وغزواً وإحراقاً، وأصدروا فتاوى بالقتل ورصدوا الأموال للتنفيذ… هؤلاء، صامتون على المقدس الأمثل، فلسطين، بمساجدها وكنائسها ومقدساتها، وقدس أقداسها. شعب يُنتهك قمعا وقتلا وتشريداً وقصفا واستيطانا ودوساً لمقدسات. 
اننا نعيش في عالم مزدوج، يلتقي فيه برابرة معاصرون، على الطريقة الغربية، مع برابرة قادمين من «أهل الكهف» المشرقي.
مناسبة هذا الكلام، الدعوى القضائية المقدمة من إحدى الشركات في لبنان ضد نشطاء مقاطعة اسرائيل، المتمثلين بالدكتور سماح إدريس ومركز «عائدون» وعدد من القوى اللبنانية المناهضة للتطبيع والمؤيدة لمقاطعة اسرائيل. وجريمة هؤلاء أنهم دعوا إلى مقاطعة حفل فرقة بلاسيبو في بيروت، كانت قد دعت اليه شركة «تويوتوسي» في حزيران 2010. ومعروف بشكل فاقع قائدها برايان مولوكو، الذي دافع عن المذبحة الاسرائيلية التي طالت مدنيين حضاريين جداً، كانوا على سفينة الحرية المتوجهة لمساعدة أهالي غزة في محاولة رمزية لفك الحصار عن القطاع.
هذه فرقة فنية «حضارية» و«غربية»، يجب ألا نحرج أنفسنا أمام العالم، عبر الدعوة إلى مقاطعتها، لأنه سيعتبرنا برابرة ومتخلفين ومن أعداء الانفتاح الثقافي والحوار بين الحضارات. وعليه، فإن الدعوة إلى مقاطعتها انحراف إنساني، إضافة إلى أنها سببت ضرراً للشركة الداعية.

لقد بلغ الزيف مداه. تراجع الوعي إلى دركاته الدنيا. تغلبت المصالح والوظائف والأرصدة، على المبادئ والقيم والأهداف النبيلة… لقد بلغ الانحطاط السياسي أسفله وبات على من يتعاطى السياسة النظيفة، ان يدافع عن نفسه أمام المحاكم وفي الإعلام، لأنه يتعاطى المنشطات الأخلاقية والمبدئية.
معيب جداً ان ننسى حفلة الشاي في مرجعيون. لقد كان التطبيع هناك، عبر رشفات الشاي المر، والابتسامات المضيافة، أمراً طبيعيا جداً، ويمكن التساهل معه. معيب جداً ان تصبح الدعوة إلى مقاطعة اسرائيل ومن يتعامل معها، جريمة يعاقب عليها القانون.
مبروك، في هذا الزمن اللبناني المتخاذل، العقاب الذي ستناله حركة المقاطعة… والعار، كل العار، لأولئك الذين ينالون براءة الارتكاب… ارتكاب التعامل السهل والمرضي عنه، مع اسرائيل.
انه زمن لبناني، ضد زمن الربيع العربي. 

السابق
هل تعلق عضوية سوريا في هيئات ومنظمات الجامعة العربية اليوم !!
التالي
لماذا قرر الحريري القطع مع بري؟