قالوا لي – فقلت لهم

قالوا لي: ورد في المأثور عن النبي والأئمة المعصومين (ص) التالي:
(إذا رأيتم العالم – "ودائماً مقصودهم عالم الدين" – يُلازم السلطان فاعلم أنه لص، وإياك أن تنخدع بما يُقال أنه يردّ مظلمة أو يدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها فُجّار العلماء سُلماً).
فقلت لهم:
وإذا رأيتم العالم يعتقد بأنه البديل عن السلطان ويزعم بأنه يملك تفويضاً وتوكيلاً إلهياً في أن يكون سلطاناً على العباد والبلاد، أو يزعم بأنه الأفضل عند الله لهذا المنصب من كل سلطان ليس عالماً بحقائق الدين مثله، أو يزعم أنه من حقه أن يكون وزيراً أو نائباً أو رئيس حزب (أمني وعسكري) بدعوى الدفاع عن حقوق العباد وقضاياهم العادلة فإن دعوى هذا العالم أيضاً هي قد تكون خدعة كخدعة إبليس اتخذها فجّار العلماء سلّما؟!، لماذا؟ لأن عقيدتي التي أزداد قناعة بها يوماً بعد يوم وعقداً بعد عقد تقوم على الإيمان التالي:
إن وظيفة عالم الدين في الحياة أن يمارس دور الهداية للناس على ضوء قيم الدين وشرائعه بالحكمة والموعظة الحسنة والخُلُق العظيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليست السلطة السياسية حاجة من حاجات وظيفته ولا وسيلة شريفة من وسائلها الشريفة، وهذه ليست عقيدتي وقناعاتي فحسب بل إنها عقيدة وقناعة كثير من الفقهاء والمتفقّهين والفلاسفة وعقلاء المؤمنين الذين أشبعوا عقيدتهم وقناعاتهم أدلة علمية من النصوص الدينية والعقل، وأدلة وجدانية أمدّهم بها واقع التجارب التي قام بها العقائديون وغير العقائديين سواء في المجتمع الشيعي أو السُنّي الإسلامي على مدار 13 قرناً تقريباً بعد غياب النبي والمعصومين (ع).
وفقير المعرفة، ومسكين العقل، ومثير لشفقة القلوب ذلك الذين يفترض أو يظن بهذا الصنف من الفقهاء والمتفقهين والفلاسفة وعقلاء مؤمنين الذين يُنكرون شرعية السلطة السياسية للسلطان ولعالم الدين على حد سواء، أنهم ممن يريدون أن تسير حياة الناس بالفوضى من دون سلطة وكأنهم جاهلون لضرورة السلطة أو غافلون عن فكرة أن الحياة لا تستقيم ولا تعتدل إلا بسلطة بغض النظر عن كونها عادلة أو ظالمة وإن انعدمت القدرة على إيجاد العادلة فإنهم مع الظالمة وشرّها هرباً من الفوضى وجحيمها التي لا تبقي شيئاً في الحياة ولا تذر.
لأن الحياة تحت السلطة الظالمة تبقى أقل شراً بما لا يُقاس على الحياة تحت الفوضى من دون سلطة.
إن الفقهاء والمتفقهين والفلاسفة وعقلاء المؤمنين من الذين ينكرون شرعية السلطة السياسية حينما تكون تحت يد السلطان أو تحت يد عالم الدين، إنما ينكرون شرعيتها الدينية ليس إلا، أي إنهم ينكرون السلطة السياسية حينما تزعم أن شرعيتها مستمدة من الله سبحانه أو من النبي والأئمة المعصومين (ع) لتفرض علينا بعد ضلك وجوب طاعتهم بوصفها سلطة الله ورسوله والأئمة المعصومين (ع) وإذا اختلفنا معها اختلفنا مع الله ورسوله وآله (ص)؟!، بعبارة أخرى: لا يمكن للسلطة السياسية أن تُحرز الشرعية الدينية ولو كانت تحت يد عالم الدين إلا إذا جاءت بنص إلهي صريح الدلالة ليس فيه لون من الغموض واللبس والخفاء والإجمال وهذا ما لا وجود له في الأثر والمأثور عن النبي والأئمة المعصومين (ع) عند هؤلاء الفقهاء والمتفقهين والفلاسفة وعقلاء المؤمنين الذين انحاز – (أنا) – إلى عقيدتهم في ذلك انحياز المطمئن المتيقّن لصوابهم.
نعم لا بد من السلطة السياسية في الحياة، ولا بد من شرعية لها، لكن فليبحث المسلمون شيعة وسنة عن شرعية لسلطاتهم من غير نصوص القرآن والسُنّة لأنهمة سكتا ولم يُفصحا بشيء مبين وواضح يورث لوناً من الإطمئنان أو نوعاً من اليقين في هذا المجال، وإن كل موضوع سكت الله سبحانه عنه ولم يُفصح عن حُكمه به يُصبح بالبديهة حكمه من شؤون العقل والعقول والعقلاء يجتهدون به وفق الأصلح لقضاياهم، وإن الأكثرية الساحقة من البشر على وجه الأرض سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، مسلمين أو غير مسلمين قد أجمعوا إجماعاً مباحاً واتفقوا اتفاقاً راجحاً شرعاً وعقلاً على أن أي كائن بشري لا يجوز له أن يمارس السلطة السياسية في أي مجتمع إلا إذا أحرز رضا المجتمع وموافقته عن طريق صندوق الانتخابات الحرة وبمنافسة سياسية شريفة حُرّة خالية من كل وسائل القهر والإكراه والإجبار، وتنتهي شرعية السلطة بانتهاء أجلها المحدد في قانون – الانتخابات، حيث السلطة في الحقيقة والواقع تكون مرتبطة بالمجتمع والمجتمع مرتبط بها بواسطة عقد قائم على شروط يُعبّر عنها الدستور، وبالخلاصة.
1 – لا شرعية لسلطة إلا بالإنتخابات الحرة.
2 – ولا شرعية لسلطة دائمة بلا أجل محدد.
3 – ولا شرعية لسلطة بلا دستور.
4 – ولا شرعية لسلطة بلا منافسة سياسية حُرّة بين قوى المجتمع السياسية ولو كان على رأسها قدّيس ومتقدّس وذات قداسة غير معصوم.
5 – ولا شرعية لسلطة تضع ناشطاً سياسياً تحت الإقامة الجبرية، أو وراء القضبان الحديدية أو تفرض عليه الصمت في أي قضية سياسية، وما لا شرعية لها إنسانياً وعقلياً لا شرعية لها دينياً مهما كانت قدّيسة ومتقدسة وذات قداسة – غير معصومة.

السابق
منع عرض فيلم الرعب والإثارة لعبة الأرنب
التالي
علي فضل الله: للارتقاء بالخطاب السياسي والخروج من الحسابات الآنية إلى القضايا المتصلة بمصير البلد