حزب الله يتوغل في الداخل ولا يغادر

أنهت الأجهزة اللوجستية في «حزب الله» تجهيز المقر الجديد للعمل الحكومي والنيابي في منطقة حارة حريك وهو يجمع مكاتب نواب «كتلة الوفاء للمقاومة» وكل الأجهزة المعنية بالعمل النيابي والحكومي، ويعتبر المبنى المعلن والأبرز للحزب في الضاحية الجنوبية بعد حرب تموز 2006 التي دمرت معظم مقرات الحزب وخصوصا ما كان يسمى «المربع الأمني»، في حارة حريك والذي كان يضم مقر الأمانة العامة والشورى والقيادات المركزية في الحزب.

ويمكن القول إن افتتاح هذا المقر قريبا بصورة رسمية، بعد أن بدأ العمل فيه منذ أشهر، سيشكل إشارة جديدة من قيادة الحزب لايلاء الشأن الداخلي المزيد من الاهتمام، في موازاة استمرار اهتمام الحزب بملف المقاومة، في ترجمة مباشرة لما أعلنه قبل أيام قليلة، نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم «بان الاهتمام الداخلي سيكون موازيا للاهتمام بأمور المقاومة»، وأضاف إليه عضو شورى الحزب الشيخ محمد يزبك في خطبة عيد الأضحى، معادلة مفادها أن الإصلاح والمقاومة توأمان وان لا إصلاح من دون مقاومة ولا مقاومة من دون إصلاح، وهذان موقفان علنيان يحملان في طياتهما الكثير حول نظرة الحزب للشأن الداخلي وجعله بموازاة شأن المقاومة.
هل بدأ ملف يتقدم على الآخر، أم أن ثمة تعادلا بينهما؟ لا شيء في خطاب «حزب الله» ولا في ممارسته، يشي بأن ثمة تغييرا كبيرا في مقاربته لملفي المقاومة والشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي الداخلي، لا بل يقود التدقيق الى استنتاج مفاده أن المقاومة ما زالت ركيزة وأولوية ليس على قاعدة المقاومة للمقاومة انما المقاومة ببعدها الاستراتيجي اللبناني والفلسطيني والعربي والاسلامي.

لا يعني عدم وجود أي تبدل استراتيجي في نظرة الحزب للمقاومة، إدارة الحزب ظهره للداخل اللبناني، فمن يتابع مسار الحزب، خاصة منذ العام 1990، تاريخ ولادة اتفاق الطائف ومن ثم خوضه الانتخابات النيابية للمرة الأولى في العام 1992، وصولا الى قرار الاستقالة من حكومة سعد الحريري وتسمية نجيب ميقاتي ودخول الحكومة الحالية وبالتالي أن يأخذ الحزب بصدره مهمة التصدي لأولويات اللبنانيين، هذا كله يقود المراقبين والمتابعين الى جعل معيار حماية المقاومة ركيزة في هذا المسار المتدرج، حتى صح القول أن تقدم الملف الداخلي أحيانا ممكن ولكن من زاوية معيار حماية المقاومة واذا تساوى الاهتمام بين ملفي الداخل والمقاومة، فان المعيار يكون نفسه، وهذا الأمر ينسحب أيضا على احتمال حصول أي تعارض بين الملف الداخلي وملف المقاومة وعندها تكون الغلبة للثاني حتما.

قبلَ «حزب الله» الطائف من زاوية حماية المقاومة وخاض الانتخابات النيابية على هذا الأساس وشارك في أول حكومة ميقاتية، كما في آخر حكومة ميقاتية، على هذا الأساس، ومن هنا يسارع أحد قادة الحزب للقول ان الاهتمام بالشأن الداخلي ينطلق من مسؤولية شرعية وأخلاقية ووطنية تجاه جمهور أعطى ويعطي المقاومة ومسؤوليتنا لا بل واجبنا أن نهتم بشؤونه وقضاياه، كجزء من مهمة تحصين مجتمع المقاومة.
ومن نافل القول ان قيادة الحزب وأجهزته التنظيمية والسياسية والتنفيذية تولي الاهتمام بثلاثة ملفات أساسية، إضافة الى ملف المقاومة والشأن الخارجي اللذين يعتبران من الملفات الثابتة، وهذه الملفات هي: أولا، ملف إعادة ترتيب الوضع التنظيمي والتعبوي (أي أوضاع جهاز التعبئة العامة)، ثانيا، ملف المناطق التي يتواجد فيها الحزب بكثافة، وثالثا ملف الشأن الداخلي اللبناني المرتبط بالوضع الحكومي ومصالح الناس والتعيينات والادارات والمؤسسات العامة وحقوق الموظفين والعمال، من دون اغفال مواضيع استراتيجية متصلة بصلب اصلاح النظام السياسي اللبناني وفي الأولوية منها قانون الانتخاب واللامركزية الادارية والانماء المتوازن الخ…

 الوضع التنظيمي والتعبوي
ويقول أحد المتابعين لمسار «حزب الله» انه بعد انتهاء حرب تموز تم اتخاذ قرار استراتيجي بتدريب عشرات آلاف المقاتلين (بمستويات قتالية مختلفة) لمواجهة اية حرب جديدة يمكن ان تشنها اسرائيل على لبنان، الأمر الذي استوجب مواجهة اعباء كبيرة، ثقافية وامنية ومالية ولوجستية، وترافق ذلك مع بروز بعض المظاهر السلبية على صعيد الجسم الداخلي للحزب وخصوصا البيئات القريبة جدا منه، «وقد ادت هذه المظاهر اضافة الى انكشاف بعض المخاطر على بنية الحزب، الى اتخاذ قرار مركزي باعادة النظر ببعض الاوضاع التنظيمية الداخلية والاهتمام اكثر بالجوانب الثقافية والتعبوية». وقد تولى الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الاشراف المباشر على بعض الترتيبات الداخلية، كما عمد «السيد» الى عقد سلسلة من اللقاءات المباشرة مع قيادات الحزب وكوادره من اجل اعطاء التوجيهات والحديث عن المخاطر والسلبيات وكيفية مواجهتها.

وترافق ذلك مع وضع خطة جديدة لجهة الاهتمام بالشأن الثقافي والتعبوي كما تمت مراجعة اوضاع جميع المتفرغين وعناصر التعبئة وكل من خضع للتدريب لازالة الشوائب التي برزت في جسم الحزب وهذه العملية لا تزال مستمرة بحيث بات يشكل الوضع التنظيمي والتعبوي اليوم احد الاهتمامات الاساسية لدى قيادة الحزب لمواجهة بعض المظاهر السلبية التي برزت غداة حرب تموز.

الشأن الاجتماعي والامني
أما الملف الثاني الذي اولته قيادة الحزب الاهتمام في السنتين الماضيتين فكان الشأن الاجتماعي والامني في البيئات التي يتواجد فيها الحزب، وهذا الامر ناتج عن بروز جملة مظاهر سلبية وخطيرة في هذه البيئات باعتراف السيد نصرالله شخصيا ومنها انتشار الادمان على المخدرات والاتجار بها اضافة لزيادة موجات السرقات والتعديات على الاملاك العامة وبروز ما يسمى ظاهرة «الشللية في بعض الاحياء» حيث تقوم بعض المجموعات باعمال منافية للاخلاق العامة او فرض الخوات والسيطرة على بعض الاحياء وقد اصطدمت بعض هذه المجموعات مع عناصر الحزب في اكثر من حي ومنطقة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقد اطلق الحزب اكثر من حملة لمواجهة هذه المظاهر السلبية ومنها حملة «النظام من الايمان» و«اسرتي سعادتي» وانشأ العديد من الاجهزة والجمعيات والملفات لمتابعة هذه القضايا، كم تم تعيين مسؤول خاص عن هذا الملف باشراف المجلسين التنفيذي والسياسي. كما ان السيد نصرالله ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين ووحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وقيادات أخرى مركزية ومناطقية بالإضافة الى مسؤولي العمل البلدي ورؤساء البلديات تولوا متابعة هذا الملف بأدق تفاصيله.
لكن وبرغم كل الجهود التي بذلت حتى اليوم، فان الظواهر السلبية المشكو منها ما زالت تتفاقم، وعلى ضوء ذلك، تتجه قيادة الحزب مجددا لإعادة بحث هذا الملف الخطير وكيفية مواجهته، وثمة من يردد «أن هناك قرارا مركزيا جديدا بإعادة الاهتمام بقوة بهذا الملف والقيام بخطوات جديدة للجم هذه الظواهر السلبية وقد يتم الإعلان عن هذه الخطوات قريبا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر اعطاء دور كبير للبلديات بالإضافة الى أجهزة الدولة».

الملف الداخلي اللبناني
اما الملف الثالث والذي بدأ يأخذ اهتماما كبيرا لدى قيادة الحزب فهو يتعلق بالشأن الداخلي اللبناني والذي ازدادت اهميته منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب السوريين من لبنان حيث تم اتخاذ قرار مركزي بالمشاركة باول حكومة شكلها الرئيس نجيب ميقاتي قبل ست سنوات، ومن ثم ازداد الاهتمام تدريجيا بعد حرب تموز 2006 الى ان وصل الى ذروته بعد تشكيل الحكومة الثانية للرئيس ميقاتي في العام 2011.
وثمة مقاربة تفصيلية حزبية من الوضع الحكومي الى اللجان النيابية والعلاقة بين اطراف الاكثرية الجديدة وصولا الى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وملف التعيينات الادارية وغير ذلك من القرارات الحكومية حيث تم وضع آليات للمتابعة تشارك فيها جميع اجهزة الحزب وصولا لاتخاذ القرار المناسب.

وقد قام «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق» القريب من الحزب بإعداد عشرات الدراسات المفصلة حول مختلف الملفات الداخلية لتكون جاهزة للبحث والدراسة واحالتها للاجهزة التنفيذية عند الضرورة.
كما ان حرص قادة الحزب على دعم تعيين الوزير السابق الدكتور عدنان السيد حسين لرئاسة الجامعة اللبنانية لم يكن فقط تعبيرا عن الامتنان له لمواقفه السياسية بل لانه يحمل مشروعا اصلاحيا للجامعة وهذا ما تريده قيادة الحزب اليوم.
يحتل الشأن الداخلي صدارته على قاعدة حماية بيئة الحزب الحاضنة للمقاومة، هل سيكون الحزب بمستوى مواجهة التحديات الداخلية كما نجح في مواجهة التحدي الاسرائيلي؟ 

السابق
آلان عون:الاصلاح لن يتم بين ليلة وضحاها لبنان يمر في ظرف دقيق في منطقة تشهد تغيرات كبيرة
التالي
النابلسي: أي ضربة لإيران ستتحول كارثة على رؤوس المعتدين