هوايات خطرة

أضاف رئيس مجلس النواب، نبيه بري، إلى هوايات رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، هواية أخرى: السياسة. وهي من أخطر الهوايات على صحة الحريري الشاب، رغم أنه من محبي المغامرات كالغطس والدراجات النارية وغيرها. لا مزاح في كلام بري، وإنما خبث صريح، فهاوي السياسة سعد الحريري لا يفقه تماماً ما الذي يقوله، برأي بري. هو يتحدث عن سقوط النظام السوري، ويطلق موقفاً مؤيداً للثورة السورية. وعلى الخط نفسه، يعلن كلمة السر في دعم تيار المستقبل للثورة عبر إقامة مخيمات لجوء في لبنان، ومن المنهل نفسه، يعلن أنه وتياره (وربما يعني كل قوى 14 آذار) لن يجددوا انتخاب بري في الدورة المقبلة لمجلس النواب.

نسي الحريري ربما أن هواياته الخطرة سبق أن كلفته تدمير القوة العسكرية (التي ينفي دائماً وجودها) في السابع من أيار. مغامرات السياسة التي تنتهي بإعلان الانقلاب على التفاهمات الطائفية الكبرى (كاتفاق الطائف) والموقعة بالدول الراعية للطوائف أو برعايتها لا يمكن قلبها بقليل من شركات الأمن. تلك مغامرات لا تشبه التصدي لإسرائيل في عام 2006، مغامرات الحريري خطرة عادة ولا تبنى على فهم للأسف.
فإن كان هذه المرة سعد الحريري يعي ما يقوله على غير عاداته السابقة، وإن كان يعتبر نفسه أخطأ حين لم يواصل مسيرته الى قصر بعبدا حين كان إميل لحود في القصر، ونصح حينها إلياس عطا الله كل ممثلي طوائف 14 آذار بعدم التوقف قبل إسقاط القصر الجمهوري، فهو بعد أعوام قليلة سيخبرنا عن سلسلة جديدة من الأخطاء، منها على سبيل المثال أن الدول المحمية بتوازنات إقليمية (كلبنان أولاً وأخيراً) لا يمكنه أن يمد يده الى داخل دولة إقليمية من دون أن يحرقها، ويحرق نفسه. والعكس هنا ليس صحيحاً، فالدول الإقليمية يمكنها أن تعبث ما شاءت بدول صغيرة ولا تجد الكثير من مبررات الوجود، وفق تقاطعات مصالح تبدأ من موافقة إسرائيلية ضمنية ولا تنتهي بعدم اكتراث أو ترحيب أميركي أو دعم سوفياتي (روسي).

كان يفضل لو راجع سعد الحريري دور طائفته في التقاسم المذهبي في البلاد، فالسنّة قد خسروا في الحرب الأهلية منذ عام 1982، وأعطي لهم ما أعطي في الطائف بصفتهم ممثلين لتقاطع دولي، والباقي حصل عليه شخص رفيق الحريري بصفته وزير خارجية سوريا، وخادمها الأمين. وحين تغيّرت المعطيات، حصل السنّة على رئاسة حكومة معطلة، بينما الطوائف الأخرى المنتصرة تابعت الحصول على مكاسبها بصورة طبيعية. الشلل دائماً في رئاسة الحكومة. الصراع دائماً على صلاحيات رئيس الحكومة. ثمة تركة لمجموعة طائفية خاسرة، الكل يحاول سحبها لمصلحته، وطالما أن التجاذب يكاد يتعادل فهي تبقى مؤقتاً بيد طائفة الحريري، لكن من دون كبير فاعلية.
أما فتح أبواب الرهان على انهيار النظام السوري، فتلك هواية أخرى، قلة في لبنان يجيدون الرهان على الرقم الصحيح. سبق لوليد جنبلاط أن لعب رهاناً في نهايات عام 2004 وخسره. والآن على الحريري أن يسمع من جنبلاط الكثير من النصائح. طاولات الرهان غير صالحة لمن هم دون السنّ، ولا يملكون الخبرة، ولا يعرفون متى يتراجعون.

لا الرهان على سقوط النظام السوري هو رهان كامل، فعلى الحريري أن يفكر بأي مستقبل ستكون عليه سوريا في الغد، وأي مجموعات سياسية ستحكمها، وهل سينتصر التيار الليبرالي السلفي؟ أم الإخواني التكفيري؟ أم سيأتي ساركوزي ليهدي النصر على النظام السوري الى سعد الحريري شخصياً؟ وإذا ما انتصر الثوار الوطنيون في سوريا، فهل سيرغبون برئيس حكومة على نسق فؤاد السنيورة، ووزير داخلية بالوكالة على نسق أحمد فتفت ومفتٍ وقاضي شرع وجلاد كخالد الضاهر؟ ويطوّبون سعد الحريري مستثمراً فوق العادة، ونصف ثورتهم سببها أشباه هؤلاء من أبناء نظامهم؟
الكثير من هوايات الحريري خطرة، وهي كما يبدو تزداد خطورة، ومن شأن تعديلات كالتي يتمناها أن تعيد البلاد الى حالات من اللاتوازن. وهذه الحالة عادة ما توصل بلاد أبنائها مخلصين لطائفيتهم الى حروب أهلية يسعى كل طرف الى إثبات قوته في مقابل الأطراف الأخرى، ولو بالاستعانة بالقوات الأطلسية أو الإسرائيلية، لا فرق. المهم أن يثبت كل مواطن موقع طائفته في النظام، ويراها منتصرة فيشعر بمكانته ولو جاع مع أولاده في ظل حكم الطائفة المنتصرة بتحالفات خارجية تبرر لاحقاً بألف حجة وحجة.
يعلم الحريري الشاب هاوي الغطس أن الإسراع في الصعود من أعماق الماء الى السطح قد يصيبه بالشلل، لكن الإسراع في الرهان يطيح الثروات، ورهانات المفلسين تؤدي الى رهن بيوتهم، وربما عائلاتهم. حاشاكم الميسر.  

السابق
النهار: الوكالة الدولية تفتح طريق المواجهة مع إيران طهران عملت لوضع تصميم قنبلة نووية
التالي
الحريري وبري.. وسياسة اللعب على شفير الهاوية