حكومة العدو تستكمل تهويد القسطل تكريماً لرابين

أخيراً، حانت اللحظة «التاريخية» لحكومة الاحتلال، والمناسبة للانتقام من ذل معركة «القسطل» بعد 63 عاماً على اغتصابها، وذلك بعد أن صادقت أمس، على «الخطة التطويرية» لموقع القسطل الأثري التاريخي، الواقع عند مشارف مدينة القدس، زاعمة بأن هذه الخطوة تأتي «في إطار المشروع لتخليد تراث رئيس الوزراء السابق إسحق رابين، في الذكرى السادسة عشرة لاغتياله”.
وصرح نتنياهو إن الحكومة قررت بعد ستة عشر عاماً على مقتل رابين، المصادقة على «تطوير» (أي تهويد) موقع القسطل، «باعتباره جزءاً من متنزه رابين»، وتوجه إلى «الإسرائيليين» قائلاً: «إن تخليد تراثه، هو بفعل إبداء التقدير لجيل مؤسسي الدولة، ولدور رابين في رفع «الحصار» عن القدس».

يشار بهذا الصدد إلى أن الخطة التي صادقت عليها الحكومة الصهيونية، تبلغ ميزانيتها مليونين ونصف المليون شيكل، سيدفع صندوق «هيسود» المختص في جمع التبرعات من أجل الاستيطان 50% من تكاليف المشروع.
سطور في التاريخ
أما حكاية الحقد على «القسطل» فهي من عمر النكبة، حيث تعتبر رمزاً من رموز صمود المقاومة في وجه العصابات اليهودية، في تلك المرحلة ومحاصرتهم.
والقرية تاريخياً كانت تنتصب على قمة تل مرتفع مكور يطل على مساحات شاسعة من الجهات الأربع. وكانت تشرف من الشمال والشمال الشرقي على طريق عام القدس- يافا، التي تمر بها طريق فرعية. ومنحها موقعها هذا، المشرف على الطريق العام، أهمية استراتيجية.
ولقد اشتق اسم القرية من كلمة (كستلوم) اللاتينية، التي كانت تشير إلى القلعة الرومانية القائمة في الموقع، والتي رممت أو أعيد بناؤها في العهد الصليبي، ليطلق عليها اسم بلفير دي كرواز.
في أواخر القرن التاسع عشر، كانت القسطل قائمة على قمة تل صخري، يحف بها شرقا عدد من الينابيع. وقد صنف (معجم فلسطين الجغرافي المفهرس)، الذي وضعته حكومة الاحتلال البريطاني، القسطل مزرعة.
وكان شكل القرية العام أشبه بنصف الدائرة، وكانت منازلها حجرية في معظمها. وقد امتدت الأبنية الأحدث عهداً على طول المنحدرات الشرقية، لتلتف حول تل القسطل.
وكان لسكان القرية، مقام لولي محلي يدعى الشيخ كركي، وذلك في الطرف الغربي من القرية. وكانوا يعتمدون على مدينة القدس المجاورة لتلبية معظم حاجاتهم، كما اعتمدوا على زراعة الحبوب البعلية والخضروات والثمار وأشجار الزيتون.
وكانت أراضيهم الزراعية تتركز في شريط مستطيل يمتد إلى الجنوب الشرقي من القرية. في 19441945، كان ما مجموعه 42 دونماً مزروعاً بالحبوب، و169 دونما مروياً أو مستخدماً للبساتين منها، 50 دونماً حصة الزيتون.
ضحية «نحشون»

وقعت القسطل في قبضة الاحتلال، قبل الشروع رسمياً في عملية «نحشون»، ويشير المؤرخ «الإسرائيلي» بين موريس لإلى أنها كانت (أول قرية فلسطينية احتلتها الهاغاناه في نكبة 1948، بهدف احتلالها احتلالاً دائماً، وليس فقط تهجير أهلها) ولكن هذه دعوى مشكوك في صحتها من قبل عدد من المؤرخين الفلسطينيين، ولم يتم تأكيدها بشكل كلي، حتى اليوم.
هاجمت كتيبة البلماح الرابعة القرية في 3 نيسان واحتلتها. وكانت وحدة طليعية من المغاوير قد انقضت على القرية، قبل بزوغ الفجر، ثم ما لبثت أن تلتها القوة الأساسية التي ظلت تصد الهجمات المضادة حتى الليل. وأفاد مراسل صحيفة «نيورك تايمز» أن المعارك استمرت في محيط القرية خلال الأيام القليلة اللاحقة، بينما تشير وثائق البلماح، إلى أن الهجوم الأول لم يواجه بأية مقاومة، وأن المدافعين عن القرية وسكانها كانوا غادروها من قبل. أما المؤرخ الفلسطيني عارف العارف، فيؤكد إن خمسين رجلاً من مقاومي القرية، دافعوا عنها، ولم ينسحبوا إلا عند نفاد ذخائرهم.

توحد رغم الانقسام !
وفي 8 نيسان، استعاد المجاهدون الفلسطينيون القرية في معركة استشهد خلالها قائد منطقة القدس عبد القادر الحسيني. وتشير تقارير عصابة «الهاغاناه» إلى أن نفراً من القادة اليهود قتل أيضاً في أثناء الانسحاب. وقد مرت أيام من القتال العنيف، قبل الهجوم الفلسطيني المضاد، الذي شن في الساعة الواحدة والدقيقة الثلاثين ظهراً، تحت غطاء من القصف المدفعي ونيران الرشاشات.
وفي التفاصيل، وعن مسألة انقلاب موازين المعركة لصالح عصابات العدو سريعاً، تؤكد مصادر تاريخية، أن ذلك يعود لانقسام داخلي، حيث كانت الجامعة العربية، قد تبنّت سياسة فصل القيادات الميدانية بعضها عن بعضها الآخر. فقد تلقى القائد فوزي القاوقجي مثلاً قبل دخوله فلسطين تعليمات مشددة من مفتشية الإنقاذ بعدم التدخل بأي شكل من الأشكال في شؤون « الجهاد المقدس« الموالي للحاج أمين الحسيني، والمدافع عن منطقة القدس، بحجة تجنب الاحتكاك بين المفتي والقاوقجي، الأمر الذي أدى إلى إضعاف الجبهة الداخلية.

ولكن، رغم هذا الانقسام، وفي مساء 7 نيسان عام 1948 وصل وفد إلى مقر القائد فوزي القاوقجي في جبع، يضم النقيب العراقي فاضل العبد الله، آمر حامية القدس، من قبل مفتشية الإنقاذ مع نفر من قادة الجهاد المقدس طالبين المدد بالسلاح والرجال. وكان هذا الوفد قد أتى لطلب المدد هنا بموافقة عبد القادر الحسيني الذي كان حينذاك عائداً من دمشق لتوّه بعد أن يئس هناك من الحصول على أيّة مساعدة لردّ الهجمة الشرسة للصهاينة على القدس.
وقد استجاب القاوقجي حالاً لطلب الوفد المذكور، وأمر بتشكيل رتل يقوده ضابط ركنه النقيب مأمون البيطار ويتألف من سرية مشاة وثلاث فصائل مدفعية ومصفحتين، وقد سحبت كل هذه القوات من جبهة مشمار هاعمك الساخنة. وكانت التعليمات تقضي بانضمام سرية المشاة مع فصيل المقنبلتين 75 مم إلى حامية القدس، بينما يقوم ما بقي من المدفعية، وهو فصيل 75 مم مقطور وفصيل 105 مم مقطور مع المصفحتين بمساندة الهجوم المعاكس، الذي كان يقوده عبد القادر الحسيني في القسطل. ولكن هذا المجاهد البطل، استشهد أثناء سير النجدة المذكورة .

أوصال مقطعة
عند وصول فصيلي المدافع إلى سفح مرتفع قرية «بدو» المشرفة على القسطل والقدس بعد ظهر 8 نيسان 1948، واجهتهم صعوبة، وهي استحالة صعود السيارات قاطرة المدافع وحاملة الذخائر إلى ذلك المرتفع لوعورة الطريق. وكان يجب الاستعجال بوضع المدافع في مرابضها لدخول المعركة بأسرع وقت ممكن. وتقرر ترك فصيل الـ 75 مم في السفح، ريثما يتم تعبيد الطريق إلى المرتفع، وبفك مدفعي الـ 105 مم، كل مدفع إلى أربع قطع، وحمل هذه القطع مع الذخائر على سواعد الرجال.
نجدة شعبية

أما أهالي القرية، وسكان المنطقة المحيطة من رجال ونساء وصبية، فقد سارعوا الى مساعدة المجاهدين في حمل أجزاء المدفعين والذخيرة، فحملوها وصعدوا بها إلى أعلى المرتفع بسرعة كبيرة. ثم إنهم عادوا جميعاً إلى الطريق وعبّدوه ونظّفوه ليصبح صالحاً لتقدّم السيارات عليه. وتم تجهيز المربض على مرتفع “بدو” في أقل من ساعتين مع فصيل 105 مم وذخائره جاهزاً للرمي على القسطل ومستعمرة «مودسا» التي ما كانت سوى حيّ شرقي لها. وفتحت النيران قبيل الساعة الخامسة على الأهداف المحددة، فصعق الصهاينة الذين فوجئوا تماماً بحضور المدفعية. وصمتت رشاشاتهم التي كانت تلعلع عند وصول القوة. ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى كان الصهاينة يلوذون بالفرار ويقوم الجهاد المقدس باستعادة القسطل. وعند غروب الشمس، كانت الطريق إلى مرتفع «بدو» صالحة لصعود السيارات، فوصل فصيل الـ 75 مم وربض إلى جانب الـ 105 مم، ووصلت كل الذخائر.

السابق
حفلٌ للأطفال في النبطية بمناسبة عيد الاضحى
التالي
سيجارة أوقعت بالمتهم بخطف الأستونيين