الثورة السورية: نظرة الى الداخل ونظرة الى الخارج

موجز
ـ كان النظام السوري، بداية، قادراً على الإعتماد على جيرانه في مجالين أساسيين: ضمان ألا تصبح أراضيهم ملاذاً آمناً لمنشقين سوريين والإستمرار بتلقي دعمهم على المستويين الإقليمي والدولي.
ـ منذ ذلك الحين وهذا الدعم يتآكل نتيجة لعجز النظام على إحتواء العنف المتصاعد أبداً المرتكب ضد المتظاهرين.
ـ إن أخطر هواجس النظام هو بروز سيناريو بنغازي في مدينة كحلب نتيجة لتدخل عسكري تركي.
ـ يجد النظام السوري نفسه الآن في دائرة من العزلة والقمع الداخلي المتزايدين.
إستمرار التظاهرات والخيارات الضيقة
مع دخول التظاهرات في سوريا شهرها السابع على التوالي، تبدو الخيارات قد بدأت تضيق بالنسبة للنظام يوماً بعد يوماً، في الوقت الذي أصبحت فيه المعارضة جريئة. كانت إستراتيجية نظام الأسد مركزة على العمليات الأمنية والعسكرية المنهجية مع جهود متفرقة بالإنخراط بما يسمى بالحوار الوطني. وكانت المعارضة تحافظ كل الوقت على الضغط على النظام داخلياً من خلال التظاهرات اليومية الثابتة تقريباً في الشوارع مع أشكال أخرى من العصيان المدني في الوقت الذي تحاول فيه، على الصعيد الخارجي، تحريك المجتمع الدولي لعزل سوريا وتطبيق إجراءات عقابية ضدها. في كل الأحوال، الجانبان واعيين للدور الهام المتزايد الذي يقدر على لعبه جيران سوريا ما أن تنتشر الأحداث داخلها.
التصور الإقليمي للنظام السوري
بالنسبة للنظام السوري، فإن أهم جيرانه في هذا الصراع الجاري الآن مع شعبه حسب الترتيب الأولوي هم تركيا، لبنان، العراق، والأردن. أما تأثير إسرائيل في المسائل ذات الصلة بالثورة فيعتبر تافهاً لا يذكر. هناك توقعان أساسيان لدى النظام ينتظرهما من جيرانه: ضمان ألا تصبح أراضيهم ملاذاً آمناً لمنشقين سوريين والإستمرار بتلقي الدعم السياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي. فخلال الأسابيع والأشهر الأولى من هذا الصراع، بدا النظام قادراً على جعل جيرانه يتمسكون بهذه الأدوار الأساسية، إنطلاقاً من إهتمام هذه الأنظمة، بشكل رئيس، بقدرة النظام السوري على معاقبتهم. كما تتخوف هذه البلدان من إنهيار النظام السوري لأنه سيحفز الإسلاميين على الإستيلاء على السلطة، وعلى الحرب الأهلية والتقسيم – نتائج ذات عواقب خطيرة بالنسبة لجيران سوريا.
عندما إندلعت الأحداث لأول مرة في درعا في آذار على بعد أقل من 3 أميال من الحدود الأردنية، حاول عدد من السكان اللجوء الى هناك.في كل الأحوال، أغلقت السلطات الأردنية الحدود بسرعة، ولاحقت أولئك الذين عبروا الى الداخل الأردني. وبشكل مشابه، عندما بدأ منشقون باللجوء الى لبنان وإستخدام مقاهي الإنترنت العديدة المنتشرة فيه لتنظيم ثورة إلكترونية، بدأت مضايقتهم من قبل السلطات اللبنانية والداعمين للنظام. وعندما فر بعض المجندين السوريين من الخدمة خلال العملية حول تل كلخ، قام الجيش اللبناني، بحسب ما قيل، بإعادة تسليمهم للجهات السورية، إرضاءً النظام السوري. وقد ساعدت الحكومة اللبنانية أيضاً، بلطفها وكرمها، النظام السوري دولياً بسد الطريق أمام الجهود الأخيرة من قبل المجتمع الدولي للتحرك بإتجاه التصويت على إدانة أعمال النظام في مجلس الأمن الدولي، حيث لبنان عضواً فيه.
كانت تركيا مستعدة أيضاً لكبح إنتقاداتها لنظام الأسد حتى عندما كانت القوى الأمنية السورية تقمع المتظاهرين في جسر الشغور وإدلب. وهذا يعود بشكل لا بأس به الى واقع بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان لا يزال مقتنعاً أن بإمكانه إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالبدء بإصلاحات وتجنب القيام بأعمال عنف أكبر قد تزعزع إستقرار البلد في النهاية حتماً. حتى العراق، الذي لطالما كان ينتقد تورط النظام السوري في السماح للمقاتلين المتمردين بعبور حدوده، ظل صامتاً وأصماً، بتوصية من إيران، على الأرجح، التي تدعم النظام بشكل فعال. في كل الأحوال، يبدو بأن هناك تحولاً في الآونة الأخيرة في موقف معظم البلاد المجاورة. ففي حين لا يزال على الأردن ولبنان الإدلاء بتصريح رسمي، هناك إستياء وسخط متزايدين في أوساط شعبيهما بسبب عدم دعم حكومتيهما للثورة السورية. أما تركيا والعراق، من جهة أخرى، فقد أصبحا أكثر إنتقاداً للنظام السوري مع التحول الشعبي الأكثر دراماتيكية الآتي من رئيس الوزراء التركي أردوغان، الذي، وعلى الملأ، نعت الأسد بالكاذب الذي ينبغي عليه التنحي وبأنه لن يكون هناك أي حوار آخر مع سوريا. بإختصار، يبدو بأنه في الوقت الذي نجح فيه النظام، مبدئياً، بتقييد دعم جيرانه للثورة، فإن هذا الدعم قد تآكل بسبب تردد النظام بإحتواء مستوى العنف ضد المتظاهرين في الشارع السوري.
في كل الأحوال، كان الهاجس الأخطر دوماً حتى الآن بالنسبة للنظام بروز سيناريو بنغازي، حيث يكون بإستطاعة جيش منشق على ترسيخ موطئ قدم له. أما المناطق الأكثر عرضة للإستهداف فهي المناطق الحدودية مع تركيا والعراق. فالحدود العراقية في تلك المنطقة نفاذة كما هو معروف (كما رأينا خلال التمرد العراقي) وهاجس النظام هنا هو أن تبدأ العشائر العراقية بإرسال الدعم لإخوانهم السوريين في الوقت الذي تقوم فيه هذه العشائر بتوفير الملاذ الآمن لهم من النظام. نتيجةً لذلك، كان الرد السوري في هذه المناطق، تحديداً، سريعاً وقاسياً مع دمار واسع بالممتلكات. فالحملة ليست فقط لقمع وإخافة السكان المحليين، وإنما لإرسال رسالة لا لبس فيها الى حلب المدينة الشمالية، والجائزة الكبرى من بين كل المدن.
ليست مصادفة أن تكون حلب ظلت هادئة نسبياً خلال الثورة. فنظام الأسد واع تماماً الى أن مدينة حلب تحمل في طياتها الإحتمال الأكبر بأن تصبح بنغازي سوريا. فإذا ما نهضت حلب وإستطاعت التوصل الى جمع كتلة جماهيرية حاسمة في تظاهراتها المعادية للنظام، فسيكون النظام السوري عندها ملزماً بتنفيذ حملة قمع عقابية ضد المدينة بأسلوب مشابه للذي حصل في حمص، درعا، دير الزور، وكل الأماكن الأخرى. وإلا فإن الثورة ستنتشر وتمتد بالتأكيد الى دمشق وسيضيع كل شيئ. في كل الأحوال، آخر مرة حدث هجوم من هذا النوع ضد مدينة قريبة من الحدود التركية كان الهجوم على جسر الشغور، وجعل 10000 لاجئ يعبرون الى تركيا. ويبلغ تعداد سكان جسر الشغور حوالي 30000، في حين يبلغ عدد سكان حلب حوالي 5 مليون. لذا، فإن أي هجوم على حلب يحمل في طياته كارثة إنسانية مع وجود عدد ساحق من اللاجئين المتدفقين عبر الحدود الى داخل تركيا. وستكون السلطات التركية ملزمة، بدورها، إما للسماح لهؤلاء اللاجئين بعبور حدودها أو التحرك وإنشاء ملاذ آمن حول حلب، لتمهد الطريق بذلك لسيناريو بنغازي المحتمل. ويتخوف النظام السوري من الخيار الأخير، بشكل رئيس، ما قاد النظام الى تكريس الكثير جداً من الوقت والموارد لحلب. وتتضمن هذه الأمور وجود أمني هائل، الترهيب والتهويل، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بالإضافة الى تقديم أمثلة عن مدن أخرى مثل دير الزور، أبوكمال والرستن. حتى الآن، إستطاعت هذه التكتيكات منع حصول أية تظاهرات كبرى أو ثورات في حلب.
أخيراً، ينبغي الإشارة الى النقاط التالية في تقييم وجهة نظر النظام لظروفه الإقليمية. وحتى الآن لم تكن المنطة الكردية شمال شرق سوريا، تحديداً، والتي تتقاسم الحدود مع كل من تركيا والعراق، معضلة بالنسبة للنظام، لأن الأكراد هناك تجنبوا الإنخراط والتورط بالكامل في الثورة. في كل الأحوال، هذا قد يتغير فعلاً مع التظاهرات الكبيرة في مدينة القامشلي التي ترد أخبارها الآن، والأهم بعد إغتيال مشعل تمو في 7 تشرين أول، وهو ناشط كردي قيادي وعضو في المجلس الوطني السوري. مرة أخرى، ليس لإسرائيل دور مباشر هنا لتلعبه أو أنه دور صغير، لكن من الممكن أن يعمل النظام، في مرحلة ما، على رفع حالة التوتر مجدداً عبر الحدود كما فعل قبل أشهر كوسيلة إلهاء إذا ما ظهرت الحاجة لذلك. يستمر النظام أيضاً بإستغلال مخاوف كل البلدان المجاورة واللعب على هذا الموضوع، أي أن البديل له سيكون إستيلاءً إسلامياً على السلطة بأجندة سلفية، والترويج بقوة لفكرة الحرب الأهلية والنزاع المذهبي اللذان سيبتلعان البلد ويهددان بالإنتشار لتتجاوز الحرب حدودها بإتجاه الخارج.
التصورات الإقليمية للمعارضة السورية
إن هدف المعارضة السورية الأول هو إسقاط نظام الأسد وإستبداله ببرلمان وحكومة منتخبيْن ديمقراطياً. وفي سعيها لهذا الهدف، إعتمدت، جزئياً، على إستراتيجية حاولت بها جر إحدى الدول المجاورة المحددة الى حلبة الصراع – تركيا. هناك ثلاثة أدوار متمايزة قد تجد تركيا نفسها منخرطة في لعبها شيئاً فشيئاً لصالح المعارضة. الدور الأول هو الإستمرار بتوفير المأوى للأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين، تحديداً عائلات الفارين من الجيش والأفراد المنشقين عن النظام. الدور الثاني، الإستمرار بتوفير غطاء للمعارضة للإجتماعات والتنظيم. وفي الآونة الأخيرة، تم الإعلان عن المجلس الوطني السوري في إسطنبول، آخر إجتماع في سلسلة طويلة من الإجتماعات، المؤتمرات، والمجالس المستضافة كلها على الأرض التركية. أما الدور الثالث، والأهم ربما، فهو تطلع المعارضة الى تركيا للتدخل عسكرياً لمنع حصول كارثة إنسانية إذا ما نهضت مدينة كحلب ووقفت ضد نظام الأسد. إن خلق ملاذ آمن من قبل تركيا سيفتح عندها الباب أمام سيناريو بنغازي.
الإستنتاج
بعد سبعة أشهر من الإضطرابات الجارية ونسبة الضحايا المتزايدة أبداً، من الواضح الآن للدول المجاورة والمنطقة ككل عدم أرجحية إستمرارية النظام السوري على المدى الطويل، مع أرجحية متزايدة لوجود إرتدادات وردود فعل عكسية بسبب الإضطرابات المستمرة إذا ما سُمح للنظام السوري بالإستمرار في معالجته الحالية للوضع. بالنتيجة، أدى هذا الأمر الى تآكل سريع لأي دعم حقيقي أو مؤقت للنظام السوري؛ حتى الحلفاء الأقوياء والمخلصين كإيران قد يبدؤا، فعلياً، بإعادة تقييم قيمة علاقاتهم مع حليفهم القديم.
مع ذلك، يبدو النظام السوري، حتى الآن، عاجزاً عن القيام بأي رد آخر عدا القمع المتزايد ضد المعارضة. فهو يبدي تقبلاً جريئاً لعزله، مقترناً بإيمان متغطرس بأخلاقيته وإعتداده بنفسه وبالنصر الوشيك على أعدائه. فدمشق، بحسب قواعد اللعبة التي تمارسها، تتبع وضع "إنتظر ولنرى" الذي تعتقد بأنه ممتاز جداً والذي نجح معها بشكل لافت جداً مرة بعد الأخرى. فبالعودة الى الفترة ما بين عاميْ 2005- 2007، قام نظام الأسد، بعد مواجهته الضغط من قبل المجتمع الدولي على خلفية إغتيال الحريري، بسحب آلياته، ثم قبع وإنتظر حتى تمر العاصفة. وبسبب قدرته على النجاة من المنتقصين له الأساسيين حتى الآن، خدع نظام الأسد نفسه بإعتقاده أن بإمكانه الإستمرار بذلك مجدداً، بغض النظر عن الإحتمالات.
بخصوص هذا الموجز
هذا الموجز جزء من سلسلة تدرس الأبعاد الإقليمية للثورة الشعبية السورية. دعى المعهد خبراء كبار من الولايات المتحدة وعبر الشرق الأوسط لتحديد قوى النفوذ الموجهة والأساسية التي يمارسها جيران سوريا في الصراع، للتكهن بالكيفية التي سيؤثر بها الصراع الجاري في سوريا على توازن القوى الإقليمي الحساس والمتفجر، ولدرس الكيفية التي تحلل بها المعارضة والنظام السوري العوامل الموجودة في الديناميكيات الإقليمية وعبر الحدود. حرر هذه السلسلة ستيفن هيديمان من USIP، مستشار رفيع لدى " مبادرات الشرق الأوسط"، وسكوت لاسينكي، مسؤول برامج رفيع.
من خلال هذه السلسلة، ورش العمل والبرامج الجارية التي تجمع الخبراء، شخصيات، مسؤولين وشخصيات من المجتمع المدني معاً، يهدف المعهد الى توفير تحليل تطبيقي ووسائل إدارة الصراع على الأرض دعماً للتحولات السياسية عبر العالم العربي.

ـ عمر العظم عضو ناشط في المعارضة السورية وبروفسور تاريخ الشرق الأوسط والإنتروبولجيا ( علم الإنسان) في جامعة Shawnee State . يهدف موجز Peace Brief هذا الى درس العلاقة المتدهورة بين النظام السوري وجيرانه وبروز " سيناريو بنغازي: الذي يشتمل على إشتباك عسكري تركي.

السابق
حبيش : عدم التزام لبنان بالقرارات الدولية يأخده الى الهاوية
التالي
إسرائيل: القيمة الإستراتيجية للولايات المتحدة