قراءة في انتخابات الجامعة اليسوعية

ما حصل في انتخابات الجامعة اليسوعية أول من أمس، انتهى. كان يوما واحداً لانتخابات لا تدل على أكثر مما هو متوقع: فاز التيار الوطني الحر بدعم «وفيّ» وكامل من حزب الله وحركة أمل في أغلبية كليات الجامعة، وخسرت القوات اللبنانية، لأن الصوت المسيحي وحده، لا يؤدي اليوم إلى «النصر».

الجملة أعلاه، ليست قراءة عادية في نتيجة باتت معروفة، بل تفنيد علني لانتخابات طائفية، كلما «حككتها» أكثر بثت سموما عدائية بين طلاب يقدسون زعماءهم، ويعدمون فكرة «الآخر» من برامجهم، ولا يستخدمونه إلا في سياق تبيان كيفية الاستفادة منه، ومن ثقله. وفي حالة اليسوعية، كان الطرفان، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، يدافعان عن جوهر واحد: الوجود المسيحي، الذي يواجهه تحدّ ديموغرافي لا يخفى على أحد. وكان الطرفان كلما سُئلا عن تحالفتهما، يحكيان عن رغبتهما «بالعيش المشترك»، وينتقدان طريقة الآخر في إرساء هذا العيش.

اختلفت مصطلحاتهما، إنما تشابهت كثيرا مخاوفهما. وهذا لم يكن الأمر الوحيد الذي تشابها فيه، إذ اشتركا مع الأطراف الأخرى أيضا في تأليه زعمائهم، وعصمتهم عن الخطأ، فتجدهم يقتبسون كل أقوالهم كلما تنفسوا. انتهت انتخابات الجامعة اليسوعية وتكر بعدها سبحة الانتخابات الجامعية من سيدة اللويزة واللبنانية الأميركية والأنطونية وغيرها. وفي أغلبها سيكون الثقل العددي صاحب الكلمة الفصل، وسيظهر هذا في الجامعات بشكل واضح أكثر من الجامعة اليسوعية التي خاضت انتخابات وفق نظام نسبي يمنع اكتساح فريق لصالح تهميش آخر.
 «لماذا خسرنا؟»

في اليوم التالي للانتخابات، كان التيار الوطني الحر يقدم جوابا واحدا لتحليل «انتصاره»: «ربحنا لأننا نعمل، لأن التيار يحسن في أداء وزاراته من العمل الى الاتصالات وغيرهما. ربحنا لأننا راهنا على المشروع الوطني بين العونيين وحزب الله»، يقول مسؤول الجامعات الخاصة في بيروت في التيار الوطني الحر جان جاك مانانيان.
لدى القوات أيضا قراءتها الخاصة لربح العونيين: «ربحوا لأنهم اعتمدوا على «البلوك» الشيعي في الجامعة، لا اعتمادا على الصوت المسيحي»، يقول مسؤول دائرة «الجامعات الفرنكوفونية» في القوات اللبنانية، نديم يزبك، ويستطرد «نحن نملك 65 في المئة من الصوت المسيحي في الجامعة، انما المعركة الآن ليست على الصوت المسيحي، والنقاش الفعلي هو حول ما نواجهه من واقع ديموغرافي يتعلق بعدد طلاب حزب الله في اليسوعية، وفي كل الجامعات وكل لبنان. «هذا كله»، يفرض على القوات برأي يزبك، «معركة صعبة، ومن هنا نستطيع أن نعرف لماذا خسرنا». وهنا يوضح يزبك أن «القوات تدرس الثغرات التي أدت إلى خسارتها، بينها اطمئنان زائد لماكيناتها، وحاجتها لسد الفرق عدديا، ولهذا ربما نعمل على كسب الصوت الشيعي الصامت، الرافض لحزب الله ونهجه!».
يعود السؤال إلى نقطة البداية: هل ربح «التيار الوطني الحر» لأنه كان أكثر انفتاحاً على أفرقاء كانوا اعداء في الماضي القريب، في حين ما زالت القوات توصّفهم بأنهم أصحاب مشروع «ولاية الفقيه»؟
يرسم مانانيان صورة «زهرية» عن تموضع العونيين: «نحن نفاخر بأننا أكثر قدرة على الشراكة مع الآخر، وفي هذه الحالة هو حزب الله، وأننا أكثر انفتاحا على الكل». والذي يقوله مانانيان يصور الوضع كأن انتخابات الأمس خيضت لاسقاط النظام الطائفي، أو لارساء العلمانية؟. هنا يردف «لا يمكننا الادعاء أننا نعيش في سلم داخلي تام في ما بيننا، لكننا في عملنا هذا نؤسس لبذرة ستثمر سلما طويلا في المستقبل، إذ لا يمكن لأحد أن ينكر أننا خففنا حدة الفصل الطائفي، في حين تغذي القوات الغرائز الطائفية. نحن نقول بتحركاتنا وتحالفتنا اننا لا يمكن أن نعيش بلا الآخر، ولا نريد أن نعيش بلا الآخر».

شراكة أم مصالح؟

مشروع «الشراكة والمحبة» التي جعلت قوى الثامن من آذار تفوز في الانتخابات، ليس إلا «مشروع مصالح متبادلة بين جهة مسيحية تتضاءل شعبيتها في الوسط المسيحي يوما تلو الآخر، وبين حزب الله الذي يعين هذا الطرف المسيحي على الاستمرارية»، كما يقول يزبك، معتبراً أن «القوات كانت ديموقراطية لدرجة اعترفت بأنها خسرت الانتخابات، انما نحن نحلل من الذي انتصر فعلا، ونذكر أن الربح هذا هو لمشروع حزب الله، ولمشروع الفكر المضاد للمحكمة الدولية، وربح لمن يدعم نظام بشار الأسد الذي يقضي على الثورة الشعبية».
ويعود يزبك ليسأل: «هل انفتاحهم على حزب الله وانتفاعهم من أصواته في كل الانتخابات، يعنيان أننا منغلقون على «الآخر»؟، ألم نكن أول من تحالف مع الدروز؟ ومع السنة؟ وألم يؤسس هذا التحالف «لثورة» 14 آذار، التي كان مشروعا وحدويا وطنيا، بخلفية مسيحية؟».

إنما، لماذا لم يؤد هذا الانفتاح إلى تقدم القوات اللبنانية و14 آذار في الانتخابات؟ وهل تكون نتيجة هذه الانتخابات دلالة على انتهاء 14 آذار؟ يجيب يزبك «نحن ما زلنا على انفتاحنا، انما المشكلة ما زالت في العدد. ولا يمكن لأحد أن يعتبر أن خسارتنا هي ثمار تراجع مشروع 14 آذار. هذا مشروع لم يندثر، ولا يمكن أن ينتهي ما دام له جمهوره، والطريقة الوحيدة للقضاء عليه تكون بالابادة الفكرية الشاملة»!. يحكي يزبك عن الانفتاح، ويرد مانانيان بتذكيره «بسيل الشائعات والاتهامات التي يستخدمها القوات كل سنة، لتغذية الغرائز الطائفية في صفوفهم، كيف يمكن أن يكونوا منفتحين وهم لا ينفكون يكررون أن حزب الله سيشيّع الجامعة؟ وسيسيطر على الأشرفية؟ وسيقيم مسجدا في قلب الجامعة؟».

ويضيف مسؤول التعبئة التربوية في الجامعة حسين الحاج ان «الإشاعات أعلاه أصبحت كالترنيمة السنوية التي تتردد على مسامعنا»، مضيفاً «كيف يمكن لهم أن يسألوا: ماذا يفعل طلاب حزب الله في الجامعة؟ نحن هنا لنتعلم، وليس من المفترض لنا، او لطلاب مؤيدين لأحزاب أخرى أن يبرروا وجودهم، فهل علينا أن نبرر أكثريتنا العددية؟ هل ندخل الجامعات ضمن خطة استراتيجية توزعنا بين الصفوف؟».
ويوضح الحاج «المستقبل سيثبت أننا ربحنا في الانتخابات لأننا أظهرنا انفتاحنا على الجميع، وسبب خسارتهم الأول والأهم هو تعصبهم، وانغلاقهم على أنفسهم». وعلى الرغم من هذا، وفق الحاج، «لا أحد ينفي أن كل انتخابات طالبية، لا علاقة لها بالطلاب بأي شكل. هذه انتخابات سياسية ويكذب كل من يقول العكس».  

السابق
اعتصام للاساتذة المتفرغين
التالي
حرج العسكر يموت بفعل العمران والأمراض والإهمال في النبطية