روسيا وحزب الله للمشوِّشين:نعرفكم وستتعبون!

منذ أن وطئ الأرض الروسية، شعر وفد «حزب الله» بأن يدا ما تحاول التشويش على الزيارة، في محاولة مكشوفة لمنع فتح المدى الروسي أمام «حزب الله»، إلا أن رياح الزيارة جرت بعكس ما تشتهي سفن التشويش، التي أبحرت بحمولة زائدة من الفشل. فيما عاد الوفد، كما يؤكد المعنيون بتلك الزيارة، بخارطة طريق مشتركة نحو علاقة أوثق وأوسع وأعمق بين الحزب والمسؤولين الروس.

لكن في الوقت الذي أوكلت فيه إلى «حزب الله» مهمة وضع آلية المسار التطويري للعلاقة بين الجانبين، انتقلت تلك اليد الى محاولة ضرب الزيارة في الداخل اللبناني لعلها تنجح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه في روسيا، ولاحظ المتابعون الحزبيون كيف ان «الإعلام الازرق» حاول التبخيس بالزيارة وتقديم صورة مشوّهة عن اللقاءات التي أجراها الوفد في موسكو، وعن مستوى الشخصيات الروسية التي قابلها الوفد وعن مدة اللقاءات، وصولا الى «سيناريو» تمويل المحكمة الدولية، حيث أريد اظهار الروس كأنهم أولو الأمر الدولي لتلك المحكمة وأنهم الضاربون الوحيدون بسيفها، من خلال إلباسهم موقفا اميركيا غربيا وكلاما لطالما رددته السفيرة الاميركية في بيروت مورا كونيللي عن عقوبات واجراءات في حق لبنان في ما لو تخلف عن تمويل المحكمة… وصولا الى دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للاستقالة اذا تمنع عن التمويل.  تعاطى «حزب الله» مع هذا «السيناريو» على انه شهادة اضافية على نجاح زيارة وفد كتلة الوفاء للمقاومة الى موسكو، خاصة ان هذا التشويش الانفعالي ما كان ليحصل لو أن الزيارة لم تحقق مبتغاها. لذلك تجاهل الحزب التسريبات بشكل كلي، الى حد السخرية من الوقائع التي سربت وخاصة في ما خص المحكمة وتمويلها، وهي وقائع ذكّرت المتابعين بالسيناريوهات والروايات التي كانت تنشر في بعض الاعلام العربي والغربي حول المحكمة، لا بل انهم كانوا شبه متيقنين من أصابع المطبخ نفسه. وعلى ما يقول أحد الحزبيين، «فإن الانفعال قد اخذ من الطباخين حد توليد تعابير ومفردات تهديدية غير مألوفة لدى الروس. لقد كبروا الكذبة بما جعلها غير قابلة للتصديق»، حتى أن مراجع رسمية عدة هزئت بالكلام المنسوب الى الروس، خاصة أن الموقف الروسي لا يرمى في كل صالون وفق ما يشتهي هذا أو ذاك من اللبنانيين، بل ثمة مقاربة روسية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة روسيا أولا، والأمن والاستقرار الاقليميين ثانيا.

برغم ذلك، شعر الروس بإساءة معنوية كبرى، وبأن هناك اطرافا لبنانيين وآخرين غير لبنانيين يتعمدون تلك الاساءة من خلال فبركة سيناريو ينسب الى الخارجية الروسية تهديدا للبنان بأن مجلس الامن الدولي سيلجأ الى فرض عقوبات عليه ما لم يفِ بالتزاماته حيال المحكمة. لقد شعر الروس بأن ثمة من يتدخل في شؤونهم، وان ثمة من يريد ان يسيء الى دورهم وحضورهم في لبنان، والى ضرب مصداقيتهم في علاقاتهم سواء مع الدولة اللبنانية او مع القوى السياسية في لبنان. ولم يكن صعبا عليهم الاستنتاج انّ ثمة من هو مستاء جدا من الانفتاح الروسي على «حزب الله»، ويحاول من خلال التشويش ان يوصل رسالة بهذا المعنى الى موسكو، وهذا ما اعتبرته تدخلا فاضحا في شؤونها، علماب أن مستشارا لمرجع حكومي سابق، وهو شبه مقيم في العاصمة الروسية، تلقى لوما من دائرة سياسية ضيقة، على خلفية اخلاله بقضايا نوقشت معه ربطا بزيارة وقد «حزب الله» الى موسكو.

وتبعا لذلك، اعلنت الخارجية الروسية قبل ايام قليلة ما يمكن اعتباره «استنفارا دبلوماسيا»، الغاية منه، من جهة، ردّ تلك الاساءة بما يوازيها او اكثر، وايصال رسالة «جوابية «قاسية الى «الاطراف المسيئة» اللبنانية وغير اللبنانية وتكاد تكون معروفة بالاسماء ومحل الاقامة، تذكـِّر فيها بأنّ التدخل في الشأن الروسي ممنوع. ومن جهة ثانية ، الحؤول دون ان يخلق هذا التشويش، اي ارتدادات من شأنها ان تصيب العلاقة مع «حزب الله» بأي أضرار، فضلا عن حرص موسكو على نجاح تجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وأن يستمر الاستقرار في لبنان محصنا في هذه المرحلة.
وقد تبدى الاستنفار الدبلوماسي الروسي في المراسلات التي جرت ما بين موسكو وبيروت في الايام القليلة الماضية، والتي ابرزت الآتي:

أولا، استغراب الجانب الروسي ما هو منسوب للخارجية الروسة من كلام حول المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري وربط عدم تمويلها بفرض عقوبات على لبنان.
ثانيا، ادراك روسيا حساسية موضوع المحكمة الدولية في لبنان، لذلك هي لا تقاربه من زاوية استفزازية لأي فريق في لبنان.
ومن المعلوم ان روسيا الى جانب الصين وجنوب افريقيا واندونيسيا وقطر، امتنعت عن التصويت لصالح القرار 1757 المتعلق بانشاء المحكمة، وكان للمندوب الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين موقف لافت للانتباه وقتذاك، بتحذيره من «ان تشكيل محكمة دولية بقرار احادي الجانب ينتقص من سيادة لبنان، وكان ينبغي أن يؤكد نص القرار على أحكام الاتفاق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة وليس الدخول في حيز التنفيذ. كما ان الصيغة الحالية تشوبها الشبهات وتمس بسيادة لبنان ولا نعتبر أن ثمة مبرراً للفصل السابع.. لقد تم اللجوء الى الفصل السابع في يوغوسلافيا ورواندا على اعتبار ان الجرائم التي جرت هناك ضد الإنسانية ويتم التعامل معها من جهة دولية. أما المحكمة اللبنانية فهي لغرض لبنان ولا بد من الإصغاء الى كلّ الأصوات اللبنانية، وكان من الواجب عدم الاكتفاء بالاستماع إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بل الى الرئيس اميل لحود ايضاً».

ثالثا، صدور قرار عن الخارجية الروسية يقضي بتكذيب قاس لكل السيناريو المفبرك والتأكيد على عدم مشاركة موسكو في اي شائعات مرتبطة بالمحكمة او بالواقع اللبناني، وهو ما تجلى في «البيان التكذيبي» الذي صدر قبل ايام عن السفارة الروسية في بيروت.
رابعا، حرص روسيا على الاستقرار في لبنان، ورفضها كل ما من شأنه المس بهذا الاستقرار والاضرار به.
خامسا، تأكيد روسيا جدية توجهها نحو علاقة وطيدة مع «حزب الله»، واعتبار الزيارة الناجحة التي قام بها الوفد النيابي من «حزب الله» الى موسكو، قاعدة اساسية يبنى عليها لعلاقات ثنائية اكثر تطورا وعمقا.
سادسا، صدور توجيهات من الخارجية الروسية الى السفير في بيروت، بالتواصل المباشر مع «حزب الله»، واولى ترجمات هذا الامر، كانت في لقاء ثنائي موسع جرى قبل اقل من اسبوع وتخلله خبز وملح، بين وفد من «حزب الله» (ومن ضمنه اعضاء الوفد النيابي الى موسكو)، ووفد موسع من السفارة الروسية في بيروت ضم السفير الروسي وبقية الطاقم السياسي في السفارة، وشكل بمضمونه تتمة موضوعية لمحادثات الجانبين في موسكو، وخرج بخلاصة تؤكد جدية الطرفين واهتمامهما بالذهاب الى علاقة وثيقة ومتطورة، وتوطيدها وتنميتها والانتقال بها الى مراحل متقدمة. وفكرة عقد اللقاءات الدورية قائمة، لا بل اكثر من واردة وقابلة للترجمة في الآتي من الايام.

سابعا، ارتدت محاولات التشويش على العلاقة بين الروس و«حزب الله» سلبا على المشوشين انفسهم، اذ انها قرّبت مواعيد وشكلت حافزا لكليهما لبث المزيد من الحرارة والدفء في العلاقة ومزيد من الثقة المتبادلة بينهما. وفي الوقت نفسه، تم توجيه رسالة لمن يهمه الأمر، بأن من يحاول التشويش وافتعال اعمال الشغب على ما بات يربط بينهما سيتعب كثيرا. وسمعت مستويات رفيعة في «حزب الله» ما حرفيته: «لقد فتح امامكم المجال الروسي، وكذلك المجال الصيني، وبالتالي بات لـ«حزب الله» حضوره اللافت للانتباه على المستوى الدولي، وما لا شك فيه ان ثمة لبنانيين وغير لبنانيين ممتعضون من هذا الحضور، لكن يجب الا نفاجأ بأن امتعاضهم هذا طبيعي بلا ادنى شك، فهو امتعاض كبير بحجم الحضور الكبير لـ«حزب الله» على الساحة الدولية». 

السابق
طلاب لبنانيون في معرض دبي للطيران
التالي
اعتصام للاساتذة المتفرغين