تجار الجنوب يصرخون..والأهالي يمنعون أنفسهم عن شراء ثياب العيد

يومان فقط يسبقان عيد الأضحى المبارك، "العيد الكبير"، كما يسميه أبناء بنت جبيل ومرجعيون، لكن الأهالي اختاروا التزام منازلهم والاضراب عن شراء لوازم العيد، في حين استنفر تجار القرى والبلدات طاقاتهم فبسطوا ما تيسّر لهم من البضائع سيما الألبسة والحلوى، على اعتبار أن مثل هذه الأيام هي الأوفر حظّاً لهم لكسب الرزق. لكن ما يحصل لم يكن في الحسبان، "لقد انتظرنا كثيراً ولم يرتد الزبائن كعادتهم قبل يوم العيد الى محلاتنا التجارية، حتى أن بعضاً قرّر الهروب الى الأمام، فبسط بضاعته في ألأسواق الشعبية التي تنتقل في القرى، لكن دون جدوى"، يحدّث التاجر تيسير محمود، من بنت جبيل بحسرة وغضب، "الأسعار هي السبب، لقد ارتفعت أسعار المأكولات واللحوم والخضار، فلم يعد لدى الأهالي الفقراء المقيمين هنا ما يكفي لشراء ثياب العيد لأولادهم، كانت الأسواق الشعبية في السنتين الأخيرتين هي ملجأهم، لكنهم اليوم امتنعوا نهائياً عن شراء كسوة العيد، انه الفقر بعينه، الذي اجتاح الأهالي ويجتاحنا أيضاً نحن التجار".

محمد جزيني واحد من هؤلاء التجار الذين قرّروا بسط بضائعهم من الألبسة في الأسواق الشعبية، يعتبر أن "ما يحصل اليوم، هو من أسوأ أيامي التجارية منذ الحرب الأهلية، فأسعار الألبسة الشعبية ارتفعت بشكل لافت، والوضع في سوريا جعلنا نتريث كثيراً للدخول الى أراضيها لشراء الألبسة التي أسعارها متدنية عن لبنان ما ساهم في ارتفاع الأسعار هنا".

وتقول ام محمد سرحان، من بلدة الدوير في قضاء النبطية، "أنا أبيع الثياب في الأسواق الشعبية، وكنت في مثل هذه الايام في سوق الطيبة الشعبي أبيع بما يزيد على الخمسماية دولار قبل العيد، أما الأن فلم أبع إلاّ بـ 100 ألف ليرة لبنانية". فالزبائن لا يأتون حتى لمشاهدة البضاعة فقد فضلوا البقاء في منازلهم كون مداخيلهم لا تكفي لسدّ حاجتهم من الطعام والشراب، وتشير إلى "أن أسعار الثياب التي نبيعها تضاعفت في ألاسبوعين الأخيرين دون أي مراقبة او محاسبة لتجار الجملة الذين يتحكمون بهذه الأسعار".

أما زين دقمامق، من بلدة الشهابية، الحائز على شهادة ماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في العام 2005، كان قد قرّر العمل في تجارة الالبسة داخل الأسواق الشعبية، كبديل إلزامي له عن التعليم في المدارس الخاصة والرسمية، التي بحسب قوله "لا تؤمن لي أكثر من مليون ليرة في الشهر في احسن الأحوال، بينما كانت هذه التجارة تدرّ عليّ اكثر من ذلك بكثير، أما في مثل هذه الأيام فان الوضع أصبح أكثر سوءاً من عمل المدرّس، فالزبائن لا تأتي الى الأسواق كما يحصل في بنت جبيل والطيبة، فيبدو أن ثياب العيد أصبحت من الكماليات بسبب ارتفاع الأسعار، وهذا كله بسبب جشع التجّار الكبار وعدم مراقبة المسؤولين واكتراثهم بمصير الأهالي الفقراء". ويوضح دقماق أن "هذا الوضع المعيشي هو الأسوأ منذ التحرير في العام 2000، فالتحرير أعاد الحيوية الاقتصادية الى المنطقة، ثم جاءت عملية إعادة الاعمار بعد حرب تموز ليتحسّن الوضع بشكل لافت، أما اليوم فكل شيء توقف، وتدنت فرص العمل وارتفعت ألاسعار بشكل جنوني، ومعظم الأهالي يعتمدون هنا على الزراعة والوظيفة".

لا تختلف بنت جبيل والطيبة ومرجعيون عن باقي المناطق الجنوبية، الغارقين سكانها في البحث عن لقمة العيش، والراكضين خلف أعمالهم التي لا تعطيهم أكثر مما يصرفون على اساسياتهم من مأكل ومشرب ومسكن.
 

السابق
البحث عن العيد التائه في وسط الازمات السياسية والاقتصادية
التالي
يقاضيه لأن الصور لم تعجبه !