البحث عن العيد التائه في وسط الازمات السياسية والاقتصادية

بارد يهل العيد، منقسم يفترش جناحيه الشقاء والركض خلف لقمة العيش.. فلم يعد العيد كما عهده المواطن، لقد أختزل اليوم بـ"الحلة"، ليصبح عيد الألفة والمحبة، من منظار أم أحمد.
تغيرت الوانه وحتى صفاته وايامه، فضاع في غياهب البحث عن وجوده…هل سُيس العيد؟ أو ربما "تعولم"، وربما تعصرن ولكن يبقى للعيد رمزيته وقدسيته التي تبقيه موجودا.
لقد ضل العيد طريقه وضاع في دهاليز "السياسة" والجوع الإقتصادي"، الذي أغرق المواطن في أتون البحث عن "الراحة الفكرية ولو لساعة واحدة" حسبما يقول المواطن حسن.. لقد سكن العيد المقابر، تبخَرت الزيارات التي أخلت بمقوماته لان النفسيات تبدلت وهذه حكما لها ترددات اسقطت العيد من مكانته، ولم يبق لنا منه سوى القليل، ويكمل: "لا نشعر به لولا تكبيرات الله اكبرالتي تصدح في الصباح الباكر".

يدخل العيد في مناوشة حتمية مع فحش الاسعار "الكاوية" التي أحرقت جيب المواطن، في الأسواق إزدحام ولا إزدحام، ضحكة وغصة، علامات تتلمسها في مجوه الاهالي الذيد يجهدون لإسعاد اولادهم بفدراتهم المحدودة. وعلى هذا الصعيد يشير علي صاحب احد المحال التجارية في السوق إلى انهم يسعون "لتلطيف الاسعار كي تتناسب بين متطلباتنا واوضاع الزبون الاقتصادية".
وفي السوق حركة بيع هي على قلتها ترضي- الى حد ما- غرور البائع الذي يرى ان "العيد تبدلت رائحته، لكن لم يختف اثره فالناس مازالت تشتري الملابس للاولاد"، في المحال التجارية حركة خجولة، الاسعار مرتفعة "لان كل شيئ ارتفع سعره.
لكن لماذا ترتفع الاسعار عشية العيد رغم علم التاجر سلفا ان المواطن يعيش في الحضيض، اجاب عن هذا التساؤل وبكل بساطة مصطفى لأنه "لا يبالي إلا بمصلحته"، بينما هدى تقول: "أبحث عن محال وضعت حسومات على بضاعتها عساني أدخل بهجة العيد على نفوس أولادي"، ولكن لا تخفيضات ولا حسومات، الامر الذي يخيف صاحب الدخل المحدود ويُرعب زوجة الموظف المياوم.
 تنهيدة قهر تصدح من صدور المواطنين الباحثين عن فصل أخر من الحياة. فيما يرتسم سؤال "هل يحتاج العيد الى صحوة ليستعيد مكانته، ربما يحتاج الى هداوة البال فتقول سامية فران "الاسعار في السوق تَخدرنا عليها، رغم أن لهيبها يٌدوي عند صاحب الدخل المحدود الذي يجد نفسه بين مطرقة أولاده وسندان الغلاء، وبين الإثنين تضيع قيمة العيد التي سقطت في فخ الضائقة الاقتصادية، والاهم تمدنه وعولمته وهي شلت قدرتنا على أن نجاريه"
حين كنت أعبر الى العيد كنت أتوقف عند أحد الأحياء القديمة، عسى أن أشتم عبق عيد لم أجده يوما، هناك وجدت ضآلتي البعيدة، وجدت الحاجة التي تخبز خبزا يطلق عليه العيد، ووجدت أيضا الحاج الذي يُعد حلوى تقترن مع العيد، ولكن أين هو العيد؟ سؤال يراود المرء، هل إنكفأ؟ هل تلكأ عن الحضور، هل وقع في فخ المعوقات الإقتصادية الموصولة بتأزمات نفسية تصاحب حياة المواطن، الذي شبع من تهويل هذه الاحوال… هل العيد محصور بحلته؟

يشغل البحث عن العيد المواطن فتقول مريم: "عبثا حاولت أن أجد ما أبحث عنه"، وتشير "كانت نظراتي تركض وراء العيد، كما لو انه ولدا يلعب، أو طفلا يتأبط بلعبته…حتى أنه سُول لي أنه رجلُ عجوز يتكىء على عصاه وتسير بقربه زوجته العجوز ايضا..ولكنني لم أجده بأي منهم".
وكيف يكون العيد عند أم حسين الحاجة الثمانينية التي تقول: "أبحث عن العيد بين أحفادي ولا اجده"، وتجَرنا بأفكارها الى عيد الماضي مستذكرة "قبل أسبوع من قدوم العيد كنا سيدات الحي كبارا وصغارا نجتمع لنصنع الحلوى، وكانت أمي تخيط لنا الثياب التي كنا نضعها تحت وسادتنا خوفا من أن تهرب، وبالتالي يهرب العيد..في صباح العيد نتسابق الى العيدية، ونتسابق الى ساحة الضيعة، كُنا نعيش العيد بكل معانيه، نعيشه مع العائلة، وتتذوق حلواه بفرح".
إنقسم العيد وإنقسمت معه الفرحة، لا بل إبتعدت عنه وتناست الحضور، وكيف لها أن تأتي في ظل الحزن الذي يفوح من منازل كثر، إما بسبب فقدان عزيز أو ضيق الحال وإما بسبب خلاف سياسي وانقسام حزبي… صراع وانقسام نشر سمومه بين كافة اللبنانيين وفي كافة المجالات فبات العيد مؤقت تمر فيه ساعات سعادة وفرح وهدوء بال وساعات من القهر وواليأس على المصاريف والفواتير التي يجهد رب البيت على تأمينها وإفراح عائلته بها. 

السابق
كرامي/ قباني
التالي
تجار الجنوب يصرخون..والأهالي يمنعون أنفسهم عن شراء ثياب العيد