السفير: المبـادرة العربـيـة لإنقـاذ سـوريـا اليـوم أمـام الاختـبار الحاسـم حمص تنزف والجيش ينسحب من المدن لقوات حفظ النظام

تواجه الخطة العربية لتسوية الأزمة السورية اختباراً حاسماً اليوم الجمعة، حيث أعلنت السلطة أنها أبلغت وحدات الجيش بضرورة تطبيق انسحاب تدريجي من المناطق المأهولة إلى قواعدها أو مداخل المدن، لتحلّ محلها للمرة الأولى وحدات من قوات حفظ النظام التابعة لوزارة الداخلية، فيما دعا معارضون، امس، إلى التظاهر اليوم تحت مسمّى «جمعة التحقق من نوايا النظام».
في هذا الوقت، لقيت المبادرة العربية ترحيباً «متحفظاً» من الأمم المتحدة وواشنطن وباريس ولندن وموسكو وبكين، التي شددت على أن «العبرة في تطبيق المبادرة بشكل كامل وسريع». وابلغ وفد من «المجلس الوطني السوري» المعارض الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي «رفضه الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد».

وعلمنا أن القيادة السورية أبلغت وحدات الجيش بضرورة تطبيق انسحاب تدريجي من المناطق المأهولة إلى قواعدها أو مداخل المدن، حيث ستستعيض عنها للمرة الأولى بوحدات من قوات حفظ النظام، وهي قوات تدربت حديثاً مع تفاقم الأزمة السورية على مواجهات غير مسلحة مع مدنيين، وتضمّ ما يقارب 4 آلاف عنصر، وستملأ الفراغ الذي سيتركه الجيش، بحيث يكون لها لباسها الخاص الذي يغلب عليه اللون الأزرق، كما ستستخدم معدات خاصة مطلية باللون ذاته وتتبع لوزارة الداخلية السورية.
وفي السياق، نفت مصادر عليمة لـ«السفير» نية القيادة السورية تسمية لجنة للحوار، وفق ما أعلنت مصادر إعلامية، بينها التلفزيون السوري. وذكرت المصادر أن التقرير خاطئ، مشيرة الى أن الظروف اختلفت الآن، ولم يعد ثمة حاجة لهذه اللجنة بعد أن وافقت السلطات على حصول حوار مع المعارضة بترتيبات من الجامعة العربية. وتعمل السلطات، وفق المصادر ذاتها، إلى تهيئة الظروف لحصول هذا الحوار، خلال المهلة التي تحدثت عنها المبادرة العربية، وتصل لأسبوعين، وذلك بتنفيذ الانسحاب التدريجي للجيش وإطلاق سراح الموقوفين في الأحداث الأخيرة والسماح لبعض وسائل الإعلام العربية والدولية بالدخول لسوريا».
العربي
وفي القاهرة، أبلغ العربي سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بمضمون قرار مجلس الجامعة العربية حول موافقة دمشق على الخطة العربية لحل الأزمة السورية.
وقال العربي، بعد اللقاء مع السفراء وأعضاء مكتب البرلمان العربي في لقاءين منفصلين، إن الحوار الوطني السوري سيعقد في القاهرة، وإن الأمانة العامة بدأت «حراكاً لتنفيذ قرار وزراء الخارجية العرب الذي يتضمّن البدء في إعداد حوار بين الحكومة والمعارضة السورية»، موضحاً أنه التقى وفداً يمثل المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري المعارض.
ودعا العربي وسائل الإعلام العربية والدولية إلى زيارة سوريا للإطلاع على الوضع هناك والإبلاغ عنه، موجهاً حديثه لوسائل الإعلام بالقول «بدلاً من بقائكم هنا، اذهبوا إلى سوريا وتابعوا ما الذي يحصل هناك وأبلغوا عنه».
وقال عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري سمير النشار، بعد الاجتماع، إن العربي «أطلعنا على تفاصيل المبادرة العربية والهدف منها، في إطار حرص الجامعة العربية على إيجاد حل عربي للأزمة السورية يرتكز على ضرورة وقف إسالة الدماء في سوريا».
وعن ضمانات حصل عليها وزراء الخارجية العرب بتنفيذ الخطة العربية، قال النشار إن العربي «أبلغنا بأن هناك لجنة وزارية عربية في حالة انعقاد دائم سوف تراقب الوضع السوري ومتابعة تنفيذ الخطة العربية». واضاف «أبلغنا الأمين العام بتخوّفنا من عدم مصداقية النظام في تنفيذ وعوده»، مشيرا الى أن «مدينة حمص كانت تقصف البارحة وصباح اليوم
(امس)، وخلال انعقاد الاجتماع الوزاري وإعلان موافقة الحكومة السورية على الموافقة سقط 34 شهيداً».
وعما إذا كان «المجلس الوطني» يوافق على الدخول في حوار مع الحكومة السورية، قال «لا، لم نتحدث عن حوار، عرضنا الدخول في مفاوضات لانتقال السلطة من نظام استبدادي إلى نظام ديموقراطي، وطالبنا بتنحي (الرئيس) بشار الأسد عن السلطة».
من جهة ثانية، قال مصدر في الجامعة العربية إن «اللجنة العربية المعنية بالازمة السورية عقدت اجتماعا على مستوى المندوبين الدائمين برئاسة مدير الادارة العربية في وزارة الخارجية القطرية ابراهيم السهلاوي، وذلك كأول اجتماع لهذه اللجنة التي تعتبر آلية جديدة لتنفيذ خطة العمل العربية».
وقال دبلوماسي عربي مسؤول شارك في الاجتماع إنه «من المنتظر أن تقوم هذه اللجنة، التي تضم الأمانة العامة للجامعة العربية والدول الخمس الأعضاء في اللجنة ومن يرغب من الدول العربية، بزيارة قريباً إلى دمشق لمتابعة تنفيذ الخطة العربية». وأضاف إن «وزراء الخارجية العرب رصدوا مبلغ مليون دولار لتغطية الأنشطة ذات الصلة بالمهام الموكلة للأمانة العامة للجامعة العربية لمتابعة تنفيذ الخطة».
وشدّد على أن وزراء الخارجية العرب «حصلوا على وعود قاطعة من النظام السوري بعدم التعرّض للمتظاهرين وعدم إراقة الدماء، ومن ثم الإفراج عن جميع المعتقلين السوريين الموجودين في السجون السورية وسحب جميع المظاهر المسلحة والعسكرية من جميع الشوارع والمدن».  
ودعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية كافة وسائل الإعلام العربية والدولية الراغبة في تغطية الأوضاع في سوريا وما يدور فيها من أحداث إلى التقدم إلى الجهات المعنية في سوريا للسماح لها بممارسة عملها الصحافي والإعلامي وفقاً للإجراءات المرعية في هذا الشأن.
وقد لقيت المبادرة العربية، ولا سيما الحديث عن «سحب الجيش»، تعليقات مختلفة، إذ شككت المعارضة في إمكانية تطبيقها، رغم ترحيبها بالمبادرة بعامة، فيما عبر مواطنون عن رفضهم للقرار خصوصاً بعد عنف مدينة حمص الدامي.
سياسياً، رحّب تيار «بناء الدولة السورية» المعارض بما آلت إليه مبادرة الجامعة العربية من اتفاق بين الجامعة والسلطة السورية، محذراً السلطة من التهرب من التزاماتها، داعياً إياها إلى «تنفيذ بنود الاتفاق وتحمل مسؤولياتها الوطنية».
وقال رئيس تيار «بناء الدولة السورية» لؤي حسين، في بيان تلاه خلال مؤتمر صحافي في دمشق، «حفاظاً على الوحدة الوطنية وسلامة المواطنين السوريين فإن تيار بناء الدولة السورية يرحب بما آلت إليه مبادرة الجامعة العربية من اتفاق بين الجامعة والسلطة السورية». وأضاف «إننا نوافق على هذه المبادرة بمجملها وببنودها كأساس مقبول لإنهاء الحالة العنفية التي سادت البلاد طيلة الأشهر التي عاشتها انتفاضة شعبنا حتى الآن، وسنسعى لتكون هذه المبادرة بوابة انتقال البلاد إلى صراع سياسي سلمي يمكننا من الدخول في مرحلة حكم انتقالية، يتشارك فيها جميع الأطراف، حتى الوصول إلى مرحلة من الديموقراطية كفيلة بتمكيننا من إزالة النظام الاستبدادي، وبناء دولة ديموقراطية مدنية يتساوى فيها جميع السوريين من دون استثناء».
وحذّر حسين السلطة من التهرب من التزاماتها، داعياً إياها إلى «تنفيذ بنود الاتفاق، وتحمل مسؤولياتها الوطنية والتوقف نهائياً عن قمع معارضيها».

من جهتها رحبت «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير في سوريا» بالاتفاق النهائي بين دمشق والجامعة العربية حول الوضع في سوريا، معتبرة إياه «خطوة في الاتجاه الصحيح»، مشيرة إلى أنه «يمكن أن يشكل حلاً آمناً للخروج من الأزمة العميقة».
وقال المعارض هيثم المالح لوكالة «رويترز» إن «حكومة الأسد مدمنة للقتل، ولن تتوقف عن إراقة الدماء رغم اتفاقها مع الدول العربية على إنهاء حملة القمع». وأعرب عن اعتقاده «أن الأسد لم يقبل الاتفاق إلا لكسب الوقت لكي يتشبث بالسلطة». ووصف اجتماع الجامعة العربية بخصوص سوريا بأنه غير مثمر، معرباً عن أمله في أن «تبدأ الجامعة التعامل بجدية مع مطالب المحتجين بدلاً من الحديث مع الحكومة السورية».
وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) ان رئيس مجلس الشعب محمود الأبرش استعرض ووفد مجلس شيوخ ولاية بوينس أيرس الأرجنتيني، في دمشق، «حقيقة المؤامرة التي تتعرض لها سوريا والهادفة إلى حرفها عن مواقفها الوطنية والقومية الداعمة للحقوق العربية وقوى المقاومة».
وأوضح الأبرش أن «المراسيم والقوانين والقرارات الإصلاحية التي أصدرتها القيادة السورية جاءت استجابة لمطالب المواطنين المحقة»، مؤكدا أن «سوريا ستخرج من الأزمة قريبا بفضل وعي شعبها الرافض للتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية». وكان رئيس الحكومة عادل سفر اكد خلال لقائه الوفد أن «سوريا تواجه مؤامرة خارجية تستهدف زعزعة أمنها واستقرارها وإمكاناتها وقدراتها الاقتصادية».
ردود فعل دولية
وقال (ا ف ب، ا ب، رويترز، ا ش ا) الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مقابلة مع وكالة «اسوشييتد برس» إن «نصيحته الصادقة ومناشدته» للاسد هي تطبيق تعهداته للجامعة العربية بسرعة. واضاف «لقد وعد دول الجامعة العربية بوقف الاجراءات القمعية ضد المتظاهرين. آمل ان يفي بوعده».
واعتبرت واشنطن ان عزلة النظام السوري ستزداد اذا واصل اعطاء وعود ولم يف بها. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند «اصبح لزاماً على نظام الاسد ان يثبت اولاً للجامعة العربية، وثانياً للمجتمع الدولي على نطاق اوسع ، انه يعني ما قاله عندما التزم بهذه الورقة». واضافت «من الواضح ان الجامعة العربية ستتوصل الى استنتاجات في حال عدم الوفاء بكل هذه الوعود اليوم او غدا او بعد غد».

وتابعت نولاند ان «عدد الدول التي ضغطت على سوريا دون جدوى ستواصل الضغط على دمشق». وقالت «إننا نتوقع انه اذا لم يف الاسد بوعوده للجامعة العربية، فان الاخيرة سوف تشعر بانها تلقت وعودا وانه لم يتم الوفاء بها، وانه سيتعين عليها ان تتحرك».
ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون سوريا الى تنفيذ الخطة العربية «بشكل كامل وسريع». وقالت، في بيان، «ارحب بجهود الجامعة العربية لإنهاء العنف. وقد اصبح ضرورياً الآن تنفيذ الالتزامات التي قطعتها السلطات السورية للجامعة العربية بشكل كامل وسريع». وأضافت إن «المبادرة لا يمكن ان تنجح الا اذا وفرت السلطات السورية المساحة والأمن لمجموعات المعارضة للعمل مع جميع فئات الشعب السوري من اجل الانتقال السياسي السلمي».
وأعربت باريس أيضاً عن ترحيبها بخطة العمل العربية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن «باريس تدعم الجهود التي تبذلها الجامعة العربية لإنهاء القمع الدموي والعنف في سوريا». وقال إن «فرنسا ستتابع تنفيذ الخطة من قبل الحكومة السورية»، مشيراً إلى أن «خطة العمل تتطلب وقف القمع والإفراج عن السجناء وعودة الجيش إلى الثكنات واحترام حرية الصحافة وحرية تنقل وسائل الإعلام الدولية في سوريا».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش «إننا نرحب بمبادرات الجامعة العربية المتفق عليها حول سوريا، وكلنا ثقة أن القرارات المهمة المقررة في القاهرة تفتح إمكانية حقيقية لوقف العنف وتحويل الأحداث في سوريا إلى مجرى المفاوضات السلمية من أجل أن يذلل السوريون أنفسهم مشاكلهم الداخلية دون أي تدخل خارجي».
وأضاف إن «موسكو تدعو كل الأطراف إلى التصرف بمسؤولية، ملتزمين ببنود مبادرة الجامعة العربية». وتابع «إن الأمر الذي يحظى بأهمية خاصة هو بدء الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة على أساس الاحترام المتبادل في أقرب وقت ممكن من أجل تحقيق السلام المدني والوفاق الوطني والإصلاحات التي تستجيب لمصالح كل السوريين، مثلما أعلنه الرئيس الأسد».

كما رحب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بالاتفاق. وقال «لقد أوضحت الجامعة العربية أنه من الأساسي في الاتفاق أن يتم الالتزام بتطبيقه بشكل كامل وسريع». وأضاف «من المهم أن يتم تطبيق الخطوة الأولى من الخطة والداعية إلى وقف العنف وأعمال القمع والتي من دونها تصبح أي خطوات أخرى من دون أي معنى». وأشار إلى أنه «لا زال يؤمن بأن على الرئيس بشار الأسد التنحي والسماح للشعب السوري بتحقيق طموحاته نحو حرية وكرامة ونظام سياسي أكثر انفتاحاً».
ووصفت بكين المبادرة العربية بأنها خطوة مهمة نحو الإسراع بتنفيذ وعود دمشق بالإصلاح. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي «نعتقد أن هذه تمثل خطوة مهمة نحو تهدئة الوضع في سوريا والشروع مبكراً في عملية سياسية شاملة بمشاركة كبيرة من جميع الأطراف في سوريا». وأضاف «إننا نأمل أن تبذل جميع الأطراف في سوريا جهوداً عملية لوقف العنف وتهيئة الظروف لحل القضية عن طريق الحوار والتشاور».

ميدانيات
وتصدّرت أحداث العنف في حمص مرة أخرى على الحدث السياسي، بعد أن سجل ناشطون وصول 94 جثة إلى مستشفياتها صباح أمس، بينهم 16 من العسكريين، شيّع 12 منهم إلى مثاويهم الأخيرة، فيما استمرت المواجهات المسلحة بين الجيش ومسلحين ذكرت شبكات إعلام اجتماعية ومراسلين محليين أنها تتمركز في حي بابا عمرو، القريب من الطريق الدولي بين دمشق وحماه حيث يمكن سماع صوت تبادل لإطلاق النار.
وأكدت مواقع انترنت سورية عدد الضحايا الكبير في حمص. وذكر موقع «شوكوماكو» الإخباري والمقرب من السلطة «أن عدد الجثث الواصلة إلى المستشفى الوطني في حمص خلال الـ 24 ساعة الماضية، وصل إلى 94 جثة، بينها 16 جثة عسكرية، حيث تمّ تشييع 12 منها إلى مثاويها الأخيرة». وأشار مراسل الموقع «إلى أن عدد الجثث مرشح للارتفاع»، مؤكداً ان «الحركة الفوضوية تسود المناطق كافة وحالة الرعب تسيطر على المدينة».
الى ذلك، اعلنت «لجان التنسيق المحلية»، في بيان، انها «تدعو ابناء الشعب السوري الى التحقق من نوايا النظام من خلال استمرارهم في اشكال الاحتجاج كافة». ودعت «القوى الثورية كافة الى العمل من أجل تنسيق الجهود لتنظيم تظاهرات واعتصامات شاملة»، مضيفة «ليكن الجمعة يوم التظاهر في كل الساحات والشوارع، ومواصلة الكفاح اللاعنفي حتى إسقاط النظام». واعربت عن «تشكيكها في جدية قبول النظام السوري لبنود مبادرة الجامعة العربية».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان «قتل 20 مدنياً في أحياء عدة من مدينة حمص». وأضاف إن «اكثر من 80 شخصا تم اعتقالهم في دير الزور والقرى المجاورة».
في المقابل، تظاهر آلاف السوريين تضامناً مع النظام في مدينة طرطوس. واشار التلفزيون الحكومي الى «تظاهر مئات آلاف الاشخاص دعماً للقرار الوطني المستقل ورفضاً للعبث بمستقبل سوريا وللتدخل الخارجي بشؤونها».  

السابق
الاخبار: سيتيغروب: العقوبات على لبنان ستطال حلفاءنا
التالي
النهار: ميقاتي: نصرالله لم يقل لا للتمويل وبري لحوار بلا شروط وبلا محرمات