هل اقتربت عودة اللبنانيين من اسرائيل مع اقرار قانون عودتهم؟

هو نورٌ تسلّل من مجلس النواب أمس الى "جوّا"… هناك حيث يقبع لبنانيّون لاجئون الى إسرائيل منذ ما يربو على 11 عامًا… في الأمس بصم النوابُ بإجماع على "حقّ العودة" فأقروا قانون رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون مع بعض التعديلات من رئيس المجلس.

يحمل ذاك الاقتراح، الذي لاقى تجاوباً من جميع الأحزاب والتيارات وعلى رأسهم حزب الله، في طياته أملاً يجسّد ما غدا حلمًا بالنسبة الى الكثيرين من الفارّين وعائلاتهم، ويمحو من ذاكرتهم العابقة بأيام الاجتياح فكرة ترددها شفاههم بحذر: "دولتُنا تخلّت عنا"، فيما قد لا يهمّ الكثير من العائلات التي غادر أفرادها منذ زمن الأراضي الإسرائيليّة الى كندا أو أستراليا أو ألمانيا أو من بقي منهم هناك وتماهى قسرًا مع النسيج الإسرائيلي مجتمعيًا ووظيفياً وتربويًا.

مرسومٌ وزاري
إذاً القانون الجديد الذي تُرِكت آلياته التطبيقية وبعضُ تفاصيله لمرسوم وزاري، يضمن عودة جميع الفارين ممن لم يثبت ضلوعهم في ميليشيات مرتبطة بإسرائيل أيام الاحتلال من دون معاقبة أو محاكمة، ناهيك عن عائلاتهم وجميع الذين لم يخضعوا للتجنيد في إسرائيل، مقابل معاقبة من ثبت عمله لصالح الاحتلال معاقبة عادلة.

فكرٌ وطني
وفي هذا المضمار، أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة نواف الموسوي في حديثٍ الى "صدى البلد" أن "القانون ينصّ على أن كلّ من كان منضوياً في ميليشا العدو سيخضع للمحاكمة إذا عاد، أما الأسر التي لم تكن جزءًا من العمالة فتعود وينطبق على أفرادها كلّ ما ينطبق على أي مواطن لبناني. صحيحٌ أن هناك من تمّ تجنيدهم في إسرائيل ولكن لا يجب أن ننسى أن هناك أشخاصًا تمّ تجنيدهم في لبنان أيضًا". وعمّا إذا كان الحزب يضمن عودة هؤلاء الى لبنانيّتهم قال الموسوي: "صحيحٌ أن هؤلاء أقاموا لفترةٍ طويلة في كيان العدو، ولكننا نراهن في هذا المجال على فكر الجنرال عون الوطني ليتمكّن هؤلاء من استعادة انتمائهم الوطني مجددًا".

تعديلاتٌ "نصيّة"
ولفت الى أن "الفقرة الثانية التي تشمل المواطنين الذين لم يتجنّدوا عسكريًا أو أمنياً تؤكد عودة هؤلاء بلا معاقبة ولكن كلّ المسائل المتعلقة بهذه العودة تحتاج الى مراسيم تطبيقيّة، لذا تمّ إدخال هذه التعديلات التي تمسّ بشرح النصّ". وعن الاعتراض الذي سجّله بعضهم على مستوى المجنّدين في إسرائيل قال الموسوي: "لم يكن اعتراضًا إذ إن الاقتراح الذي قدّمه الجنرال عون ينصّ على معاقبة الذين تعاملوا مع العدو هذا عدا تعريضهم للمحاكمة، ويدعو الى تطبيق القانون اللبناني في حقّ العملاء الذين فروا الى الكيان الصهيوني بسبب التحريض والدعاية والظروف المختلفة".

ترجمة لوثيقة التفاهم
وشدد الموسوي على أن "تأييد حزب الله لاقتراح الجنرال عون إنما هو ترجمة عملية لوثيقة التفاهم التي أبرمناها في 5 شباط 2006". أما في ما يتعلق بالذين ولدوا في إسرائيل فأشار الموسوي الى أن "هذه المسألة متروكة للمناقشة في المراسيم التطبيقيّة في مجلس الوزراء، خصوصًا أن هناك أموراً مرتبطة بالتسجيل والإرث". ولفت الى "الإرادة الجامعة لمعالجة هذا الموضوع من خلال مقاربة الشقّ الإنساني منه من جهةٍ والحفاظ على أمن لبنان من الاختراق الإسرائيلي من جهةٍ أخرى، من دون إسقاط إنزال العقوبة في حقّ من تعاملوا مع إسرائيل".

خطابٌ جديد؟
وختم: "لا نريد لأيّ لبناني أن يكون أسير العدو، لذا نستعيده بأيّ طريقةٍ ملائمة ليستعيد انتماءه وهويته الوطنية ويكون جزءًا من عملية مواجهة التهديدات الإسرائيلية للبنان من خلال إعادة تشذيب فكره الوطني، وهنا نعوّل على الجنرال عون وفكره، خصوصًا أن بعضهم في الجلسة أشار الى تبنّي هؤلاء اللاجئين خطابًا سياسيًا جديدًا من المقاومة، ولكنني أتساءل هنا: ما الفارق بين الخطاب السياسي الذي يتبناه بعض أفرقاء الداخل تجاه المقاومة وخطاب بعض الفارين من عملاء العدو"؟

رسالة تشجيع
في دوره، لفت عضو تكتّل التغيير والإصلاح غسان مخيبر الى أن "الآليات التطبيقية الخاصة باقتراح القانون تُرِكت لتحديدها في مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، ولكن أهمية المصادقة على القانون تكمن في النظر اليه كرسالة تشجيع الى جميع اللبنانيين الفارين الى إسرائيل للعودة، وهذا ما يدلّ على إجماع على معالجة هذا الملفّ المعيب للبنان والذي طال انتظاره أكثر من 11 عامًا". وأكد مخيبر أن "القانون يحمل أملاً بالعودة لهذه العائلات التي يُخشى أن تنظر الى دولتها على أنها تخلّت عنها".

معيار الملاحقة
وفي ما يتعلّق بمسألة العمر والتي شكّلت مادّة اعتراض قال مخيبر: "لم يُشِر القانون فعلاً الى أي عامل عمريّ، بل يكتفي بإقامة الفاصل بين من كان عاملاً في إحدى الميليشيات الإسرائيلية ومن لم يعمل فيها، وهذا الأخير يعود من دون محاكمة ولا يُحاكم كما في السابق لمجرّد دخوله إسرائيل، وهذه الملاحقة لن تحصل للعائلات رجالاً وكباراً ونساءً وصغاراً ولا ارتباطًا بالعمر، بل المعيار الوحيد لها (للملاحقة) ثبوت العضوية في إحدى الميليشيات او عدمه".

تسجيلٌ خاص
وأشار الى أن "الأفراد الذين ثبت عدم مشاركتهم في إحدى الميليشيات يعاملون كمواطنين ذات خصوصيّة لكن من دون أن يُصار الى محاكمتهم، بمعزل عن السنّ والجنس. على أن يعود هؤلاء بموجب تسجيل يُصار الى تحديد آليته بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء".

حكاية أمل
في زوايا بيوتٍ جنوبيّةٍ كثيرةٍ، لا تزال عيونٌ تترقّب عودة الأبناء "الضالين". شفاههم لا تلفظ سوى عبارات: "صاروا جوّا"… تلك الـ"جوّا" التي شكّلت محطة يوميّة في أحاديثهم ورحل الكثيرون في حرقة قتلها واستبدالها بـ "برّا" بما يؤشّر الى عودة من غادر خوفاً بعدما شارك في ميليشيا إسرائيليّة قسراً وفق التجنيد الإجباري الذي كان يفرضه "جيش لبنان الجنوبي" أو إراديًا. هي حكايةٌ تتسلّل من بيتٍ الى آخر، تبحث في عيون المنتظرين عن أملٍ يعيد أبناءهم بعد أن يكسر حاجز الخوف في نفوسهم.

رحيلٌ… أو موت
معظمهم "مش مبسوطين" هذا ما ينقله ذووهم. يدحضون الفكرة القائلة إنهم يعيشون "معززين مكرّمين" هناك. بعضُهم يؤكدون أن من ينتظرونهم لن يعودوا إما لأنهم غادروا إسرائيل الى دولٍ أخرى وافقت على احتضانهم وتوظيفهم وتعليم أولادهم، وإما لأن الموت كان أسرع اليهم من العودة.

"أكيد راجعين"
قد يعني الاقتراح الكثير لأم وسام (اسم مستعار)، تلك السيّدة الجنوبيّة التي تحاملت على فراق الولد وعائلته 10 أعوام. أيُّ قانون لن يعوّض عليها ما خسرته، وأيُّ اقتراح لن يعيد اليها من حضنه الترابُ قبيل سنواتٍ معدودة. من غادر الى إسرائيل مع عائلته غادر الحياة أيضًا بعد إصابته بمرض السرطان، فعاد الى وطنه جثة هامدة لم تجد من يستقبلها برًا سوى أمٍّ تبكي من خسرت وعائلةٍ تلوّح مودّعة من "جوّا" خوفاً من العودة… لم تحضر عائلته الصغرى جنازته، لم تتجرأ سوى على الدخول سنتمترات… اكتفت بنظرات الوداع وعادت أدراجها الى مدارس تحتضن أولادها ووظيفةٍ تُطعِم الأمّ وتؤويها. اليوم تعوّل الأم العجوز على استعادة "كنّتها" وأحفادها، تضمن عودتهم… "ما دام العائلات مش رح تتحاكم أكيد راجعين".

حالُها حال الكثيرين من سكان القرى الحدودية. هناك لم يملّ الأهل انتظار إشارةٍ من خلف الأفق، من خلف الهضاب، علّهم يلمحون وجهاً. اليوم تحدّق عيونهم في اتجاهيْن: الى البعيد، الى "جوّا"… والى دخانٍ أبيض يتمنون أن يخرج قريبًا وقريبًا جدًا من مجلس الوزراء المنوط به المضي قدماً في وضع الآليات التطبيقيّة.

السابق
أحد المحامين في قضية الصدر أسف لتقصير لبنان الرسمي في هذا الملف
التالي
جنبلاط اعتذر عن عدم تقبل التهاني بعيد الاضحى