مراقبون عرب إلى سورية

قد لا يتأخر أعضاء لجنة الجامعة حول سورية، ومعهم سائر أعضاء المجلس الوزاري العربي، في التأكد مما يعرفونه سلفاً، وهو أن أي جواب يقدمه نظام دمشق على اقتراحاتهم سيكون هدفه كسب الوقت وإظهار انه لا يتخذ موقفاً سلبياً من المسعى العربي، ثم إغراق الوزراء العرب عندما يأتي دور التنفيذ في تفاصيل الجُمَل والكلمات والاماكن والتواريخ، في انتظار أن ييأسوا ويديروا ظهورهم ويتركوا له حرية إكمال ما بدأه.

لكن في المقابل، صار لزاماً على الجامعة ان تتغلب على خجلها في معالجة الملف السوري المفتوح على احتمالات خطرة، وأن تستند الى كلام الأسد نفسه، الذي حذَّر من زلزال وحريق في المنطقة ومن ظهور اكثر من افغانستان. وبما انه قصر تحذيره على مخاطر التدخل الغربي في بلاده، فهذا يعني ان امام العرب فرصة يجب اقتناصها لمجاراة مخاوفه، ومنعاً لاحتمال تقسيم المنطقة بأسرها. أي أن الدول العربية التي توافق بالتأكيد على تقويم الرئيس السوري لخطورة الوضع في بلاده، إنما تكون تدافع عن نفسها واستقرارها ومستقبلها اذا هي تدخلت في سورية.

وهناك سوابق عربية كثيرة في بذل المساعي الحميدة لوقف الاقتتال الداخلي في دول عربية ومنع تفتيتها او تقسيمها دويلات على حساب وحدة أراضيها، وهناك سوابق ايضاً في ارسال قوات أمن عربية ومراقبين عسكريين لهذا الغرض، مثلما حصل في لبنان في عام 1976. وإذا عدنا الى مقررات مجلس الجامعة العربية في القاهرة في 9 حزيران (يونيو) من ذلك العام، ثم قرارات قمة الرياض السداسية والقمة العربية الموسعة في 16 و 25 تشرين الاول (اكتوبر) من العام نفسه، نجد ان التوصيف الوارد في تلك القرارات للوضع في لبنان ينطبق تماماً اليوم، وبعد 35 عاماً، على الوضع القائم في سورية، التي وافقت في القمة اياها على دخول «قوات ردع عربية» الى لبنان، بعدما كان جيشها سبقها اليه لـ «وقف الحرب الاهلية» فصار طرفاً في مواجهاتها الدامية.

وها هو الجيش السوري يصل الى المأزق نفسه بعد اكثر من ثلاثة عقود، فإذا قبلنا بلا جدال ما يَرِدُ على لسان المسؤولين السوريين من ان جيشهم يواجه منذ ثمانية اشهر «عصابات مسلحة تسعى لنشر الفتنة الطائفية والتمهيد للتدخل الاجنبي» من دون ان يستطيع كف شرّها المتصاعد والقضاء عليها، مثلما يتبين من استمرار العمليات الحربية وسقوط القتلى والجرحى، وبعضهم على الهوية الطائفية، وتواصل الاعتقالات في شكل يومي، فهذا يعني ان الجيش السوري الذي يعاني من الانشقاقات المتزايدة، في حاجة الى اسناد في مهمته، وهو ما تستطيع الدول العربية توفيره بكل طيب خاطر، كي تقطع الطريق على تدخلات من خارج المنطقة.

وبصرف النظر عن نتائج اجتماع المجلس الوزاري العربي في القاهرة امس، والمحادثات التي اجراها وفد الجامعة في العاصمة السورية ثم في الدوحة قبل ايام حول «خريطة طريق» عربية لمعالجة الأزمة، لا بد من ان تبادر الجامعة الى خطوة متقدمة تكمل مسعاها، وأن ينتقل طرحها الى مستوى اعلى يدعو الى إرسال قوات مراقبة عربية الى سورية، تأكيداً للتضامن العربي وذوداً عن سيادة وسلامة اراضي بلد لم يتأخر يوماً في إثبات «عروبته»، وخصوصاً في لبنان.

وعملاً بالمثل العربي القائل «اقبل لجارك ما تقبله لنفسك»، فإن سورية التي دخلت لبنان لـ «وقف نزف الدماء» فيه، لا بد من ان توافق على دخول مراقبين عرب الى اراضيها، بعدما تأكد نظامها وأكد للجميع، ان «العصابات المسلحة» هي التي تقصف البيوت والمساجد وتهاجم المدنيين في حمص ودرعا واللاذقية وتنكِّل بهم.  

السابق
الحياة: توقيف مدبر خطف الاستونيين بعد ضبط جوازه المزور في قطر
التالي
المجلس الوطني السوري: التماثل مع ليبيا