خطاب تيار الحريري ضد سورية

يشعر الفريق المسيحي داخل "14 آذار" اليوم بكثير من الحرج، لأن حليفه الحريري ذهب في رهانه على الوضع السوري إلى حدود لا يستطيع هؤلاء تحمل نتائجها لا في لبنان ولا في سورية.
وإذا كان هذا الفريق في السابق لعب دور التابع لتيار المستقبل فإنه اليوم تراجع إلى الخلف وبات يبصم على مضض أو قسراً على كل ما يقوم به هذا التيار لا سيما على صعيد الانخراط في الحملة على سورية.
ويقول مصدر سياسي مطلع، إن رئيس "القوات" سمير جعجع، الذي يعتبر القوة الضاربة في هذا الفريق، يكاد يخرج إلى الإعلام على طريقة "رفع العتب"، ولذلك يتولى شخصياً تسليف حليفه سعد الحريري المواقف السياسية الداعمة والمدافعة عن مغامراته ورهاناته الخاسرة على نتائج الأحداث في سورية، لكنه في الحقيقة يشعر يوماً بعد يوم بأنه يسبح عكس التيار في الشارع المسيحي.
وفي رأي المصدر أن جعجع تلقى أخيراً صدمات عديدة جعلته يلتف على نفسه، ويصبح أسير مواقف الحريري والتعليمات الصادرة عن بعد. ولعل أبرز هذه الصدمات خسارته مظلة بكركي بعد مجيء البطريرك بشارة الراعي والمواقف الشهيرة الذي أخذها ويأخذها بشأن الوضع السوري وتداعيات سقوط النظام المذكور.  
ويكشف المصدر بأن رئيس "القوات" حاول السعي الى تعديل مواقف البطريرك الراعي ففشل، ثم سعى إلى إيفاد شخصيات حيادية لترتيب العلاقة مع بكركي، على أساس تسوية تعدّل مواقفها الوطنية لكنه تلقى ردوداً غير مشجعة، ما جعله يدرك أن مواقف البطريرك الماروني ليست مجرد رأي عادي بقدر ما تعكس أيضاً وجهة نظر الفاتيكان والرأي العام المسيحي اللبناني والمشرقي. بدليل أن مواقف الرؤساء الروحيين للطوائف المسيحية غير المارونية تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن موقف بكركي. وهذا ما يجعل جعجع وحلفاءه في عزلة أكثر.
ويقول المصدر، إن شخصيات مسيحية في "14 آذار" تلقوا من البطريرك الأجوبة نفسها التي تلقاها جعجع، وهذا ما جعلهم يشعرون بنوع من الإحباط انعكس على مواقفهم بصورة عامة.
وإلى جانب ذلك، يرى المصدر أن "القوات" التي طالما اعتمدت على خطاب تحشيدي داخل الرأي العام المسيحي لا تستطيع تسويق مواقف تيار الحريري بشأن الوضع السوري، خصوصاً لجهة طمأنتهم على وضعهم، إذا ما نجحت الحملة الخارجية والداخلية على النظام السوري.

ولذلك عمّم جعجع على نواب الكتلة والمسؤولين في "القوات" أن لا يكثروا الكلام في شأن الوضع السوري لأن مثل هذا الخطاب يعتبر مادة "غير مربحة" في الأوساط المسيحية.
وانطلاقاً من ذلك فإن نواب "القوات" في جلسة المجلس أمس لم يتطرقوا إلى الموضوع السوري أو إلى ما سمي بقضية المخطوفين التي أثارها نواب "الاشتراكي" و"المستقبل"، بل اكتفوا بالحديث عن الهم المعيشي وقضية الأجور وقضايا مطلبية مناطقية.
أما العنصر الثالث الذي يربك جعجع ومسيحيي "14 آذار" فيتمثل بازدياد النشاط الأصولي الإسلامي المتطرف في لبنان، وبروز حركة التيارات السلفية بحجة مناصرة المعارضة السورية، الأمر الذي يؤكد تفاقم خطر المجموعات المتطرفة، لا سيما على المسيحيين.
وفي رأي المصدر، أن التنسيق الحاصل بين هذه الجماعات وتيار المستقبل يزيد من حراجة مسيحيي "14 آذار" و"القوات" بوجه خاص بعد أن أخذ حزب الكتائب يبتعد عن مثل هذه المواقف المتعلِّقة بالوضع السوري ويكتفي بالتركيز على موضوع المحكمة الدولية.

وما يزيد الوضع سوءاً خسارة "القوات" للخدمات الوزارية بعد خروجهم من الحكومة، ونجاح التيار الوطني الحر والقوى المسيحية الأخرى في 8 آذار في الأداء الوزاري وإقرار مشاريع حيوية أبرزها مشروع الكهرباء ومشاريع أخرى تتعلق بالمياه وغيرها.
ويقول المصدر السياسي المطلع إن هذا الوضع السيئ الذي يعيشه الفريق المسيحي في "14 آذار" يخلق حالة من الإرباك في صفوفهم ليس على مستوى أداء كل طرف بل أيضاً على مستوى العلاقات في ما بينهم.
ويضيف أن هناك أزمة خطاب سياسي حقيقية لدى هذا الفريق اليوم لأن التعبئة على قاعدة دعم المعارضة السورية داخل الشارع المسيحي ترتد سلباً على أصحابها، ولأن الاستمرار في الموقع الخلفي بعد تيار "المستقبل" يعني الارتهان لمغامرات هذا التيار.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو، الى متى يستطيع مسيحيو "14 آذار" الاستمرار على هذا المنوال، وهل هم قادرون على حصد المزيد من النتائج السلبية وخيبات الأمل بسبب التحاقهم بمشروع الحريري؟  

السابق
فتفت: مصداقية الحوار أمر مهم
التالي
أهالي حبوش يرفضون الكسارات