المغتربون اللبنانيون..آلام وآمال!

منذ ان بدأت الهجرة اللبنانية في منتصف القرن التاسع عشر الى دول الاغتراب في القارات الخمس, وعدد افرادها يدخل في دائرة المحرمات اللبنانية لانه يؤثر في تركيبة لبنان السياسية والطائفية, ويستغل احياناً كورقتي ضغط ومقايضة في يد الزعماء السياسيين, كما يدخل أحياناً اخرى في دائرة المبالغات فالبعض يقدره باربعة ملايين والبعض الاخر ب¯16 مليوناً, ولكن يتفق الجميع على ان تلك الهجرة اصبحت ظاهرة سكانية مميزة للمجتمع اللبناني.
وفي كل مرة يثار فيه موضوع هذه الظاهرة تطرح معه اسئلة معظمها تركز على نوع وأبعاد العلاقة بين جناحي الوطن المقيم العذب والمغترب المكسور, خصوصاً وان المغتربين اللبنانيين فيهم نخبة من الطاقة الاقتصادية والفكرية والعملية وحتى السياسة, واحتل العديد منهم اعلى المناصب ولهم بصماتهم في دول الاغتراب. ويعملون هناك باخلاص من اجل رفعة شأن الوطن والاغتراب, والكل يقدر جهودهم بأي بلاد اقاموا فيها, ومع اي شعوب خالطوها, فاتخذوها أوطانهم الثانية وفرضوا احترامها لهم, وهم بجهودهم تلك وسلوكهم الراقي نقلوا الى بلاد الاغتراب وجه لبنان الحضاري.
ولكن هذه الظاهرة قد انحرفت عن مسارها احياناً, حين حاربها البعض محاولاً هدم اكبر لوبي لبناني يحافظ على لبنان في الايام الصعبة, فتحولت من صمام امان لاقتصاد لبنان الى حالة استنزاف لطاقاته وكفاءاته البشرية, حيث عملت بعض الفئات السياسية اللبنانية المتصارعة على زجهم في صراعاتهم وتصويب السهام اليهم لناحية التشكيك في ولاءاتهم ووطنيتهم, بل وصلت اساليبهم الوقحة الى حد تحدث بعض السياسيين باسمهم في خطاباتهم واعلامهم فانتشرت المخاوف من انتقال عوامل الانقسام الداخلي في صفوفهم, غير مدركين بأن شق وحدتهم لن يضر فقط بالوطن بل سيضر بالمغتربين انفسهم, وبمراكزهم الاقتصادية والسياسية في بلاد الاغتراب, وانهم في تصرفاتهم هذه يزجونهم في صراعات لا طائل منها ويعرضون دعامة الوطن للاختراق والتفرقة والتشرذم.
ويسجل للمغتربين اللبنانيين دورهم الفاعل ووقوفهم مع وطنهم في السراء والضراء, فعندما دمر لبنان بسبب الحروب ساهم كل لبناني ومن دون منة منه باعادة اعمار بلده وبشتى الوسائل الممكنة, بينما ردت دولته الجميل له فوضعت العراقيل امامه وتعاملت معه بفوقية, بالغت في فرض الضرائب عليه, هذا عدا عن دفع المغترب -وهو خارج الوطن- لضرائب استهلاكه للكهرباء والماء يعاني اصلاً في الحصول عليهما وبخاصة خلال اشهر عطلته التي يقضيها في ربوع الوطن بين أهله, فدولته باختصار لم تسأل عنه يوم رحل من الوطن او يوم عاد الى وطنه.

واظن ان الجميع يتفق معي على ان اي تغيير نحو الافضل في لبنان لن يكتب له النجاح ان لم يكن المغترب اللبناني شريكاً اساسياً فيه, فكل الزعماء لدينا من واجبهم ايلاء قضية المغتربين اهتماماً خاصاً لتحقيق مطالبهم التي من أهمها تشكيل وزارة مستقلة لهم, والسماح لهم بممارسة حقهم الانتخابي والاقتراع في سفاراتهم بالخارج, واقرار "كوتا" اغترابية لهم في مجلس النواب لانتخاب نواب منهم يكونون بمثابة سفراء لهم ومساعدة البعض منهم على اكتساب الجنسية, كما ان حكومتنا مطالبة بتفعيل العمل الديبلوماسي بكل الوسائل لجهة التواصل معهم والعمل على تنظيم المؤسسات الاغترابية, وتشجيع المغتربين على تسجيل قيودهم في السفارات والقنصليات, واستطاع المغتربون تحقيق الخطوة الاولى في مشوار تحقيق امانيهم الحالمة التي تمثلت بصدور مشروع قانون "البطاقة الاغترابية" عام 2004 هذا المشروع الذي يهدف الى اعادة الوصل بين لبنان المقيم ولبنان المغترب مع منح المغترب بعض المزايا والتسهيلات عند عودته الى وطنه ولكنه وللأسف لايزال حبراً على ورق.

كلمة أخيرة
تعمل السفارة اللبنانية في الكويت على توطيد أواصر الالفة والتواصل مع أبناء الجالية في الكويت بكل اطيافها السياسية والطائفية, ولم شملها في وعاء اجتماعي متآلف تحت مظلتها, وأشيد هنا بالدور الملحوظ لسعادة د. بسام النعماني السفير اللبناني بالكويت في متابعته الدؤوبة لأمو الجالية, وتمثيله لوطنه خير تمثيل.  

السابق
نتنياهو يتحدّى العالم: الاستيطان حقّ وليس عقاباً
التالي
400 مليار في البحر