حين يتحدث المستقبل سرّاً

قبل فترة وجيزة، جمع الرئيس سعد الحريري، عن بعد، المجلس المركزي لتيار المستقبل. المجلس المذكور مكوّن من المكتب السياسي للتيار وكتلته النيابية. ترأس الرئيس فؤاد السنيورة الجلسة المعقودة في منزل الحريري في وادي أبو جميل، رغم أن «النظام الداخلي» لتيار المستقبل ينص على أن يعقد الاجتماع المماثل برئاسة رئيس التيار، أي النائب سعد الحريري. الرئيس غائب في السعودية، لكن «ملائكته حاضرة»، إذ شارك في الاجتماع نائبان للرئيس: سمير ضومط وباسم السبع.

والأخير وقف وسط الحضور ناقلاً إليهم رسالة من الرئيس الحريري. حيّاهم السبع باسم الرئيس، ناقلاً أماناته إلى تيّاره. وأبرز تلك الأمانات اثنتان: «تبنّي الثورة السورية»، و«الدفاع عن المحكمة الدولية» الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبحسب مشاركين في الاجتماع، أثنى الحريري، ودائماً عن بعد، على دور الكتلة النيابية التي يرأسها سلفه فؤاد النسيورة. والأخير، قدّم رؤيته الشاملة للأوضاع الإقليمية. قال إن الربيع العربي «صار حتمياً»، ولن يكون في مقدور أحد أن يوقفه. يرى السنيورة، بحسب عدد من الحاضرين، أن مصر غائبة عن الساحة العربية، وأن الدور السعودي «خجول وغير فعّال». أما داخلياً، فأكد الرئيس الأسبق للحكومة ضرورة مواجهة حكومة الرئيس ميقاتي، لكن مع الحفاظ على «الاستقرار المطلوب داخلياً وإقليمياً ودولياً». 
بعض حاضري الاجتماع توقفوا أمام الحيوية والجدية اللتين اتّسمت بهما معظم المداخلات. فاللقاء «سرّي». واستناداً إلى السرية، استفاض بعض الحاضرين في الإفصاح عن آرائهم. عدد كبير من قادة المستقبل أجروا «مراجعة جدية وحادة» لتجربة التيار وأداء رئيسه سعد الحريري، منذ أحداث السابع من أيار، وصولاً حتى الخروج من السلطة. انتقد البعض الأسلوب الذي اتُّبِع في «الانفتاح» على سوريا، والمراهنة على العلاقة المستجدة حينذاك، وتوهّم أن يؤدي ذلك إلى تباعد بين سوريا وحزب الله.
عضو المكتب السياسي حسان الرفاعي، في إطار الحديث عن «التعديات السورية على الأراضي اللبنانية»، وتحديداً في جرود بلدة عرسال، أدلى بكلام لامس حدّ المذهبية إذ قال: «نحن من دمه لا يزال على الأرض». واستدعى هذا الكلام رداً من زميل له في المكتب السياسي ينتمي إلى «طائفة أخرى»، مذكّراً بعلمانية التيار ووحدة الشعب اللبناني بجميع أطيافه.

برز في الاجتماع أيضاً عضو المكتب السياسي رضوان السيد. قدّم مطالعة منظّمة، «كعادته»، على حدّ وصف أحد الحاضرين. أبدى السيد إعجابه بحيوية الاجتماع، مقترحاً عقد مثيل له قريباً. «تصدّى له» نائب الرئيس سمير ضومط، قائلاً إن هذا الأمر يُبحَث داخل أطر التيار لا في اجتماع المكتب والكتلة. وهنا تدخّل النائب نهاد المشنوق الذي كان شبه صامت طوال الاجتماع، مخاطباً ضومط بالقول: هل اعتراضك على مضمون الاقتراح أم على شكله؟ فردّ ضومط: اعتراضي على الشكل. فقال له المشنوق: إذاً حلّوا هذا الأمر في التيار.

بعد الاجتماع، لجأت أوساط مستقبلية إلى العادة الناشئة حديثاً لديها: التحليل. بعض تلك الأوساط قال إن الاجتماع أدى وظيفته لناحية «إفهام الرئيس فؤاد السنيورة أن الرئيس سعد الحريري هو المرجع الأول والأخير لتيار المستقبل». وبحسب هؤلاء، فإن هذا الأمر تجلّى في الرسالة التي تلاها السبع، قبل أن يظهر لاحقاً في اللقاءات التي عقدها الحريري في منزله بالرياض، على هامش تقديم التعازي بوفاة وليّ العهد السعودي. أما بعض الأوساط الأخرى، فرأت أن الحريري عزّز موقع السنيورة، من خلال إشادته بدور كتلة المستقبل، علماً بأن بعض الحاضرين يؤكدون أن «الشيخ سعد» تمنّى أن يتمكن التيار من أداء الدور الذي تؤديه الكتلة على المستوى السياسي.
لكن ما أجمع عليه معظم من جرى استطلاع رأيهم بشأن الاجتماع هو «جوّ الحيوية الذي ظهر في التيار، والذي لم يظهر يوماً، حتى في عزّ التجييش الشعبي السابق لذكرى 14 شباط». 

السابق
هل يفرض الناتو حظرا جويا على سوريا ؟
التالي
الضاحية الجنوبية: مجتمع ضاع فيه النظام