الوصفة السحرية للضجر!

ثمة نزعة غريبة لدى اللبنانيين قلما تجدها في طبائع أي شعب آخر وهي انهم فطروا على طلب الشيء وضده في آن واحد، وتراهم يقبلون الآن على إبراز نموذج لهذه الازدواجية في تعامل اتجاهاتهم السياسية مع مشروع قانون الانتخاب الجديد. بطبيعة الحال ليست حكومة الرئيس نجيب ميقاتي "جمعية إصلاحية" لا تبغي الربح، بل أن تأليفها أصلاً بمن تضمّ من القوى قام على هدف مركزي موصوف هو تشكيل ائتلاف أكثري جديد يضرب الأكثرية المنتخبة عام 2009 ويؤسس للمجيء بأكثرية نيابية تثبت هذا الانقلاب سنة 2013. إذاً، إثارة الشبهة في توقيت مبكر لطرح مشروع قانون الانتخاب الجديد باعتبار الحكومة صاحبة المصلحة المباشرة فيه لا يحتاج إلى إثبات. 
ومع ذلك يقتضي الاعتراف بأن ثمة سذاجة مفرطة في الاحتماء وراء كيل الاتهامات وسوق الشبهات فقط حيال أهداف الحكومة فيما هي تمضي بوضع هذا المشروع موضع التشريع.
وثمة سذاجة أكبر في الرهان على المتغيرات السورية المرشحة للتفاعل تباعاً لأن ما من أمر واقع أفضل لها لمفاجأة خصومها من انشغالها بالأزمة السورية فيما هي تمرر الاستحقاقات.
قد لا تكون الحكومة على هذا القدر من الحنكة والتماسك والقدرة لتتمكن من فرض مشاريعها. ولكن ذلك لا يسقط حقيقة موضوعية هي أن اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم تثور ثورتهم عند كل دورة انتخابية لأن قوانين الانتخاب المتعاقبة غالباً ما يجري اسقاطها على رؤوسهم قبل أشهر قليلة من مواعيد الاستحقاق. فلا ضير والحال هذه ان يجري تلقف الهدية المبكرة الآن والتعامل معها بالجدية الكافية علّ لبنان "يسرق" يوماً فرصة ثمينة كهذه.
ومن يقول ان الوقت مبكر لا شك في انه مداهن. فالعبق الانتخابي يزكم الأنوف من أقاصي عكار الى الخط الازرق. وليس في المنتديات والمجالس والمقار الزعاماتية سوى ضرب أخماس بأسداس، حتى أن مشاريع اللوائح تتزاحم على غير هدى وسط الضياع الذي يثيره الارباك الحاصل في شأن النظام الاقتراعي.

الانتخابات هي الكلمة السحرية التي تأسر اللبنانيين ولا يتقدمها اي استحقاق حتى السلم الاهلي والرغيف. وسيكون مثيرا للانشداد غداً، حين تتوالى فصول مناقشات المشروع المطروح، ان تسمع الشروحات المسهبة لمفهوم النسبية على ألسنة وعقول لم تفقه يوماً معنى هذه التجربة الوليدة في لبنان. فمن تراه سيفهمنا بالخط العريض مثلاً معنى "الصوت التفضيلي" في اللائحة المقفلة؟ وهل صار لدى لبنان الذي يدفع مواطنه فواتير يومياته مزدوجة، هذه القدرة العملاقة على فرز أصوات الملايين على أساس نظام نسبي معقد؟ أم ترانا عائدون بقوة جانحة الى قانون 1960 على رغم الهجائيات المتصاعدة فيه؟
هو الامر "المحبب" الموصوف من اللبنانيين فيما هم يلعنونه مع طبقتهم السياسية الشديدة المراس في الازدواجية. وأي وصفة أفضل من هذه لإمرار الضجر الانتقالي؟ 

السابق
تجمع أبناء حاصبيا يطالب بالتعويضات الموعودة منذ التحرير
التالي
أوقِفوا المماطلة العقوبات تقترب!