أوقِفوا المماطلة العقوبات تقترب!

تصل الرسائل تباعاً إلى المسؤولين ورجال الاقتصاد والمال اللبنانيّين: العقوبات الاقتصاديّة هي خيار جدّي وقريب، إذا لم يستجب لبنان لمستلزمات تمويل المحكمة الدوليّة. وهذا الخيار لن يكون مفاجئاً ولن يتمّ دفعة واحدة، بل سيتدرّج ضمن تسلسل زمنيّ يذهب نحو الأصعب، في موازاة تلكّؤ لبنان الرسميّ عن تلبية مستلزمات المحكمة والقرار1757.

آخر هذه الرسائل تبلّغها مسؤولو الهيئات الاقتصادية ووزيرا المال محمد الصفدي والاقتصاد نقولا نحّاس، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في خلال "الأسبوع اللبناني" في باريس. وتقول مصادر المشاركين في هذا النشاط الاقتصادي إنّهم لمسوا عدم وجود استعداد لدى المعنيّين في فرنسا، ومن خلالهم المجتمعَين الأوروبّي والدوليّ، لتحمّل مزيد من المماطلة والتسويف في إقرار تمويل المحكمة الدوليّة. فكلّما طال انتظار حسم الملفّ في بيروت، ازداد الاتّجاه الى البدء في تطبيق العقوبات الاقتصادية تدريجاً. وسمع الضيوف اللبنانيّون تأكيداً على أنّ هذه العقوبات لا تلقى اعتراضات في مجلس الأمن، خصوصاً بعدما أعلنت موسكو قبل أيّام تمسّكها بالمحكمة وتمويلها.

رسائل والس وكونيللي

هذه المعطيات الجديدة زادت القلق في بيروت، في ضوء المعلومات التي رشحت عن نتائج زيارة نائب مساعد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة جايك والس قبل أيّام ولقائه رئيس الجمهورية ورئيسَي المجلس والحكومة وحاكم المركزي. إذ كشفت المعلومات أنّ الموفد الأميركيّ نقل إلى الذين التقاهم تحذيرات واضحة من مغبّة إهمال لبنان للوفاء بموجباته للمحكمة. وتردّد أنّ والس أبلغ سلامة أنّ هناك تجميداً للعقوبات التي يمكن أن تطاول بعض الجسم المصرفي اللبناني في الوقت الحاضر، ولكن ليس هناك إلغاء لها. وكانت عقوبات فُرضت سابقاً على بعض المصارف، بناء على مخالفات ارتكبتها، واضطرّ المصرف المركزي إلى اتّخاذ إجراءات حاسمة وجذريّة لإنهاء تداعياتها على القطاع المصرفيّ والاقتصاد اللبناني عموماً. وتزامنت الزيارة مع بيان للسفارة الأميركيّة يجدّد الدعوة الى لبنان للوفاء بواجبه في تمويل المحكمة. وهو أعقب "زيارة تفسير" قامت بها السفيرة مورا كونيللي للعماد ميشال عون في الرابية.
 
ويحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مدعوماً بالرئيس نبيه برّي، إطالة المهلة الزمنيّة المتاحة لحلّ أزمة التمويل، عن طريق إطالة المدى الزمنيّ لإنجاز الموازنة في مجلسَي الوزراء والنوّاب، بحيث لا يضطرّ لبنان الى مواجهة الملفّ في شكل مباشر، فيصطدم أهل الحكم إمّا مع المجتمع الدولي وإمّا مع شركائهم رافضي التمويل. وتؤكّد مصادر رئيس الحكومة أنّ من الأسهل عليه أن يواجه الاستحقاقات في داخل الحكومة، على أن يواجه المجتمع الدولي وعقوباته.

خريف الصادرات اللبنانيّة

وتورد مصادر اقتصاديّة وقائع سلبية يعيشها الاقتصاد اللبناني منذ أشهر نتيجة التطوّرات الجارية في لبنان والمنطقة. فإضافة إلى التراجع الذي شهده أداء القطاع المصرفيّ، والذي أظهرته نتائج التقارير الفصليّة، ثمّة تراجع واضح في الصادرات اللبنانية يحدّد رئيس غرفة بيروت محمد شقير بعض وجوهه كالآتي: الصادرات الى مصر تراجعت في نسبة 68 %، وإلى الإمارات 12 %، وانخفض المستوى كثيراً نحو العراق بسبب أحداث سوريا التي تُعتبر الصادرات إليها شبه متوقّفة. ولذلك يبدو مُهمّاً البحث عن أسواق جديدة.

وكان لبنان يعوّل خصوصاًعلى خط بيروت ــ أربيل، نظراً إلى الاستقرار الذي يعيشه إقليم كردستان. وقد فتح القطاع الخاص اللبنانيّ هناك مجالات استثمارية واسعة له. وأدّى التوتّر في سوريا، المفتوح على المجهول، إلى تقلّص النشاط على هذا الخطّ حتى إشعار آخر.

وتتحدّث المصادر عن صعوبات يعانيها رجال أعمال لبنانيّون في دخول مجالات الاستثمار في بعض الدول الخليجية، على خلفيّات سياسيّة أو طائفية أحياناً، وهو ما لم يكن يحصل من قبل. ويستدعي الأمر من هؤلاء المستثمرين العودة إلى مرجعيّات سياسية لبنانية للتوسّط ومعالجة الموقف. وهذه المصاعب المتزامنة التي تعترض الاقتصاد اللبناني تدفع بالقيّمين داخل الحكومة وأركان السلطة إلى التروّي في التعاطي مع ملفّ التمويل. لكنّ سياسة كسب الوقت في هذا المجال محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أنّ تطوّرات ترتقبها المحكمة كإصدار قرارات اتّهام جديدة وبدء المحاكمات الغيابية، ما يبقي الملفّ "على النار" ويجعل هامش المناورة اللبناني ضيّقاً.

وهناك من يتوقّع أن يسلك فرض العقوبات طريقاً "إختباريّاً"، بحيث يجري التشدّد به تدريجاً في موازاة ما يلمسه المجتمع الدولي من التزام أو عدم التزام من الجانب اللبنانيّ، سواء في التمويل أو أيّ ملفّ سواه قد يُطرح في المرحلة المقبلة. 

السابق
الوصفة السحرية للضجر!
التالي
جنبلاط في عيون 14 آذار