أهالي السجناء الموقوفين يهددون بإشعال ثورة.. ليلاً نهاراً

استنفرت القوى الأمنية أمس، من دوريات تابعة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش و«فرع المعلومات»، تحسباً لوقوع إشكالات خلال تنفيذ «لجان أهالي السجناء الموقوفين» حركتهم الاحتجاجية، للضغط على المعنيين بغية إصدار قانون عفو عام، وتخفيض السنة السجنية إلى تسعة أشهر.
وفي حين كانت خطة «اللجان» الجغرافية تقضي بإغلاق شوارع بيروت الرئيسية، وقطع طرق البقاع كافة، اقتصرت التحركات الاحتجاجية على قطع طريق المطار بالإطارات المطاطية لمدة ساعة، وتقاطع «مار مخايل» لحوالى نصف ساعة، إذ حالت المفاوضات الأمنية مع اللجان دون استكمال خطتهم في شوارع المدينة، التي كانت مدرجة على خريطتهم.
وفيما اقتصرت الحركة الاحتجاجية في البقاع على قطع الطريق الدولي العام بمحاذاة مفرق بلدة بريتال فقط، أعلنت «اللجان» عن تحضيرها ليوم «تشهد فيه المناطق اللبنانية كافة قطع طرق في الوقت ذاته، من دون الرضوخ لأي مفاوضات، في حال لم ينفذ المعنيون مطالبنا».

طريق المطار
مباغتة السيدة سعاد م. لسائقي السيارات على طريق المطار، صباح أمس، لا توحي بأن الخمسينية تبتغي مجرّد إيصال رسالة عالية النبرة لـ«الرؤساء الثلاثة»، مفادها أن أهالي السجناء الموقوفين يسلكون سكة «الثورة»، و«إغلاق طريق المطار ومار مخايل – الشياح ما هو إلا البداية» كما قالت في بادئ الأمر.
السيدة كانت تحاول، في إشعالها الإطارات المطاطية وهجومها على السيارات، ثم تمددها على الأرض لمنع المرور، أن تضمن «انزعاج» المارة من حركة التمرّد، «عسى أن يدعمونا في مطالبة إصدار قانون العفو العام عن السجناء».
ابتزاز «لطيف» ربما، لا تعرف السيدة أنه يخطف الود من «المتضامنين» مع الموقوفين منذ سنوات بلا محاكمات، أكثر مما يجذبهم. إلا أنها تدرك، في المقابل، «أهمية أن تقطع طريقا رئيسيا لمدة ساعة»، في ذروة ساعة المرور. تقول انها رسالة قاسية، و«لولا ذلك، ما كانت المفاوضات معنا تجري هكذا.. فنحن في بلد ديموقراطي».  
مع انبلاج خيوط الصباح الأولى، وصلت سعاد، وهي والدة سجين مضى على توقيفه في سجن «رومية» 11 شهراً من دون محاكمة، بصحبة أم عبد الله ع. وحسين د. والسيدة ف. ف.، ومسؤول «لجان أهالي السجناء الموقوفين» خضر ضاهر، إلى طريق المطار القديم.
كانت دوريات مؤللة للجيش اللبناني منتشرة قبالة مستشفى «الرسول الأعظم»، استباقاً لحركة الاحتجاج، فانتقلت المجموعة إلى محاذاة مفرق مخيم «برج البراجنة»، عند طريق المطار الرئيسي.
بدا عناصر قوى الأمن الداخلي في وضعية الاستنفار، على الرغم من أن عدد المتظاهرين كان لا يتجاوز عشرة أشخاص، ولكل منهم سجين موقوف لم يُحاكم بعد، في سجون لبنان كافة، وبالتحديد في «رومية».
عند السابعة صباحاً، وفي لحظة الذروة المرورية، حملت سعاد إطاراً مطاطياً، وسارت به بين السيارات، ملوحة بيدها لأم عبد الله وفتاة لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها: بهدوء مريب، أوقفت السيدة رتلاً من السيارات، ثم أضرمت النيران في الإطارات المطاطية.
بدت علامات الذهول واضحة على سحنات سائقي السيارات، فيما تجمّد عناصر قوى الأمن الداخلي، حائرين في اتخاذ القرار: يهجمون على نسوة؟
«نجحت» المجموعة النسائية في خطتها، بينما علت أصوات أبواق السيارات والحافلات المدرسية، تزامناً مع اعتلاء السحب السوداء في السماء.
راحت سعاد تصرخ بوجوه السائقين «على جثتي»، ثم تربّعت على الأرض، بين ألسنة النيران، رافضة التفاوض مع القوى الأمنية، فيما كان مصوّرو وسائل الإعلام يحتشدون حولها، مصوّبين عدسات كاميراتهم على الجسد الممدد على الأرض، وخلفه رتل طويل من السيارات، امتد في خط متعرّج إلى.. خلدة!
«ما علاقتنا بالموضوع يا وطن؟ اختنقنا بالدخان، وسياراتنا ستحترق!» صرخت إحدى السيدات من خلف زجاج سيارتها، موجهة حديثها إلى ضابط الدورية الأمنية، والذي حاول، بشتى السبل السلمية، أن يثني السيدات الثلاث عن حركتهن الاحتجاجية.. «التي وصلت رسالتها يا حجة، والله وصلت، لكن ما ذنب هؤلاء؟» كان يسأل.
لا جواب من السيدات، والازدحام المروري إلى ازدياد، يرافقه هلع المارة الذين اعتقدوا، لوهلة، أن هدف قطع الطريق إشكال سياسي، فبدت السيارات الملاصقة لألسنة النيران منكمشة على بعضها، تحاول اختراق النيران.
تقاطع مار مخايل
كانت الخطة الرئيسية لـ«اللجان»، تقضي بإقفال طريق المطار أولاً، ثم التوجه إلى محلة «مار مخايل»، ومن بعدها إلى الطيونة، تليها المشرفية كنقطة أخيرة، لتوجيه «رسالة واضحة إلى الدولة التي ماطلت باستجابة مطالبنا، المتمثلة بإصدار قانون عفو عام، وذلك بعدما كان مطلبنا المتواضع أن يُحاكم الموقوفون، مجرّد أن يُحاكموا!» وفقاً لضاهر.
غير أن مفاوضات الضابط المسؤول في الجيش اللبناني عن فوج التدخل الخامس، أفضت إلى إقناع «اللجان» بالعزوف عن قطع الطرق في المناطق المدرجة على الخطة، بعدما وصلوا إلى تقاطع مار مخايل – الصيّاد، حيث كانت دوريات الجيش بانتظارهم. وارتكز الضابط في مفاوضاته مع ضاهر على قاعدة مفادها أن التظاهر من حقهم، لكن «تخويف الناس وتأخيرهم عن أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم ليس من حقكم»، فأضرموا النيران في باحة ترابية مستديرة، على الرغم من محاولة السيدات «تسريب» الإطارات المشتعلة إلى الطريق.
وبدا لافتاً أنهن، في أثناء دردشة «استراحة المحارب»، لم يخجلن بالتهم المنسوبة إلى أبنائهن: «نحن جيل الحرب الأهلية. ورثنا، من ذلك الزمن، حرفة واحدة كان المسؤولون الرسميون يعملون في حقلها، وهي تجارة المخدرات. أولادنا عملوا في هذه المهنة عنوةً، ونحن نريد أن نتخلص منها».
بأسلوب عفوي لا يشبه الأسلوب الذي نزلن به إلى الشارع، يسألن: «ما ذنب هؤلاء المارة؟»، ثم يجبن، بعدما يسمعن أن لا ذنب لهم، بالقول: «وما ذنب أولادنا في أن يناموا في سجون لا تليق بالحيوانات، من دون أن يُحاكموا، مجرّد محاكمة، منذ سنوات؟». ابتزاز، أم تهديد؟
برأيهن، حركة الاحتجاج أضحت وسيلتهن الوحيدة للدفاع عن أبنائهن، بعدما يئسن من وعود المسؤولين بتنفيذ القانون لا أكثر. وسيلة، وفقاً لوجهة نظرهن، «سلاحها خفيف»: وقود.. وإطارات مطاطية.
تقول إحداهن: «أما نحن، فلن نكون، من اليوم وصاعداً، ذلك الوقود الذي كنّا عليه. كانوا يحرقوننا. من الغد، سنحرقه على رؤوس الجميع».
ثلاث سيدات يهددن بقطع الطرق ليل نهار، في حال لم تنفذ مطالبهن المحقة. يبتسمن عند السؤال: «هل ثمة جهات حزبية تدعمكن؟»، ثم يجبن: «نعم، الإطارات المطاطية، والوقود، في بلد يسمح بالتظاهرات السلمية». 

السابق
انتخابات اليسوعية غداً: معارك حامية
التالي
هل يفرض الناتو حظرا جويا على سوريا ؟