لماذا رفـع المستقبل لغته ضد ميقاتي؟

من المعلوم أن علاقة تيار المستقبل بنجيب ميقاتي ومنذ الإطاحة بسعد الحريري مرت بمرحلتين، تجلت الأولى، في الصدمة التي أصابت المستقبل عندما وقع الاختيار على ميقاتي، وتجلت الثانية، بتسليم المستقبل بالأمر الواقع مكرهاً، وبالتالي ترك ميقاتي يتخبط مع فريقه الحكومي ـ السياسي، خاصة ان الاشتباك السياسي ضمن الفريق الحكومي يؤشر إلى أن حكومة ميقاتي قد دخلت مرحلة التآكل من الداخل.

وليس سراً أن المستقبل انكفأ إلى مربع انتظار سقوط الحكومة من تلقاء نفسها، وخفـّض وتيرته الهجومية الى مستوى ما يسمّيها الميقاتيون المواقف التقليدية لزوم التذكير بالمعارضة والتركيز الشخصي على ميقاتي وتبعيته لـ«حزب الله»، ولكن فجأة تبدلت الأحوال في الآونة الأخيرة وعاد تيار المستقبل الى رفع وتيرة هجومه، واكثر من استـُفـِزّ ليس نجيب ميقاتي، بل وليد جنبلاط، فليس مستغرباً بالنسبة الى زعيم «التقدمي» ان يتعرّض ميقاتي للهجوم من قبل رافضي تمويل المحكمة الدولية، بل ان المستغرب هو أن يأتي الهجوم والتحامل من اولياء دم القضية وفي مقدمهم تيار المستقبل، فهذا امر من الصعب «بلعه».
يطرح هذا التصعيد السياسي والشخصي ضد ميقاتي، الاسئلة البديهية التالية:- هل يعود السبب الى شعور يعتري تيار المستقبل بأن رأس الحكومة «استوى» وحان قطافه؟
– هل هي مصادفة ان ينطلق هجوم تيار المستقبل على نجيب ميقاتي بعيد مشاركته في مراسم تشييع ولي العهد السعودي الامير سلطان بن عبد العزيز، وهل استفزّت مشاركته «أحداً ما»، وهل ثمة من هو مستفزّ مما يحكى عن «انفتاح جدي» من قبل القيادة السعودية على ميقاتي؟
– هل لأن تيار المستقبل بدأ يشعر بأن ميقاتي بات يشكل خطراً سياسياً حقيقياً عليه، وانه كلما طالت مرحلة رئاسته للحكومة الحالية، صعبت عليهم مسيرة العودة الى السلطة مرة اخرى؟
– هل راكم ميقاتي في فترة زمنية قصيرة نجاحات في المربع السني، بدأت تحرج خصومه وهل باتوا يخشون من أن استمراره طويلا على رأس السلطة، أقله حتى انتخابات العام 2013، سيجعل منه رقماً بالغ الصعوبة سواء في الانتخابات المقبلة أم عند تشكيل اية حكومة مقبلة؟
– هل لأن قوى الاكثرية نجحت في تبريد ملف تمويل المحكمة وسحبه من حلبة التداول السياسي والإعلامي اقله في المدى المنظور، بما اعطى لهذه القوى فسحة لأن تتعاطى مع هذا الملف بروية وهدوء؟
– هل السبب في تصعيد الهجوم يؤشر من جهة الى انتهاء مرحلة التكيّف مع الواقع التي قادها فؤاد السنيورة في لحظة سياسية معينة وخاصة منذ مرحلة الكباش السياسي حول خطة الكهرباء، ويؤشر من جهة ثانية الى عودة سعد الحريري الى الواجهة الهجومية مجدداً تمهيداً لحضور اكبر في المرحلة المقبلة؟
– هل سبب التصعيد ضد ميقاتي يعود الى كل ما تقدم، ام ان وراء الاكمة ما وراءها وان المحرّك لكل ذلك هو أمر عمليات خارجي، وهل ارتفاع النبرة مرتبط بالتطورات المتسارعة في المنطقة، وهل يسعى تيار المستقبل من وراء هذا التوتير في لحظة تصعيد إقليمي متصاعد، الى التذكير بانخراطه الكلي في المشروع الرامي الى تغيير وجه المنطقة من لبنان الى سوريا فإيران؟
يقول سياسيون إن تيار المستقبل ومنذ إخراجه من جنة السلطة، لم يعتمد سياقاً ثابتاً للتعاطي مع الاحداث، بل بشهادة بعض النافذين في داخله، دخل في حالة من التخبط والوهن والارتباك واختلال الوزن ولولا حضور فؤاد السنيورة أولاً وأحمد الحريري ثانياً، لأصبح المستقبليون، على هامش كل ما يجري داخلياً.

بماذا يجيب تيار المستقبل؟
– اولا: إن قرار تيار المستقبل ومنذ البداية هو ان ليس في الامكان التعامل مع ميقاتي، خاصة ان المسار الذي انتهجه ميقاتي من البداية هو مسار مواجهة معنا وليس مسار مسالمة.
– ثانيا: لا تعامل مع ميقاتي كما نتعامل مع وليد جنبلاط، فالاخير يسعى لأن يحمي طائفته، بينما ميقاتي مخالف لطائفته، ان لم يكن أكثر.
– ثالثا: ان خطاب تيار المستقبل في وجه ميقاتي ليس مرتفعاً او منخفضاً، بل هو يهبط ويرتفع من موقع المعارضة الجذرية، بحسب ادائه وبحسب الموقف الذي يتخذه.
– رابعا: ان ميقاتي يزايد علينا سنياً وخاصة في موضوع المحكمة والتمويل، وفي كل الاحوال نحن لا نؤمن بالاقوال بل بالافعال، فهو يقول انه يريد ان يموّل المحكمة، ونحن نريد ان نفترض ان هذا كلام جميل، ولكن كيف سيموّل؟
– خامسا: ان ميقاتي يعتمد دائماً سياسة حجب الصورة، وآخر تجليات ذلك، حينما قال السيد حسن نصرالله بكل صراحة في مقابلته الأخيرة إن لا تمويل لا عبر مجلس الوزراء ولا عبر مجلس النواب، ثم يأتي ميقاتي ويقول إن كلام نصرالله ليس سلبياً.
– سادسا: ان ميقاتي هو رئيس الحكومة التي تشكلت تحت عنوانين رئيسيين الاول حماية السلاح والثاني إغلاق ملف المحكمة الدولية، واضيف اليها مؤخراً عنوان ثالث يقول بحماية النظام السوري وتبدى ذلك في محطات عدة في الامم المتحدة وفي الجامعة العربية، ما يعني أن الخلاف مع ميقاتي هو خلاف استراتيجي وليس خلافاً تفصيلياً يتعلق بالتمويل او غيره.
– سابعا: إن تمويل المحكمة الدولية امر مهم جداً، ويقع في رأس اولويات تيار المستقبل، لكن الأهم هو خيار العدالة الدولية وذلك يستوجب التزاماً من ميقاتي بعدم الاستجابة لمطلب إعادة وضع بروتوكول المحكمة على بساط البحث من زاوية إلغائه او تعديله الجذري بما قد يفقده مضمونه وقيمته ومعناه، ما يعني أن التمويل الذي يحكينا عنه نجيب ميقاتي هو أشبه بحقنة مورفين.
– ثامناً: لقد دخلت المنطقة في مخاض ستتولد عنه متغيرات جوهرية قريبة في سوريا كما في لبنان.  

السابق
هل سيؤيد وزراء امل تمويل المحكمة اليوم !؟
التالي
الضاحية: فوضى وفلتان أمني أم مبالغات أغراضها سياسية؟