فليتشر: التلكؤ في التمويل إشارة سيئة

في 7 الجاري، يحل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ضيفا على نظيره البريطاني ديفيد كاميرون في "10" داونينغ ستريت". وليس خافيا ان الزيارة الاوروبية الاولى الرسمية له بعد فرنسا، تأتي في توقيت لبناني دقيق. "بطله" السجال المستمر حول قدرة لبنان على الايفاء بالتزاماته الدولية عبر دفع حصته المستحقة لتمويل المحكمة الخاصة بلبنان:"المسألة دقيقة" يقول السفير البريطاني توم فليتشر "هناك مهلة محددة حقيقية. ومن الخطأ الاعتقاد انه لا يمكن الوصول بالقضية الى خواتيمها. هي مدة تنتهي مع نهاية العام المالي هنا، نهاية السنة".

انطلاقا من عنوان عريض يتركز على حفظ الاستقرار في لبنان أساساً لاستقرار المنطقة، والحد من خطر اندلاع النزاعات وخصوصا في الجنوب،
يندرج التحرك البريطاني الذي يسعى الى تعزيز وحدة المجموعات اللبنانية. وهو تحرك يكاد يراوح بين حدين، حد رفض البقاء "كمجرد متفرجين او معلقين على ما يجري" كما يقول فليتشر من دون ان يبلغ مستوى التدخل لتغيير ما يحصل. وعليه، اثمرت الاشهر الاخيرة خطة عمل قدمها البريطانيون الى السلطات اللبنانية وتناولت 3 محاور: الاصلاحات، دعم القوى المسلحة من جيش وقوى امن داخلي، والقطاع المصرفي بنوع خاص والاقتصاد في شكل عام: "ثمة شبه اجماع لبناني على أن القطاعين الاخيرين اي الجيش والمصارف يشكلان ركائز الدولة ولا ينظر اليهما من منطلق طائفي ضيق، كما يتمتعان بصدقية واثبتا فاعلية. من هنا كان التشديد على تعزيز صلابتهما".
في حيثيات الخطة، تفعيل تدريب الجيش بنسبة الضعفين او اكثر في الفترة المقبلة و"التأكد من انه الضامن لاستقرار لبنان مقابل التهديدات الداخلية والخارجية" بالتزامن مع تنسيق جار مع الجهات المانحة لمده ببعض التجهيزات.  
الامر عينه ينطبق على قوى الامن الداخلي، حيث تتركز المشاورات بين الجانبين اللبناني والبريطاني، على الحاجة الى استراتيجيا طويلة الامد، واهمية تعزيز الدعم الشعبي لهذه القوى. والمشاورات هذه عززتها "خطة طموحة" تقدم بها المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي الى المعنيين: "يعمل اللواء ريفي مثلا على شرعة سلوك للشرطة نتوقع ان تكون الاولى من نوعها في لبنان والمنطقة، في ظل التحولات العربية، ولاسيما ان بعضها يترافق مع تغيير في العلاقة بين المواطن والشرطة. ثمة تفهم ابداه المسؤولون لهذه الوقائع، من هنا يأتي التركيز على جعل افرادها اكثر مهنية وعرضة للمساءلة".
لا شك في ان الدعم البريطاني العسكري يعيد الى الواجهة مجموعة تساؤلات، اولها مدى تجاوز الافرقاء للانقسامات الطائفية حيال بعض المؤسسات او الاقسام الامنية فيها، فضلا عن تبديد الخشية من وصول بعض العتاد الى افراد من "حزب الله" بالتزامن مع تصويب البعض سهامهم على مساع لتغيير "العقيدة الامنية" لهذه القوى: "القصة تبدو اشبه بقصة البيضة والدجاجة" يعلق فليتشر ممازحا،" لا يمكن ان تنال القوى المسلحة الاحترام اذا لم تعزز فاعليتها وقدراتها الاستراتيجية. نأمل في التوصل الى ذلك ولاسيما عبر بناء هذا النوع من التعاون. لا ننكر ان الجيش في مرتبة متقدمة في هذا المجال".
من هذا المنطلق، لا يخشى البريطانيون بلوغ الدعم الغربي اطرافاً اخرى كـ"حزب الله" لاسباب عدة، في مقدمها ان الدعم لا يشمل اسلحة بقدر ما يتضمن خبرات. ومع ان فليتشر لا ينفي وجود اتصالات وثيقة بين عدد من المسؤولين الرفيعين في الدولة و"حزب الله" الذي يمثل جزءا من الحكومة، الا انه لا يتوانى عن الاشارة الى "ان لدى الحزب نفسه اهتماماً بالاستقرار وبقدرة القوى الامنية على قيامها بمهماتها (…) كما ان المسؤولين انفسهم في الجيش او القوى الامنية يحتاجون الى تطويع حزب الله ليكون جزءا من العملية".
وهل هذا يعني تعبيد الطريق امام استراتيجيا وطنية للدفاع؟ يرد "الامر يعود الى اللبنانيين، ارغب بقوة في رؤية هذه الاستراتيجيا الوطنية، الا انها جزء من العملية السياسية".
مع توجه الدول الغربية الى فرض حزمة عقوبات جديدة على سوريا في المرحلة المقبلة، ثمة علامات استفهام حيال الآليات الممكن اتباعها لحماية القطاع المصرفي اللبناني من تداعياتها، ولاسيما نتيجة التداخل القائم بين لبنان وسوريا على اكثر من مستوى. ويؤكد الديبلوماسي البريطاني هذا التوجه بحديثه عن النظر في تدابير جديدة في ظل العنف المتمادي وطريقة استهداف الجيش السوري للشعب، لحض النظام على تبديل تصرفه والسير بالاصلاح، "الا اننا وبالقدر نفسه نسعى الى حماية لبنان من هذه الاجراءات وتفادي اي انعكاسات سلبية لها. ندرك ان الاقتصاد اللبناني يعتمد في شكل واسع على القطاع المصرفي وان لبنان وسوريا شريكان وثيقان (…) ونتمنى ان ينجح الاقتصاد اللبناني في فصل نفسه عن عقوبات الاقتصاد السوري، وافضل طريقة لحماية الاقتصاد اللبناني هي حض الشركات اللبنانية على ذلك.
في اي حال، شكل هذا الملف موضوع محادثات بين فليتشر وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الآونة الاخيرة، وسط تركيز على التدابير الممكن اتباعها لطمأنة المجتمع الدولي الى هذه المعطيات: "لنكن واضحين، ثمة تقدم تحقق وهناك تفاهم على انه من الكارثة فرض تدابير تعوق الاقتصاد اللبناني". وينقل فليتشر في هذا الاطار عن سلامة رغبته في زيارة لندن لشرح التدابير المصرفية المتخذة وضرورة ادراك المصارف والمستثمرين البريطانيين ان تداعيات العقوبات السورية لا تمر عبر المؤسسات اللبنانية. وفي بلورة لهذا الموقف، يقول: "ثمة خطر من ان يظهر افرقاء كاسرائيل لبنان جزءا من سوريا وحزب الله، فيتم استخدام ذلك لضرب الاقتصاد اللبناني ككل، وربما مستقبلا كذريعة لخطوات اخرى. من هنا، اهمية اظهار ان الامور اكثر تعقيدا مما تبدو من الخارج وان حزب الله جزء من الحكومة غير انه لا يدير البلد".
عمليا، تلقى فليتشر تطمينات من اعضاء الحكومة الى أن لبنان سيفي بالتزامه تمويل المحكمة. غير انها تطمينات لا تثنيه عن التذكير بان التلكؤ بذلك يسمح بالقول ان لبنان هو لـ"حزب الله" ويعوق ثقافة الحد من الافلات من العقاب كما انه يجعل من عملنا كأصدقاء للبنان اكثر صعوبة (…). "ستكون اشارة سيئة. في اي حال، علينا ان نعمل مع كل الاحتمالات ونتحضر ايضا للاسوأ. كانت لدينا محادثات على المستوى الاوروبي الاسبوع الماضي في هذا الشأن ويجب ان نكون جاهزين لاي مخرج".
الى تمويل المحكمة، ستحضر في محادثات رئيسي الحكومة "الخطة الثلاثية" لدعم لبنان، وبرنامج الاصلاح والاستثمارات والاصلاحات الانتخابية، والاوضاع في ليبيا ودور لبنان خلال ترؤسه مجلس الامن في هذا الشأن وخصوصا ان بيروت تستضيف مؤتمرا عن الاستثمارات في طرابلس نهاية الشهرالمقبل. وللتطورات الاقليمية، حيز كبير من المناقشات في ضوء عضوية فلسطين في المنظمة الدولية والاحداث في سوريا.
وفي هذا الاطار، يؤكد فليتشر ان وفد الجامعة العربية توجه الى سوريا مع "خطة واضحة ومتماسكة"، مؤثرا عدم الخوض في تفاصيلها. واذ يتمنى ان يؤخذ الحوار جديا من جانب السوريين، يبدي تخوفه من ان يسعى النظام كعادته الى "شراء الوقت". ورغم اللقاء الذي جمع وفدا من "المجلس الوطني" السوري بوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط اليستر برت اخيرا، يرى السفير البريطاني انه من المبكر الاعتراف بالمجلس او غيره من اطراف المعارضة في انتظار جلاء بعض المعطيات. وفي وقت قرأ في كلام الرئيس السوري بشار الاسد الى "الصنداي تيليغراف" باحداث زلزال في المنطقة "لغة قوية جدا (…) ما يزيد قلقنا حيال المخاطر التي ينوي اتخاذها ضد شعبه وشعوب المنطقة لحماية مصالح نظامه"، لا يتوانى عن الاشارة الى امكان عودة بلاده الى مجلس الامن في شأن التطورات هناك وفقا لما تمليه التطورات على الارض، وبعد التأكد من وجود تفاهم دولي حيال المسألة.  

السابق
هل يعود لبنان ساحة لحروب الآخرين؟!
التالي
ورشة اعمال لعوائل الشهداء